ü التأم مؤتمر الحركة الإسلامية خلال الأيام الماضية.. كان مهرجاناً كبيراً كلف المليارات- بحسب قول ناطقته الإعلامية- وتداعت إليه الوفود أو استدعيت على حساب المؤتمر الذي تكفل به «أثرياء الحركة الإسلامية» وهم كثر- ما شاء الله- كما قالت الناطقة سناء حمد أيضاً، التأم المؤتمر وعج منبره بالخطباء المفوَّهين وتعالت- كالعادة- الهتافات من جنبات قاعة الصداقة الفسيحة منحة جمهورية الصين الشعبية بزعامة الرفيق ماو لشعب السودان الذي قتل غردون مع فجر انتصار الثورة المهدية، كانت القاعة وعداً في عهد عبود وتم تنفيذها في عهد الرئيس المخلوع جعفر نميري- غفر الله لهما-.. وترافق الانعقاد مع الغزوة البربرية الإسرائيلية على قطاع غزة، مما أضفى على المؤتمرين الذين توسطهم زعيم «حماس» رئيس مكتبها السياسي جواً من الحماسة والانفعال والبهار الزائد الذي «اختطف» المؤتمر كله باتجاه «الجهاد الأصغر» جهاد العدو الإسرائيلي ومن يقفون وراءه، ونسي المؤتمرون «الجهاد الأكبر» جهاد النفس الأمارة بالسوء، جهاد المؤمنين الذين لا يبيت جارهم جوعان.. والجهاد الأعظم: قولة الحق في وجه سلطان جائر، وجهاد إعلاء شأن الأمة السودانية التي تعاني أركان الثالوث المقيت جميعها: الفقر والجهل والمرض. ü لكن بعد هذا كله بل قبله، لم يجب «مؤتمر الحركة الإسلامية» على السؤال الجوهري والقانوني، المتصل بصفة المؤتمر والمؤتمرين، لم يجب على سؤال هل الحركة تعقد مؤتمرها بوصفها حزباً سياسياً مسجلاً ومعترفاً به من قبل مسجل الأحزاب، أم بوصفها جماعة دعوية مسجلة لدى وزارة الإرشاد والأوقاف، أم بوصفها منظمة مجتمع مدني معترف بها من وزارة الشؤون الإنسانية؟! ü لا هذا ولا تلك للأسف، وكان من أوجب واجبات المؤتمر- التزاماً بحكم القانون- أن يجيب على هذا السؤال الذي حير المراقبين، لكنه لم يأبه ولم يلقَ له بالاً.. فقد أغرى المؤتمرين الانخراط في مسارب «الأمر الواقع» المفتوحة أمامهم دونما معقبٍ أو رقيب والرعي على كلأ السلطة وعشبها الكثيف برؤية «سخلة المك المافي زول بقوليها تك»، هذا الأمر الواقع على سهولته وإغرائه لا يُغني «الحركة» أو حتى «المؤتمر الوطني» من الإجابة على السؤال المتعلق بالتوصيف القانوني لأوضاع الحركة، خصوصاً وأن تسجيل الأحزاب وقانونه هو أمر رتبه الحاكمون قبل المحكومين وفرضوه- بقوة القانون- على كل الهيئات والمنظمات السياسية، فإعفاء «الحركة» من ترتيب أوضاعها القانونية وتحديد صفتها الاعتبارية أمر لازم، وتجاوزه أو إغفاله وتجاهله لن يفهمه الآخرون سوى أنه محاباة وانحياز وإقصاء و«حكم القوي على الضعيف». ü من حيث المبدأ فإن وجود الحركة الإسلامية كإحدى مكونات المشهد السياسي لا اعتراض عليه، فذاك حق ديمقراطي أصيل، لكن الاعتراض ينشأ من عدم المساواة بين هذه المكونات في التعامل مع القانون المنظم لوجود الأحزاب. وقد يلمح المراقب ومن خلال أعمال المؤتمر الثامن أن المؤتمرين قد لجأوا لصيغة غامضة أقرب للتحايل على القانون بدلاً من الخضوع لمنطوقه ونصوصه الصريحة، حيث جرى استحداث ما يعرف ب«الهيئة القيادية العليا» للحركة المشكلة من القادة التنفيذيين والسياسيين للحزب الحاكم والدولة بما فيهم رئيس الجمهورية ونائباه وكبار الوزراء وبعض القيادات السياسية للحركة مع الاحتفاظ ب«الكيان الخاص» للحركة كرديف للحزب- غير مسجل- مع القول «المجاني» بأن حزب المؤتمر الوطني هو «الذراع السياسي» للحركة الإسلامية، على غرار ما جرى في مصر بعد الثورة بين جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي «حزب الحرية والعدالة».. وهذه «الهيئة العليا» تنزع عن حزب المؤتمر الوطني صفة «الكيان الجامع»المعلنة وتجعله إحدى أوعية الحركة أو أفرعها. ü إنه وضع ملتبس ومحيِّر، فإما أن تتخلى الحركة عن دورها السياسي وتصبح منظمة «دعوية» أو «منظمة مجتمع مدني» أو تسجل نفسها حزباً سياسياً- بحكم قانون تسجيل الأحزاب- حتى يجري عليها ما يجري على الأحزاب الأخرى من رقابة وضوابط قانونية. أما أن تركب سرجين «سرج الحركة» و«سرج المؤتمر الوطني» في الوقت ذاته، فذاك ما لا يجوز، لأن المساواة أمام القانون هي أولى أولويات القانون والدستور، وتخطيها يعني هدم القانون في أبسط تفسير. وليتذكر من بيدهم الأمر قول السودانيين الحكيم أن «ركَّاب سرجين وقِّيع»!