لعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هو الذي قال «ربَُّوا أبناءكم لزمان غير زمانكم» مقولة في منتهى الحكمة وبُعد النظر.. وقد تابعت سهرة بعنوان «ذوق جيل» قدمتها الإعلامية التلفزيونية بهارموني هدى عمر.. وقد استضافت عدداً من المطربين الشباب «استعنت بأفراد أسرتي لتذكر أسمائهم».. قرقوري.. أحمد البنا نجل الفنان الجقر.. وسامي عز الدين.. (رحم الله سيد الاسم).. ونزار المهندس.. وشاعراً شاباً نسيت اسمه والكاتب الصحفي طارق شريف.. وقد يتبادر إلى ذهن القاريء إنني سأشن حملة شعواء على هؤلاء الشباب لكن الواقع إنني تعاطفت معهم واستنكرت على المذيعة الناضجة أنها لم تتمكن من ضبط مشاعرها فقد كانت خلجات وجهها وبريق عيونها وحركة قدميها تنبيء عن انسجامها التام واستمتاعها بما تستمع إليه من أغنيات هي في واقع الأمر «مونولوج» ذلك الفن الذي انقرض منذ عهد «بلبل» عليه رحمة الله حيَّّاً وميتاً فقد جارى أغنية الأستاذ الراحل عثمان حسين «يا ناس لا لا» وعلى قالبها اللحني قال وهو يحارب لعب القمار والميسر. يا ناس أمي وناس عمي وناس خالي وينو دمي زاد همي وضاع مالي **** طوال الليل ما بنوم «بالسروال» ديمة احوم بيهو أرقد وأقوم التوب الاتشرط بنعالي وهؤلاء الشباب الذين امتلأت وجوههم صحة وعافية وتفتلت عضلاتهم ورَّقت أصواتهم يؤدون أغنيات هي لفن المنلوج أقرب وفيها من الإساءة والتجريح والاستهانة بالجنس الناعم ما يصم الآذان.. ومن العجب العجاب أن البنات يرقصن ويتمايلن طرباً أمام هذا السيل من الشتائم المقزعة.. عمليتك ما ظريفة.. حركتك جبانة.. الفي ريدو فرَّط دقس بجي غيرو يعمل مقص.. لو قايلة ريدتنا زي مهند ونور تبقى عيانة ودايرة ليك دكتور.. الليل خبر السواد مالك يا زول حبيبي خالط في جنينة.. واجهني بتحداك بالشي الانا قلتو.. مشّيت ليك مرات بس انت كترتو.. خليتك لي الله.. لا بيني لا بينك لا بجيك لا تجيني.. انا قدمي بمسكو عليَّ. وقد خطر لي أن أوصي بمنح الأستاذ طارق شريف كل أوسمة الشجاعة والجدارة والخدمة الطويلة الممتازة وهو يغالب غيظه ويكظمه طيلة زمن الحلقة التي ارتفع فيها ضغطه لمعدلات قياسية أغلب الظن.. ولكن في «الاتجاه المعاكس» أليس لهؤلاء معجبون؟ ألا يحيون حفلات يؤمُّها آلاف الشباب.. من الجنسين ويطربون لهم ويطلبون المزيد من الشتائم والسباب والدعاء عليهم؟ أليس من واجب الدولة ومنظمات المجتمع أن تأخذ بيدهم وتضعهم في الطريق الصحيح؟ أين دور المنتديات الأدبية والثقافية مراكز الشباب في الاصلاح؟ بل أين نقابات المهن الفنية ولجان النصوص والألحان؟ وأين تقع مسؤولية الأجهزة الإعلامية الرسمية والخاصة؟ وماهو دور المصنفات الأدبية والفنية؟ وهل يكفي قمع هذا النشاط وتكميم هذه الأصوات أم الأجدى والأجدر ان يُقوَّم مسارهم وتضبط حركتهم بالتثاقف والتمازج والتوجيه السديد بلا إكراه ولا تعصب.. كان المطربون والشعراء يؤمُّون المنتديات الأدبية والثقافية ويخالطون المثقفين والأدباء والأفندية فارتقت مفرداتهم حتى أن محمد علي الأمي مثلاً يكتب ويقول هواك وهواي بىْ جارُو سبن أفكاري نظراتك متين تعطف تزيل وجدي بريد كل البريد ذاتك وها نحن نهبط بكلماتنا إلى لغة الراندوك والشماشة وأبناء الشوارع فنجد طلاب الجامعات والخريجين والموظفين يستخدمون مفردات الشارع يا فردة. ويا حبة.. ودقس.. وفي السلك.. وهلمجرا. إن هؤلاء الشباب ضحية لسيل الثقافات الوافدة والاستلاب وقد فتح الفضاء من فوقهم ومن بين أيديهم فبدأ عصر الانحطاط والذي خططت له سياسات الدول المستكبرة والتي تستهدف الشباب بالخلاعة والمجون وأمراض العصر كالايدز والمخدرات والاباحية الجنسية تدميراً لقدرات الأمة الكامنة في شبابها. وقد أتاح لي الأفطار الجماعي الذي هيأه لنا الأستاذ مصطفى أبو العزائم بمنزله العامر فرصة اللقاء مع الأستاذ عبد الباقي يوسف رئيس اتحاد الشباب السوداني بولاية الخرطوم وقد حملته هم هؤلاء الشباب ورحب بهذا الواجب فليس عدلاً أن نترك هذه الطاقات الشبابية لمجرد أنهم يغنون بكلمات «هايفة» حتى لا نقول تافهة. وأنا أعترف بأنه ليس هناك ما يسمى «بأغنية شبابية» كل الفنانين بدأوا شباباً. واحد مشى حفلة عرس ووجد «اللحو» يغني الأسد النتر صحَّى المرافعين خوف.. فقال له يا أستاذ حرام عليك عرسان صغار داخلين حياة جديدة مرفعين شنو وأسد شنو؟ التحية لصديقي علي إبراهيم اللحو. وهذا هو المفروض،،