قال القطب الاتحادي الكبير المرحوم حسن دندش إن أكرم سياسيَيْن مرا على السودان هما السيد عبدالرحمن المهدي والمرحوم حسين الشريف الهندي بيد أنني أضيف لهما ثالثاً هو السيد نصر الدين ابن الإمام الهادي المهدي الذي فصله الإمام الصادق مؤخراً بحجة تنسيقه مع الجبهة الثورية، وظهرت في الإعلام قبل يومين صورة تجمعه مع ياسر عرمان وعلي الحاج، وكانوا ثلاثتهم بالبدلة الكاملة. لم تكن البدلة (خايلة) في نصر الدين مثلما لم تكن وقفته مع ياسر أيضاً (فوتو جنك) فهما على نقيضين يكمنا جدلياً في التناقض، أما على الحاج فقد بدا محياه الاسلامي الحنون ناسفاً لكل تحالفات الصورة!! ظل نصر الدين يمثل ركيزة التوازن في حزب الأمة فهو مشهد رمزي للإمام الهادي في علاقته المتوترة تاريخياً بالإمام الصادق والمستريحة من الرهق بعد رحيله عن طريق نصر الدين. ولم يطور نصر الدين هذه الأرضية لتتمدد فيصبح مركزاً من مراكز القوة لأن طبيعته المتسامحة وانشغاله الاجتماعي (بالأخوان والأحبة والسوق والهلال) لا تتيح له وقتاً للتأمل ومتسعاً للتآمر، فملأ خاله مبارك هذا الفراغ باقتدار إلى أن كبر أبناء الإمام وبلغوا الحلم السياسي والرجحان الذي يرضي الأب فاستغنى حزب الأمة في تشكيلته تماماً عن خانة (الظهير القشاش)! ظل نصر الدين منذ 30 يونيو 89 يبشرنا بانقلاب عسكري يعيد توازن الخلخلة والتفكيك الذي أحدثته الإنقاذ وأظن أن صمويل بكيت الذي كتب في (انتظار جودو) لو عاشر نصر الدين الهادي لاقتنع أن الكائن الذهني المتجسد في الرواية يمكن أن يخرج من ماء دافق ويعيش بين الناس بدلاً من أن يكون قابعاً بين دفتي الكتاب ينتظر بعث الحياة عندما يشتري القارئ الرواية. قبل عامين كنت اتصور أن فكرة الانقلاب الشعبية بمجئ جودو قد تبخرت من ذهن نصر الدين غير أنه اتصل بشخصية دارفورية رفيعة ومهمة ومحورية مؤكداً أن الانقلاب سيقع قبل توقيع اتفاقية الدوحة! ضحك الدارفوري سليل (الدمنقاوي) واتفقنا على أن نطلق على أي شيء لن يقع (انقلاب نصر الدين)! معضلة القيادات السياسية المعارضة في بلادنا أنها تأسر الواقع لصالح الحلم وتتجاوز الموضوعية لتهنأ الأماني وتفكر إستراتيجياً بطريقة (انقلاب نصر الدين)!