وما زلت في قلب خيمة مؤتمر الأحبة في الحركة الإسلامية.. وبالأمس كتبنا- ونقلاً بالمسطرة.. أو هي صورة بالكربون- خطاب «الانقلاب» أو قل «الثورة»- كما يطلق عليها الأحبة الإنقاذيون- لم نحذف منه حرفاً ولا زدناه شولة.. قطعاً نعود إليه بالتفصيل الرتيب.. نورده فقرة فقرة.. وننظر حولنا.. لنرى كيف وجدت الإنقاذ الوطن.. وكيف هو حال الوطن اليوم.. أما اليوم وقد يكون غداً «كمان» حديثنا عن شرع الله الذي أتت من أجله الإنقاذ.. والملاحظة الأولى.. أن البيان الأول.. قد خلى تماماً من أي إشارة إلى الحكم بما أنزل الله والذي أتت من أجله الإنقاذ.. وقبل الشروع في هذا البحر الهائج.. وقبل الاحتطاب من هذه الغابة الشائكة دعونا نقول.. إنه وحتى العضوية الهائلة من المؤتمرين لم ينطق أحدهم بكلمة واحدة عن تطبيق شرع الله.. لم يسأل عضو واحد السؤال المزلزل وهو هل نحن كإسلاميين قد طبقنا لثلاث وعشرين سنة وتزيد.. هل طبقنا أو حتى شرعنا في تطبيق شرع الله؟.. أما الشعب السوداني «الفضل» أي الذي ليس هو من أنصار الحركة الإسلامية، فقد كانت فجيعته في المؤتمر كبيرة.. وفقده جللا، ومصيبته عظيمة.. فقد كان يتوقع أن تدوي وترعد وتهدر جنبات القاعة.. بالحديث عن أحلامه وآماله وعيشه ومعاشه وتعليمه وصحته.. وإطعامه من جوع وتأمينه من خوف.. كيف لا ينظر ولا ينتظر من المؤتمرين وهم أصحاب الجلد والرأس في كل شأن يتعلق بحكم البلاد.. بل هم من يحكمون البلاد ويسوسون العباد.. وتبخرت الآمال وتلاشت الأحلام وهو يرى إن «غزة» قد اختطفت المؤتمر تماماً.. واحتكر الإخوة الضيوف «الميكرفون» وهم يطلقون صواريخ الكلام وقنابل التهديد.. وهتافات التنديد من قلب الخرطوم، ومن قلب مؤتمر الحركة الإسلامية.. وبذا تكون «غزة» قد استهلكت نصف الزمن والمجهود، وسيطرت على نصف التهديد والوعود في المؤتمر، أما النصف الثاني فقد كان خالصاً ليس للسؤال عن حصاد الإسلاميين في إدارتهم للدولة.. ولا عن أحوال مواطنيهم بل كان الهم الأكبر والذي استهلك أميالاً من الركض وأمطاراً من الحديث.. وتلالاً من اللقاءات والاجتماعات بعيداً عن الضوء.. هو كيفية اختيار الأمين العام.. ومن هو؟ وهل تختاره عمومية المؤتمر أو تختاره هيئة الشورى؟ والآن.. تأتي كلماتنا للأحبة في الحركة الإسلامية وهي تسلخ من عمرها ثلاث وعشرين سنة وأربعة أشهر.. نسألها هل تحقق البند الأول.. أو قل السبب الأول من قيامكم بالثورة- ثورة الإنقاذ- وهو إقامة شرع الله؟.. نملك مطلق الحق والحرية في طرح هذا السؤال.. ونحن نعود القهقهري إلى تلك الأيام الحبلى بالوعود.. وسحبها الماطرة التي كانت تهطل وابلاً من التأكيد على أن الحركة الإسلامية ستعود بالسودان إلى أضواء يثرب، وتبعث بروح الصحابة المطهرين الأخيار لترفرف محلقة عالية في سماء الوطن الجميل.. ليس هذا حديثنا.. ولا هي كلماتنا.. فقد حمل لنا الصدى.. تلك الأهازيج والأناشيد.. وشنان.. يقسم ويشدو.. تحت غابة من العصي.. وآلاف السبابات ترتفع إلى أعلى.. والهتاف ملأ الأشداق والأفواه.. وهي تزحم الفضاء.. ب هي لله هي لله.. لا للسلطة ولا للجاه.. والأخ شنان يقول.. كلمنا شريعة وتاني ما في طريقه لي حكم علماني.. وتمضي خمس عشرة سنة من ذاك التاريخ.. حتى تجولت العلمانية في ردهات القصر.. بل خطت بأقدام سلفاكير.. في ممراته المجلدة بالسيراميك وقاعاته المكسوة بالموكيت.. هذا غير أنكم قلتم في جدية وإصرار وتصميم.. إنكم إنما جئتم بالقرآن، وها نحن للأسف نراكم قد افتتنتم بالسلطان.. السلطان ذاك الذي قذف بالعراب الذي كان شيخكم خارج أسوار القصر.. وبكرة نواصل..