إن النقد الصحافي الذي يهدف إلى تصحيح الأخطاء بغية تحويلها إلى عمل يستفيد منه الجميع، والتي تصدر عن سلطة يعترف لها الكل بأنها رابع السلطات في الدولة المدنية الحديثة.. لهو واجب مقدم في العمل الصحافي ومرغوب بمقاييس المجتمع المعافى، ومطلوب بشدة من أولئك الذين يعنيهم الأمر.. وأكثر الناس حاجة له أولئك الذين يتصدون للعمل العام في كافة مناحي الحياة، سعياً للوصول إلى أفضله، بينما النقد الهادم (اسم فاعل من الثلاثي هدم) والذي يتحرى فيه أصحابه هوىً في النفس فمن المؤكد إنه لا يخدم غرضاً لأحد. ولعدم موضوعية هذا النوع من النقد سريعاً ما يتحول إلى ملاسنة شخصية تنتهي إلى فاحش القول الذي تضيع معه الحقيقة في نهاية المطاف. وهذا ما يحدث الآن في صحافتنا الرياضية وبدرجة تقل عنها كثيراً ولله الحمد- ما يكتب في الصحافة السياسية الاجتماعية ولمزيد من الدقة في تسمية الأشياء، بمسمياتها فإن ساقط القول وفاحشه أصبح سمة تلازم معظم الإصدارات الرياضية التي تملأ الساحة، مما يمنحنا الحق في تسميتها بظاهرة (فاحش المقال وسيئه على الأسفار الرياضية) هذا الوضع لا يحتاج لتأكيد أو إثبات من لدن أحد، وكثيراً ما أقر به كُتَّاب الأعمدة الرياضية أنفسهم، والذين إن حاورتهم فيما هو حادث سيعترفون به واقعاً مزرياً لا يرضاه صديق ولا عدو، إما إذا انتقلت إلى مجرد الحديث عن أفكار لعلاج الظاهرة فقد لا يتفق معك أحد في وصفة العلاج، لأن الكل لديه قناعة تامة بأنه مستهدف من الآخرين، محمد أحمد يترصد علياً منتقداً فيرد عليٌ على ما ما كتبه محمد أحمد بأقسى العبارات من تلك التي وردت في مقال الأول، وتشتعل المعركة التي هي بلا معترك لأن الوضوع أصلاً لا قيمة له، وكان بالإمكان تجاوز الخلاف حوله إن لجأ الطرفان لنداء المنطق والعقل، ومايوقد النار اشتعالاً اللجوء للزج بأسماء الأشخاص والأفراد فتتسع الحلقة لتشمل الأسر والأصدقاء والأهل بالكشف عن خصوصياتهم وأسرارهم التي نهانا ديننا الحنيف من التعرض لها. صحيح أن الصحافة الرياضية ليست نسخة مكررة من الصحافة السياسية، ولها أسلوبها الخاص في جميع بلاد العالم، كما لا يلزمها أحد بتناول الجاد من الموضوعات إلا أن الواجب يحتم عليها مراعاة الذوق العام، وحسن الخلق في التناول والابتعاد نهائياً عن الكتابة باستخدام كلمات تخدش الحياة العام وتستفز مشاعر القراء. إنني لست وسيطاً بين طرفين من أطراف النزاع في الصحف الرياضية، كما أنني بهذا المقال لا استهدف أحداً بعينه، كما لا أسعى إلى تأليب الرأي العام ضد الصحافة الرياضية، بل على العكس تماماً فإيماني بضرورة وجود الصحافة الرياضية وأهميتها لا تحده حدود، ولكن يستفزني تماماً التعدي على الذوق السوداني العام، فيما يسطر من ألفاظ على هذه الصفحات ودائماً ما تجدني أشعر بمرارة المذاق عندما أنظر حولي فأجد تنوعاً لا ينضب لمنابع ومصادر المادة الرياضية وأتساءل في حيرة.. لماذا إذن يضيق كتابنا على أنفسهم ويحصرونها في شخصنة الموضوعات؟ إن الإثارة التي ينشدها كتاب الأعمدة الرياضية ليست وبأي حال من الأحوال.. كامنة في التعرض لحياة الأفراد بقدر ما هي موهبة، وفن، وابداع وعلم تسخر جميعها للاستفادة من المواد الرياضية المختلفة، لا يدرك كنهه إلا أولئك الصحفيون ممن جبلوا على العفة وطهارة اللسان وهذا الخليط المتجانس.