قاموسها في الاسفاف يمضي نحو الدرك الاسفل: خلال الآونة الأخيرة بدأت تتبارى الصحف الرياضية والاجتماعية فى بلادنا نحو أيهما يبدو أكثر اسفافا وانحدارا نحو ساقط القول ، ولا يدرى أحد عما اذا كانت تلك الصحافة المصنفة بالرياضية والأخرى التى تتقصى أخبار المجتمع ، تود ان تكون على شاكلة الصحف الغربية التى تتلصص لأخبار نجوم المجتمع ونقل أخبارهم (الأخرى) ، تلك التى لا يراها القارئ ويتكتم عليها الفنان أو لاعب الكرة او السياسى ..!! ، غير أنهم أسقطوا من حساباتهم مدى تقبل المجتمع لمثل تلك المفردات الغريبة أو فلنقل (الساقطة) فقاموا بجلبها هى الأخرى مع صحافة (التابلويد) التى لا تروي سوى الخبر الذى يتم من وراء ظهر الناس وفى الخفاء ولعل المدخل نفسه لصناعة صحافة المجتمع لم يكن جيدا ، اذ أن الكل وقتها يضع فى عقلة الباطن صورة الصحافة ومصوريها الذين كانوا يلهثون خلف أخبار أميرة ويلز (ديانا) التى هلكت وهى تلهث خلف اشباع نزواتها ، فلم ينهها عن فعل ذلك كونها سيدة مجتمع على مستوى قيادة دولة عظمى ، والأغرب أن المجتمع هناك لم يشنئ تلك الواقعة فتم ادراجها فى قائمة الحريات الشخصية ، وهؤلاء كانوا قبل ذلك يتلصصون خلف الشجر وبرميل الماء وعربة قص النجيلة ومن وراء ستائر الفنادق ليلتقطون صورة تحمل مشهدا غراميا أو..أى شئ ..!! والفرق الذى لم يدركه صناع صحافة المجتمع والرياضة عندنا هو أن المجتمع الغربى يتقبل جدا تلك الصور والأخبار، ولا يقوم بتصنفيها فى الخانة السالبة ، بل تجده يحتفل بها ، ذلك أنها من صنف قيمه ونظرته الكلية للأشياء بحيث أنه من العادي الحديث بين الزوج والزوجة عن صداقات كل منهما مع آخرين خارج عش الزوجية الذى يجمع بينهما ، وهو مشهد تكرره أفلامهم وتتقبله قطاعاتهم السياسية والاجتماعية وخلفياتهم الثقافية ان يكن فى الصباح عند تناول كباية الشاى أوفى وجبة الغداء وأمام الجيران والأصدقاء ، ويطبقون الفكرة وصور العلاقة بين الزوجة وصديقها على فراش الزوجية بامتاع عالى وبابتسامة عريضة كمان ..!! ، الا أن ذلك الوضع لا يتسع له الوضع الاخلاقى فى مجتمعنا السودانى الأكثر محافظة والتزاما بقيم الدين ومبادئه ، هذا الحديث كله يتم وتجاوزات كثيرة تحصى خارج نطاق الأدب لصحفنا الرياضية والاجتماعية .. وأهلها يعتذرون بأنهم فقط يعكسون ما يدور من خروج على قيم المجتمع حتى تتم معالجتها ولتكون علامات تحسن السير نحو الهدف من غير أن يتوه احد فى تعقيدات الحياة ومشاكلها ، والتبرير الجميل الذى يحرص علية صاحب أى مطبوعة ويضعه فى ديباجة كخلفية لمكتب الاستقبال ومكتب المدير ورئيس التحرير ما يلبث كثيرا حتى يصبح كأى قطعة أثاث بمكاتب الصحيفة .. لا يلتفت اليه أحد ، وقولنا هذا جاء على خلفية عمليات توقيف صدور لصحف رياضية فى وقت قصير ، نسبة لتجاوزات واضحة فى انحطاط لغتها ، وهى الصحافة التى يهرع اليها معظم أفراد المجتمع لقرائتها بصورة دائمة ، وهذا بالطبع له أثره السئ غدا أو بعد غد على الذوق العام والسلوك العام والأدب العام ، عندما تتوطن مثل تلك العبارات فى أذهان الناس من كثرة ترديدها فتصبح أمرا طبيعيا وتبلغ درجة العادية ..!! ، والصحافة الآن أضحت من أفعل الوسائل الاعلامية تأثيرا على الرغم من أن مستوى توزيعها لا يناظر الاذاعة والتلفزيون مثلا ، الا ان تأثيرها أبلغ وتفاعل الجمهور مع ما تكتبه أوسع نطاقا وأكبر مدى ، فللصحافة المجتمعية والرياضية درجة من الخطورة بالغة ، وأعتقد لهذا السبب عقدت كثير من الندوات وورش العمل لتطوير اللغة التى تكتب بها تلك الصحف ، وكثير من اللوائح والقوانين ، غير اننا بعد كل تلك التحوطات رأينا عدد من حالات توقيف الصدور لبعض الصحف المتجاوزة .. على الرغم من العلامات الاحترازية التى تم وضعها لكى لا تذهب الصحف بالمجتمع بعيدا ، فالعقوبات وحدها لن تمنع تلك الاسقاطات التى بدأت تنهال على مجتمعنا من بوابة تلك الصحف ، فصدور أحكام استثنائية هو وحده الذى يحفظ المجتمع من ان تنحدر به لغة لا يعبأ أصحابها ليطوروا بها مفاهيم الناس أو تحسين مفرداتهم ، ولكن يبقى السؤال المهم .. هل صحيحا أن الصحافة أصبحت هى مهنة من لامهنة له .. وأن كتابها كلهم من النطيحة والمتردية وما أكل السبع ..؟؟! ، هل بالفعل أن صحافيينا هم الذين يأتون من أواخر الفصول الدراسية بدرجات تحصيل اكاديمى أقل ونسبة مشاركة أضعف .. ومعظمهم ممن يجلسون خلف الطابور ، مثل مايفعل العسكريون فى حالة الخسائر ..!! ، نود أن يدلل أهل تلك الصحافة على بغير ذلك ، فالصحافة الرياضية فى محيطنا الأقليمى ترتفع بلغة الجمهور وتحضهم على التشجيع المثالى ، بل أن أعلى القيم التعبيرية والجمل الأخاذة نجدها تاتى من الصحافة الرياضية .. فقط لأن ميدانها ابداع كله وبالتالى يمكن أن يتبارى الكتاب فى عبارات المدح والثناء و .. الذم (ولكن بلغة راقية) كذلك اذا ما قدم أى فريق عرضا باهتا ..!! ، ويمكننا ان نقول مثلا لذلك أن العرب قدموا فنا راقيا فى الشعر والنثر على السواء فى عهد الدولتين الاموية والعباسية عندما كان (اللعب لعب) بالجد ..!! ، فأفضل النثر وأغدق الشعر مدحا وذما جاء من كتاب تلك الحقبة التاريخية ، فى ظنى ان المقارنة هنا متقاربة ان لم تكن متطابقة ، وقتها سنجد لغة ومفردات جديدة تدخل لقواميسنا ونجد ان صحافة (الرياضة والمجتمع) قد ارتقت بثقافة مجتمعنا وتعبيره الكلامى ، وبطبيعة الحال العكس سيحدث اذا كان كتاب تلك الصحافة ليس لهم من مخزون اللغة الا ما جائهم من قاع المجتمع .. وفى القاع يتوفر الساقط والفاحش من القول فقط ..!!