قبل اندلاع حرب دارفور كتبت مقالاً لجريدة الصحافه تحت عنوان (دارفور الشرارة الزاحفه والحريق المنتظر) وبالطبع تم حجبه- ولو تم نشره حينها وعمل بمقتضاه أولو الأمر لما وصل حال دارفور إلى هذا المآل الخطير، واليوم دارت السنون دورتها واستنسخت الأيام ذاتها لتكرر ذاك المشهد الدارفوري والذي سبق وأن كتبت عنه محذراً ومنبهاً ليعاد استنساخه مجدداً بالشرق بذات الإيقاع وبذات الخطوات، بل وبذات الأدوات وعبر ذات الفجوات والهفوات التي كانت نتاجاً لأداء ولائي مهووس ولفعل مركزي غير مدروس. ü ذكرت في مقالات سابقة أن والي كسلا السيد/ محمد يوسف قد تم فرضه على الولاية برغبة مركزية صارخة، وعبر نزوة إتحادية عنترية جارحة للمؤسسية وهازمة للديمقراطية، وهادمة للشورية بل ومصادمة لرغبة الأغلبيه بالكلية الشورية بالولاية والتي نال فيها هذا الوالي نصيباً أدنى من الأصوات، بينما تفوق عليه وبفارق كبير من الأصوات كل من السيدين/ حسن حامد وصلاح على آدم، وهما من حملة البصمة البجاوية ورغم ذلك تخطاهم المركز بإختيار السيد/ محمد يوسف ليكون مرشح الحزب بالولاية. ü السيد/ صلاح علي آدم بحسابات الكسب والكفاءة والثقل كان الأوفر حظاً للفوز بثقة المركز بحسبانه والياً سابقاً للولاية وشهد الأعداء قبل الحلفاء بنزاهته وعفته وحكمته، وعاشت الولاية في عهده استقراراً غير مسبوق ولكنه كان ضحية رغبة مركزية ظالمة استهدفته وأبعدته من المنافسة ولكنه بأدبه الجم آثر الصمت والتزم بالسكوت واستمسك بأعلى درجات الإلتزام الحزبي واعتصم بشعار (الصابرات روابح).. أما السيد/ أحمد حامد فقد مارس أعلى درجات الإحتجاج بعد أن تخطاه اختيار المركز-ذهب إلى الخرطوم ربما ليشهر احتجاجه هناك والتي بدورها أفلحت في امتصاص احتجاجه، حيث أُعيد انتخابه مرة أخرى إلى منصبه القديم رئيساً للمجلس التشريعي بالولاية. ü السيد/ محمد يوسف لم يفز بمنصب الوالي بالرغبة الغالبة لمنسوبي حزب المؤتمر الوطني بالكلية الشورية بالولاية، ولكنه فاز برغبة المركز وبطاقة الدولة الممدودة غير المحدودة وبقوة أجهزتها المتعددة والمتمددة في كل أركان الولاية.. نعم لم يفز بثقل شعبية ولا بعظم أهلية ولا بسطوع عبقرية، ولكنه فاز لأنه مرشح حزب هو دولة ومرشح دولة هي حزب. ü بعد فوز الوالي محمد يوسف كانت لديّ بعض التحفظات حول أهليته لهذا المنصب-أوقفت نشرها استجابة لنصائح عزيزة طالبتني بالتريث والتروي ريثما تنكشف سلبيات الرجل في الميادين العملية، ذلك لأن من نصحوني كانوا على يقين جازم بأن خريطة أداء هذا الوالي بالولاية ستوفر لي من الإخفاقات والسلبيات بما يعزز كتاباتي، وبما يدعم انتقاداتي بالحجج المحسوسة والبراهين الملموسة وقد كان.. فإذا بالأيام تكشف صدقية الناصحين وتدعم صدق توقعاتي، حيث أصبحت السلبيات والإخفاقات ماركة مسجلة وديباجة معتمدة تميز عهد هذا الوالي بالولاية، حيث غدت كسلا في عصره ولاية الفواجع والمواجع وهو ما سأستعرضه في مقال لاحق بإذن الله. بقى أن تعرف عزيزي القارىء بأن تحفظاتي تجاه هذا الوالي والتي صدقها أداؤه المنزوع التوفيق كانت تقول بالآتى:- ü الوالي الحالي الذي اعتلى سنام كسلا، وأمسك بزمام وبلجام أهلها هو من منسوبي ولاية القضارف وتحديداً من قرية أم سرحة التابعة لولاية القضارف ولا يمت لولاية كسلا بأي صلة جغرافية -فرض على الولاية برغبة مركزية لذلك ظل حريصاً على شحن رصيده الشخصي برضا المركز لا برضا أهل الولاية، وهذا ما يفسر ضعفه أمام المركز وعدم قدرته على انتزاع حقوق الولاية. ü كون هذا الوالي من خارج أسوار الولاية فهذه ميزة لا تؤهله للإلمام الكامل بالخصائص والدقائق للمكونات النفسية والمزاجية لمجتمع الولاية المتعدد الإثنيات والعرقيات والمتنوع العادات والثقافات، ولا يغيب عن البال بأن عدم الإلمام بمثل هذه المكونات يعيق قدرة الوالي على احتواء الخلافات وعلى توفير المعالجات اللازمة للمعضلات الناشئة والناشبة في مجتمع الشرق الموغل في التعقيد،وهذا ما يفسر خسارته لأهم قبائل الشرق خسر قبيلة البني عامر وفقد قبيلة الحلفاويين واصطدم مع غالب أبناء الشمال ولم يحظى بتأييد صناع الرأي العام وبقبول أغلبية نخب الولاية. ü اختيار والي من خارج أسوار الولاية يسهم في إشعال لهب الإحساس بالتهميش لدى القبائل البجاوية والتي ترى في المركز التنفيذي الأول بالولاية مستحقاً معنوياً واستحقاقاً جغرافياً وحقاً دستورياً، حيث ينص الدستور بأن يحكم أهل الولاية أنفسهم بأنفسهم لذلك عندما أُبعد كل من السيدين/ أحمد حامد وصلاح على آدم من سوح المنافسة برغبة المركز وهما من حملة البصمة البجاوية والأكثر تأهيلاً للمنصب بثقل الأصوات فقد قوبل هذا الإبعاد باستياء بالغ من قبل أهل الولاية خصوصاً عندما راج بالشارع البجاوي وشاع في الأوساط الكسلاوية بأن اختيار هذا الوالي تقف وراءه مجموعة ضغط مركزية ترى ضرورة تذويب البصمة البجاوية وتغييب الإرادة الكسلاوية لعموم أهل كسلا. ü أيضاً اختيار والٍ من خارج أسوار الولاية أخل بالمعادلة القبلية لميزان توزيع السلطة بولايتي كسلا والبحر الأحمر، والتي جاءت نتاجاً لقراءات مركزية موضوعية راشدة وحصاداً لخلاصة اجتهادات وطنية ناضجة استوعبت الوضعية المحورية لأكبر قبيلتين بالشرق، وأسهمت في ترسيخ مفاهيم أنشأت بدورها قناعات سياسية راسخة في أذهان ووجدان أهل الشرق تستنكف وتستنكر أن يعتلي قمة سنام الولايتين عنصر من خارج أسوار القبيلتين الكبيرتين ناهيك أن يقفز على أي منهم عنصر من خارج أسوار الولاية، لذلك رسخت بالشرق قناعة سياسية بأن قيادة ولاية البحر الأحمر هي مستحق ثابت لقبيلة الهدندوة، وأن قيادة ولاية كسلا هي أيضاً استحقاق أصيل لقبيلة البني عامر وهي بالطبع معادلة في ميزان السلطة أصابت قدراً من التوفيق، لكونها عززت روح المشاركة وقزمت دعاوى التهميش، ولكونها أيضاً أسهمت وإلى حد كبير في استقرار الولاية وفي إلجام وإضعاف تداعيات التمردات السابقة. ü أيضاً من ضمن تحفظاتي أن هذا الوالي لا تُعرف له كسوب تنفيذية معتبرة خلافاً لتلك الكسوب المتواضعة التي استقاها من وظائفه السابقة التي لم تتجاوز وظيفة معتمد (يعني مش كان وزير إتحادي أو حتى ولائي) وهي بالطبع كسوب وتجارب لا تشكل زاداً كافياً لإعتلاء قمة سنام ولاية استراتيجية حدودية مشبعة بالتعقيدات ومعبأه بالمهيجات ومهيأه للإضطرابات وقبل هذا وذاك هي ولاية تشكل قبلة لأطماع دول الجوار ونقطة إلتقاء لشهوات الغرب مع رغبات أمريكا واسرائيل الرامية لتفتيت ما تبقى من السودان. ü وفي المقالات اللاحقه سأستعرض إخفاقات الوالي ثم أعرج بالتفصيل والتحليل إلى المخاطر الزاحفه والمتربصة بالولاية.