والرسالات السماوية على اختلافها ثورات انسانية استهدفت حرية الإنسان ... كرامته.. وشرفه.. لم تترك شاردة ولا واردة والا أحصتها عدداً.. وأضاءت لها طريقاً ومهدت لها الأرض.. ذلولاً.. والدين الإسلامي خاصة.. «فرط» مظلة من البهاء.. والابهار.. فوق الكوكب.. رأسه.. وصدره الرحمة.. وأحشاؤه.. العدل والمساواة.. والايثار.. والفداء والتضحية.. وآخره.. آخر آخره هي العقوبات والحدود.. والجزاء .. دنيا وأخرى.. وما أشقها وأنبلها وأعظمها من رسالة.. بأن تقيم شرع الله .. يمشي على الأرض.. ويسري .. نسائم بين الناس وما أيسرها .. من نفخة كاذبة.. وهتافات كذوبة.. وأنت تشيع بأن الذي يجري أمام أعين الدنيا إنما هو شرع الله.. وهذا .. حال كل الأمة العربية.. وتلك الإسلامية.. التي تدعى إفكاً وبهتاناً.. بأنها تقيم شرع الله. وحتى لا.. أكون كمن يرمي الناس بالبهتان.. تعالوا .. ننظر حولنا.. ونأخذ الحالات .. حالة .. حالة.. ثم نعود إلى «يثرب» لنقارن .. ونستجلي.. ونقيس.. ننظر حولنا.. لنرى عجباً.. تذهب عقولنا.. مباشرة وفي سرعة الضوء.. إلى يثرب والنبي المعصوم عليه صلوات الله والتسليم.. على المنبر يخاطب المسلمين وفي مقدمتهم أصحابه في خطبة الوداع.. ينثر درراً.. بل يشير نجوماً.. مبهرة.. علامات وضيئة.. لتنير الطريق .. طريقاً آمنة من بعده وهي .. ترسم على سطح الأرض.. لوحات البهاء .. وحواف الإنسانية الشاهقة.. يأتي إلى ختام الخطبة.. وهناك.. يشدد النبي المعصوم.. على تكريم المرأة .. بل كانت آخر الخطبة هي التوصية بالرفق بالنساء وتنحدر دموعنا.. ونحن نسترجع تلك الذكرى.. ونحن نرى .. رأي العين .. رأي الصورة رأي التلفزيون .. رأي الصحف.. أن معتمد الخرطوم.. يبطش بالنساء.. يعمل عسسه ورجال معتمديته .. تكسيراً وتهشيماً.. ل«عدة شغل» هؤلاء النسوة.. ملاحقة ومطاردة.. لنساء مستضعفات.. أخرجتهن.. الحاجة.. وقسوة الظروف.. والترمل وغيبة الأزواج.. واختفاء أو هروب أو اغتراب مجهول العنوان لابنائهن.. فخرجن للشارع.. ليكافحن في بسالة .. خلف «كوانين» تشتعل بالنيران دفاعاً عن أطفال زغب الحواصل لا ماء ولا شجر.. وصوناً لهم وتوفيراً لحياة كريمة لهم.. ونذهب.. مرة أخرى.. إلى يثرب.. ولا ننسى أن نفس الفسطاط.. هناك لا يكتفي «عمر بن الخطاب».. أعدل من مشى على ظهر الأرض بعد النبي خاتم المرسلين.. لا يكتفي بأن تكون أبواب.. وكل منافذ.. ديوان حكمه.. مشرعة.. أمام كل سائل .. كل طارق .. كل شاكٍ.. كل آتٍ.. بل كان أمير المؤمنين عمر.. يذهب في جنح الليل متفقداً.. أحوال رعيته.. متخفياً .. خائفاً وجلاً.. من أن يطال تقصير منه.. أحد أفراد رعيته.. وعينه وقلبه معلق .. خوفاً من ذاك اليوم الرهيب.. ونلتفت هنا.. في بلاد تدعي أنها أنما تقيم شرع الله.. نلتفت لنرى ونقارن.. طبعاً لن نسمح لأنفسنا بأن تأخذنا موجات التفاؤل.. بعيداً .. للجالسين.. في قمم المسئولية.. هذا ما لا تسمح به ظروف الدنيا.. وأحوالها.. المعقدة .. وتلك الشائكة.. نكتفي فقط.. بالمسئولين .. في أدني مستويات المسئولية.. وليكن ذلك مثلاً.. لمعتمدين في معتمديات فقيرة نائية.. مسكينة وبائسة.. لنرى عجباً.. نجد هؤلاء المسئولين وهم من فئة قريعتي راحت.. وزعيط ومعيط.. يلفون أنفسهم بهالة أسطورية من الترف والفخامة... لو كان المواطن صاحب شكوى أو حاجة أو مظلمة.. لو كان نسمة تسافر بلا تصاريح للسفر لن يظفر أبداً بالدخول.. إلى صاحب الجلالة والفخامة والسيادة السيد المعتمد.. وإذا بلغ به اليأس وانتظره «بالساعات» «متفناً» في الأرض أمام باب معتمديته.. لن يظفر حتى بإلقاء نظرة عليه.. لأن سيادته يمرق مسرعاً.. كما السهم.. ثم يستقر في سيارته الفارهة والتي هي «بكم مليون» محاطاً بحرس لا يقل عن شخصين .. ثم تسبقه دراجة بخارية تصفر.. وكأن المعتمدية قد اجتاحها الحريق.. ومن خلف سيارته سيارتان.. تغلق له الشوارع.. تتوقف الحركة تماماً حتى مرور سيارته تكسر له وموكبه الإشارات الحمراء.. ولا ينتهي هذا المولد.. مولد انتقاله من مكان عمله.. إلى داره.. بل يبدأ «موضوع» الحراسة .. في داره وصدقوني.. ان هذا فقط من جنون العظمة.. لأن سيادته لو «تحاوم» وسط الناس لما عرفه أحد.. ولا لفت نظر أحد.. دعك من حراسته.. وكأنه قائد لجيوش جرارة.. أحبتي.. لن أزيدكم وجعاً.. وتالله.. لو قارنتم بالذي كان يجري في تلك الأيام المجيدة.. إبان ذاك العصر العظيم.. والدولة الإسلامية منيعة البنيان... ثابتة الأركان تستمد ألقها.. وضياءها وطهرها من الإسلام.. لو قارنتم بالذي جرى هناك ويجري هنا.. لأقسمتم بأننا نعيش في ظل دولة علمانية.. أصلها ثابت وفرعها في السماء.. شديدة القسوة.. باطشة.. بل أشد علمانية.. من رومانيا في عهد شاوشيسكو.. وأعدكم وقبل أن يرحل رمضان وتحت ظلاله الوريفة.. أكتب لكم عن المؤلفة قلوبهم.. وأيضاً عن العاملين عليها.. في دولتنا .. هذه ومن منظور إسلامي .. رشيد..