(عمود السحاب) هو اسم العملية العسكرية القذرة التى قامت بها اسرائيل اخيراً في قطاع غزةالفلسطيني وراح ضحية لها أكثر بكثير من مائة نفس بريئة، ومن ضمن الضحايا المجاهد القيادي أحمد الجعبري، واسم العملية مستمد من سفر الخروج بالتوراة المزعوم والذي جاء فيه «كان الرب يسير أمامهم نهاراً في عمود سحاب لتمهيد الطريق لهم». ومعروف ان قادة اسرائيل الآن والكثير منهم من قادة ومؤسسي الصهيونية هم اساساً من غير المتدينين ومن غير المؤمنين بأساطير التوراة، وانما تعود جذور الصهيونية الى استنطاق الماضي السحيق وتوظيف مفاهيمه الدينية من اجل هدف رئيس هو «الارض» وبالذات فلسطين، ولذلك ذوبت الصهيونية عقيدتها الافتراضية في الأرض، وعلى ذلك بدأت مشروعها المصطنع بشعار مزيف وفاجر يتمثل في ان فلسطين هى «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»! وقد يستغرب البعض ان اسرائيل، وعلى الرغم من كل اتفاقياتها مع الطرف الفلسطيني والتى من ضمنها مبدأ (حل الدولتين) الاانها تصر اصراراً عنيداً على مشروعها لاقامة كيان يهودي خالص لامكان للآخرين فيه بما في ذلك اصحاب الأرض الأصليين، ولكن هذا الاستغراب سوف يزول اذا ما علمنا ان (الترانسفير) هو الاساس لهذا الإصرار، وهو مصطلح صهيوني يعني الابعاد القسري بتهجير الفلسطينيين عن ارضهم لتحقيق عملية (التطهير) العرقي والديني التى يتبناها الصهاينة، وقد اشار الكاتب الاسرائيلي (اسرائيل شاحاك) في كتابه (الترانسفير في العقيدة الصهيونية) الى ان قومه يخططون ليس لطرد العرب المسلمين من فلسطين، بل طرد العرب النصارى أيضاً، وقد نشر الكتاب بعد ترجمته للعربية في دار البيادر بالقاهرة عام 1990م. ومن هذه العقيدة ينبع السلوك الصهيوني في فلسطينالمحتلة، وهو سلوك لم ولن يختلف رغم اختلاف طبيعة المراحل التى مرت بها القضية الفلسطينية منذ النشأة الأولى لها وحتى يومنا هذا، فجل تركيز الحركة الصهيونية يقوم على تهويد الأرض بكل الوسائل، وحتى بعد أوسلو 1993م ظلت اسرائيل وحتى الآن تعمل على بناء المستوطنات في الضفة الغربية، مما ادى الى سلب الاراضي الفلسطينية، وتهجير سكانها قسراً، وذلك عن طريق الأساليب الاقتصادية تارة، او عن طريق تهديدات واعتداءات المستوطنين الاسرائيليين على السكان، او نتيجة لفقدان مقومات الوجود وهى (الارض) بالنسبة للفلسطينين، أما الوجه الآخر للمسألة فهو ابقاء عودة النازحين واللاجئين الفلسطنيين الى اراضيهم خطاً احمر لدى كل القوى السياسية في اسرائيل رغم اختلاف توجهاتهم ، ومن هنا ندرك ما تقوم به اسرائيل من مذابح في غزة وضغوطها الفاجرة على السلطة الفلسطينية في رام الله والتى اصبحت بلا حول ولا قوة. وعلى هذه الخلفية التى أشرنا اليها ندرك ان الصهيونية، وهي على علم تام بأن الفرد (يهودي/ صهيوني) لا يمكن ان يتحول الى مواطن كامل الا عن طريق إلتصاقه المباشر بالارض، تعمل عنوة على استحضار الأساطير الدينية التوراتية المزعومة والأطروحات التاريخية المزيفة، واعتبارها إطاراً عاماً للفكرة الصهيونية، ومن ضمنها مبدأ طرد غير اليهود من (أرض فلسطين) في ضوء النصوص التوراتية المزيفة والمؤثرة في مدارك قطاعات كبرى من اليهود في المجتمع الإسرائيلي، وترسيخ ان فكرة تهديد العقيدة الصهيونية الملفقة هى تهديد لوجود اليهود أنفسهم.. وشتان ما بين الإثنين!