بعض من المقالات والرسائل الموجهة حول مستشفى مدينة بربر وما أصابه من تدني، اطلع عليها بعمق السنين واستنبض منها بريق الماضي حين كان المستشفى قبلة لكل راغب في العلاج من تلك المناطق المتاخمة وغيرها من أرياف وضواحي بربر التاريخ.. بربر جوهرة النيل وإضاءة اتخذت من أبنائها مجداً وعظمةً، فغطت الأماكن والأمكنة، فعمّ بريقها واجهة هذا الوطن الرائع.. بربر تفجر فيها التعليم في زمان تجاوز القرن، وتشبّع منها الوطن برجال غطوا كل مساحات التعريف والتشريف، فنالوا الشهرة والتعريف، والمؤسف أنهم في غياب لا يمكن السكوت عليه لأن معضلات الزمن فعلت بها الخذلان ومرة التجافي بشكل مفروض أو غير مفروض وتبعات الإخفاق أظهرت ملامحها الكاملة في الآونة الأخيرة بصرخات ممعنة في الإيلام.. حين أقرأ (مهزلة) التدني لمستشفى تم وضع حجر أساسه في عام 1954م من القرن الماضي بيد الزعيم الوطني الُمبرّأ من كل صفة (مُحنقة) وجائرة ألا وهو الزعيم إسماعيل الأزهري بسماحته وانتمائه وعشقه لهذا الوطن الأبي، ليجيء عام 1956م ويتم افتتاحه رسمياً بيد السيد أمين السيد وزير الصحة آنذاك أي في بداية الاستقلال، وبتلك الإشراقات الوطنية الصادقة.. ومن ثم أصبح مستشفى مدينة بربر نموذجاً فريداً لخدمات المرضى.. وبكل أشكال التعامل المهني، وبصورة تجتمع فيها المزايا الصحية التي تجعل المريض أكثر استعداداً للاستجابة للعلاج، وتلك هي الوضعية التي انفردت بها مدينة بربر لعقود متوالية ومتتالية.. الأمر قد يبدو «عادياً» لما هو معاش، ومن تناقص في الخدمة العلاجية ولكنني استطيع أن التقط القفاز دائماً وأنا أكثر اندهاشاً لأن أبناء بربر لهم اليد العليا، ولهم القدرة على أن يجعلوا من مستشفى بربر مجمعاً نادراً في الخدمات العلاجية، ليكون المستشفى حديث الأوساط الأكاديمية بكل تخصصاتهم وإعلاناً جاذباً لولاية نهر النيل والشمالية، ليلعب دوره العلاجي لهاتين الولايتين لقربهما ووفائهما لهذا النيل الذي يجري، وهو في حالة إشفاق لأبناء الشمال. أبناء بربر صنعوا من المدن الأخرى ترفيعاً جاذباً لأنهم فيها.. وأعمالهم ومصالحهم انتشرت في العاصمة وبورتسودان وكل مدن السودان الأخرى، وشكلوا تميزاً في النهضة الاقتصادية والاستثمارية، وباتوا أكثر بعداً عن مدينة الأجداد حين انطلقت التجارة منها كانت جل المدن السودانية تتعامل في دائرة التجارة المحدودة.. لذا النهضة التجارية بعنوانها البارز جاءت من بربر في زمان سحيق ويؤسفني أن أقول إنهم اليوم أكثر بعداً وأحسب أن النسيان شق طريقه تماماً لتلك الذاكرة التي ودعت تماماً ماضي الأجداد حين رسموا خارطة الحقل التجاري بموسوعة الملتقى التجاري ما بين بربر وسواكن وأم درمان وبقية مدن السودان. حقاً لقد استمعت كثيراً من جدنا عبد المنعم أبو سبعة عن موسوعة وحجم التجارة في هذه المدينة، ولقد كان وكيلاً في ستينيات القرن الماضي لبعض الشركات العالمية التي تستورد الألبان وغيرها.. هذه المدينة وبنداء الوعي والتحضر من قبل عقود خلت تأتي في هذا الزمان لتشكي حال التدني في الخدمات الصحية.. إنني أبكي بداخلي أكثر من مرة، وأنا استعرض رجالات بربر في خاطري، لا أريد أن أتطرق لأسمائهم، إنني لو قلت واحداً من هذه الأسماء لبكى النيل الخالد، وتكسرت أغصان النخيل، وتعذب العطبراوي وتجمدت شواطئ تلك القرى التاريخية.. لا أريد أن أضع اللوم ولكنني أعاتبهم بعبق الأجداد حين كانوا يعشقون بربر بوفاءٍ لا حدود له ومنهم من توفرت له سبل الانتقال ولكنه لازم الانتماء، فكانت بربر في زمانهم وجهاً مضيئاً.. حقاً أبحث عنكم ليعود مستشفى بربر رمزاً جاذباً لأهلكم الضعفاء، وأجراً تلقونه.. لا محال إنني أتوق ألا أقرأ شيئاً سالباً كالذي قرأته مؤخراً من أحد أعضاء المجلس التشريعي حول مستشفى بربر مما لزم علي أن أسبح عبر السطور وأناجي وأنادي فندا البلد هو تاريخ ينفرد بلونية الإقبال.. وفي بربر مرجعيات إذا التمست أي منها، علمت تماماً بأنك تتعامل مع مدينة استثنائية في كل شيء وأحسب أن مقولة (أحذروا الباءين)، فقد صححها أحد أذكياء بربر حين قال له أحد المداعبين الباءين المقصود بها أهل بربر وأهل بارا فرد له لا لا هي بربر نفسها.. لذا مدينة تنعم بهذا التواجد الوجداني عبر الفكاهة والعفوية والطرح الثقافي لمدينة تشبعت بخصوصية في كل المعاملات، ينبغي لأهلها صياغتها وبلورتها وجعلها أُنموذجاً يحكي عن تاريخها المتفرد. قال رئيس الحكومة التونسية حماد الجبالي (نكبتنا في نخبتنا) ... في إشارة منه الى ما تواجهه حكومته من مظاهرات ومسيرات احتجاجية رافضة لكل إصلاحات تقوم بها الحكومة التونسية، لتعزيز الديمقراطية وتحقيق مطالب الثورة.... والجبالي الذي يقود حكومة فاز بها حزب النهضة بزعامة راشد الغنوشي، يرى أن أغلبية النخبة (في ساحة المعارضة الآن)، كانوا قيادات في نظام زين العابدين بن علي وانقلبوا الآن وصاروا (ثواراً) يتصدرون الثورة التونسية زوراً وبهتانا..... ويبدو أن دول الربيع العربي مصابة بمرض (ما بعد الإطاحة بأنظمتها).... وأسبابه الأساسية طموح النخبة التي فشلت في الوصول الى كرسي السلطة عبر الانتخابات... وتريد الآن الوصول إلى الكرسي عن طريق إعاقة الحكومة القائمة الآن وتصويرها كأنها عاجزة عن إدارة الدولة.. فما يحدث في مصر هو سيناريو مكرر لما يحدث في تونس وليبيا الآن، ويتوقع أن يحدث في سوريا إذا ما نجح الثوار في الإطاحة بحكم بشار الأسد، وأقاموا انتخابات لانتخاب جهازين تنفيذي وتشريعي جديدين. ما يحدث في مصر وتونس برغم أنه ممارسة ديمقراطية الإ أنه يهدد إستقرار دول الربيع العربي...لأن الشباب الذين حققوا الثورة تمت إزاحتهم من المشهد السياسي، وظهرت نخبة جديدة لها مصالحها وأجندتها الخاصة، بعد أن فشلت في تقديم برامج مقنعة للناخبين في الانتخابات.