المريخ يستانف تدريباته بعد راحة سلبية وتألق لافت للجدد    هنري يكشف عن توقعاته لسباق البريميرليج    تعادل سلبي بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا في تونس    تعادل باهت بين الترجي والأهلي في ذهاب أبطال أفريقيا    باير ليفركوزن يكتب التاريخ ويصبح أول فريق يتوج بالدوري الألماني دون هزيمة    كباشي يكشف تفاصيل بشأن ورقة الحكومة للتفاوض    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مقتل مواطن بالجيلي أمام أسرته علي ايدي مليشيا الدعم السريع    تمبور يثمن دور جهاز المخابرات ويرحب بعودة صلاحياته    تقرير مسرب ل "تقدم" يوجه بتطوير العلاقات مع البرهان وكباشي    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    بعد الدولار والذهب والدواجن.. ضربة ل 8 من كبار الحيتان الجدد بمصر    محمد وداعة يكتب: معركة الفاشر ..قاصمة ظهر المليشيا    مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعرة والمترجمة المغربية سهام بوهلال: الإسلام والإرهاب والجنس على رأس لائحة القاريء الفرنسي!
نشر في الراكوبة يوم 10 - 11 - 2011

الحوار مع الشاعرة والباحثة والمترجمة المغربية سهام بوهلال مفجر للأسئلة الإشكالية التي تهم من جهة علاقة الكاتب بذاته وانشغالاتها وتتمثل من جهة أخرى، في العلاقات التي احتفظت بها مع الآخر بما هو ثقافة ومتخيل باعتبار إقامتها في العاصمة الفرنسية باريس منذ عقدين من الزمان.
ينبغي التنويه في هذا الخصوص بالتعدد الذي يسم الحضور المعرفي والإبداعي لسهام بوهلال في المشهد الثقافي المغربي خصوصا والعربي عموما؛ إذ تؤالف بين البحث الأكاديمي والترجمة والإبداع الشعري والروائي. تقيم بالعاصمة الفرنسية باريس منذ ستة وعشرين عاما. حصلت على درجة الدكتوراة من جامعة السوربون عن ترجمتها ودراستها المتميزتين لكتاب أبي الطيب الوشاء الموسوم 'الموشى' تحت إشراف الشاعر والباحث والمترجم الجزائري الراحل البروفسور جمال الدين بن الشيخ. اهتمت سهام بوهلال بالترجمة؛ إذ نقلت إلى اللغة الفرنسية بالإضافة إلى كتاب 'الموشى' الصادر عن دار غاليمار عام 2004 كتاب 'أدب النديم' لكشاجم الصادر عام 2009 عن دار آكت سود الفرنسية ونصوصا أدبية معاصرة أخرى. انفتحت سهام بوهلال في السياق ذاته على الكتابة الإبداعية التي تتوزع بين الشعر والسرد؛ إذ أصدرت باللغة الفرنسية عددا من المجاميع الشعرية نذكر من بينها: 'ملح الحب' 2009، 'قبر من شوك' 2009 عن دار المنار بباريس، 'الأميرة أمازيغ' - رواية- 2009 عن دار المنار، 'جرح لا يندمل' 2010 عن دار المنار، ' نشيد إلى كورسيكا'، 'عناقات' 2010 عن دار المنار.
* تقيمين وتعملين في العاصمة الفرنسية باريس منذ أزيد من عشرين سنة. هل يمكن القول إن هاته الإقامة الطويلة وما تخللها من بحث أكاديمي بجامعة السوربون قد أسهمت في قدومك إلى الشعر؟ هل كان انفتاحك على الشعر بما هو شكل تعبيري محصلة الرحيل إلى فرنسا واللقاء بالآخر؟
* الشعر ليس قضية ترتبط بأرض معينة ورحيل أو ترحال. طبعا المواضيع التي يتصدى لها ربما تخضع لتأثير من هذا القبيل ولكن الشعر بما هو شكل تعبيري له استقلاليته وهو ربما فطرة تنام فينا وتتفتح لسبب ما.
لقد كانت القضية الفلسطينية أول حافز لكتابة بعض المحاولات المبكرة وبعدها زياراتي لأبناء خالتي في سجن القنيطرة بعد رفع السرية ومحاكمتهم كمعتقلين سياسيين. وكانت القصائد الأولى باللغة العربية فرغم إطلاعي على الأغنية الفرنسية الأصيلة كان الاحتكاك بالشعر العربي القديم يوميا ومنذ سن جد صغيرة. أمي السيدة السقاط بديعة من بين حفاظ الشعر خاصة ما موضوعه العشق والهوى والحكم. كان إطلاعي على منتخبات من المعلقات في هذا السياق أيضا. وربما كانت هذه الحصيلة هي الممهد للبحث الأكاديمي. كما أن الشعر الفرنسي الذي كتبته في ما نسميه بسن المراهقة ومع ما ننعته أيضا بالحب الأول كان ربما الدافع الرئيسي لرحيلي إلى الديار الفرنسية.
اللقاء بالآخر له وقعه على الحياة بشكل عام وهذا الآخر ممكن أن يكون الشعر نفسه في فضاء خاص متمرد أو زمن زئبقي إذا شئت وشخصيا الشعر كآخر هو الذي يكشف لي باستمرار عن الآخر في أو آخر يتجدد وهو الآخر الذي أبحث عنه.
* أنت في البداية مترجمة، وقد حضرت في هذا السياق أطروحة متميزة تحت إشراف الشاعر والباحث والمترجم الجزائري الراحل جمال الدين بن الشيخ كان عنوانها الرئيس 'ترجمة كتاب الموشى' لأبي الطيب الوشاء. هل ثمة من علاقة بين انشغالك بالترجمة واعتناقك للتعبير الشعري باللغة الفرنسية تحديدا؟ وهل كان لمصاحبتك للراحل جمال الدين بن الشيخ بما هو شاعر تأثير في ذلك؟
* لست مترجمة في البدء، لأن الشعر كانت له الأسبقية ولانقطاعي عنه لسنوات حكاية لا مكان لها هنا. وهو جواب على الشطر الثاني من سؤالك. لقد كتبت وأنا في الرابعة عشرة بالفرنسية وهذه حقيقة لا تفسير لها. لقد قلتها مرارا وحتى أنه لا أهمية لها؛ فللشعر خصوصيات تتحدى اللغات وتعلو عنها.
أول مرة التقيت بجمال الدين ابن الشيخ كان أمام قاعة الدرس بجامعة السوربون وكنت حينها أرتدي الحجاب من بين طالبات أقل من القليل وقبل 'قضية الحجاب' كما يسمونها هناك وكنت قد تعرضت للرفض من طرف أستاذ تونسي وأستاذة سورية والسبب كان واضحا. وقفت هكذا على باب جمال الدين بن الشيخ وسألته هل من الممكن ارتياد محاضراته، نظر إلي وأشار بيده تفضلي. كان حرا ويحترم حرية الآخر وهكذا ابتدأت الحكاية. لم يعلمني الرجل فقط البحث وأسرار الترجمة وألانتقال من العمل الأكاديمي إلى ميدان التأليف بل كان أول ديوان نشرته بسببه والقصة أنه
كان دائما يلح علي أن أكتب رواية وأن لا أقتصر على عمل الترجمة ولا أسجن نفسي داخلها. وفي يوم أردت أن أتخلص من إلحاحه فبعثت له بعض القصائد وقلت في نفسي حين سيرى رداءتها سوف يتركني لترجماتي وأبحاثي. غير أنني فوجئت به وقد بعثها لناشر وهكذا صدر ديوان قصائد زرقاء عن دار طارابيست وكتب عنها جمال الدين بن الشيخ كلمات كانت أحلى هدية بالنسبة لي: سهام بوهلال شاعرة وجسر واصل بين الثقافات. قصائدها ترتعش مثل طحالب في غمرة حركة مد وجزر سرية وترى نفسها في حلم موج قادم مثل أناشيد المتصوفة في زمن لم يكن فيه الدين يحمل السلاح.
مع هذا ما ساقني إليه الرجل هو معنى الحرية والتحرر وعلمني أن أنظر إلى الآخرين وإلى أسماء الشوارع وأن أستنشق هواء السماء وقد كنت أمشي محدقة في الأرض وهذه هي القوة الحقيقية التي علمني إياها جمال الدين بن الشيخ. وقد كتبت في نص بعد رحيله:
تذوقت في راحة يدك وتحرر كلامي داخل كلامك ونضج كياني داخل كلماتك. كنت الألخيميائي وكنت الحجر. رسمت يداك حروف الحياة على أرغانة حياتي. نقشت أصابعك صفحة قلبي ووضعت في دواخله القصيدة.
* أنجزت ترجمتين متميزتين لكتابين تراثيين من العيار الثقيل، أولهما كتاب 'الموشى' لابن الوشاء والثاني أدب النديم لكشاجم. لماذا اهتمامك بهذا الصنف من التراث؟ هل يتعلق الأمر برغبة في إعادة ترهين تراث الظرف والظرفاء؟ وإذا نحن اعتبرنا الترجمة فعل استضافة، فكيف تفسرين للقارئ ضرورة بل أهمية استضافة هاته النصوص في سياقنا الراهن؟
* كتاب 'الموشى' من أهم الكتب التراثية حول موضوعي الفن والجمال عند العرب. وهذا الاحتفاء بالجمال والكمال يكمن في عنوان الكتاب نفسه. فالوشي هو ذاك الثوب النفيس المدبج والمنقش بخيوط الذهب والفضة . فتفتح الكتاب على ألوان من الفن والتشكيل في الصيغ والمعاني وتتقلب في جنانه الزاهية العطرة وفضائله المتينة الراقية.
يخوض في الحب والصداقة بدقة الفيلسوف الحكيم ويحتفي بالأدب والظرف والمروءة أيما احتفاء.
يخاطب خاصة الخلفاء كما يخاطب الأديب الأريب وإن كان من ذوي الفاقة. فالظرف يتسع له ما دام الأدب يخول صاحبه المكانة الرفيعة. ألم يقل الشاعر
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه
خلق وجيب قميصه مرقوع،
ترجمت أيضا كتاب 'أدب النديم' لكشاجم من القرن الرابع الهجري من مدينة حلب في بحث أيضا عن القيم الإجتماعية والعلاقات المشتبكة والشائكة بين حاشية الخليفة والخليفة نفسه عبر شخصية النديم ويا لحلب وحمص الآن.
الهدف من إحياء هذا التراث هو محاولة فهم الماضي حتى نستطيع مواكبة المستقبل لأن ما نسميه بالحاضر ما هو إلا حركة مستمرة نحو مستقبل آخر وهذه الحركة مفعمة بمضمون الماضي ورهينة به، سواء كان ماضيا بعيدا مثل ما هو الشأن بالنسبة لهذه الكتب أو القريب وهو ما نعيشه كل لحظة مع أنفسنا ومع الآخر ومع المجتمع. في الحب والسياسة والعمل أو إذا أردت الأمر يتعلق بهيئتنا في الحياة بالمعنى الأول للهيئة طبعا. أنا لا أريد العودة إلى الوراء ولكن فهمه حتى لا أسقط في أخطاء تؤثر أو تتحكم في طريقي أو فلسفتي في الحياة. إذا لم أفهم كيف كان يعيش المجتمع
الإسلامي القديم لا أستطيع أن أقاوم سلطة الدين التي يفرضها البعض نظرا لجهلهم بالإسلام المعاش آنذاك.
مفهوم الظرف والظرفاء وآدابهم وإقبالهم على الحياة يتناقض جذريا مع ما يدعو إليه جل المتطرفين الجهلة الآن، هذا علاوة على أنني أرفض أن تدير حياتي اليوم أفكار قديمة فقط بعامل التقليد. لا أرفض القديم لأنه قديم بل فيه أجد شخصيا نفسي ولكن ليس القديم حسنا فقط لأنه قديم والحديث مرفوضا فقط لأنه حديث. بل يجب غربلة كل شيء كيف ما كان. ما أحاول أن أقوم به هو تفكيك أو فذلكة هذا التراث ي الثقل الكبير في تحديد مصيرنا الراهن وإخراجه من هالة القدسية التي تحيط به وتجعله بعيدا عنا وتضفي عليه طابعا مبهما، بمعنى أن التراث الأدبي ليس هو النص القرآني والنص القرآني نفسه قابل للتأويل والإعجاز فيه لا يجعل حتما من اللغة العربية لغة مقدسة ، بمعنى أنها لا تناقش ولا تضاهى ولا تترجم إلا بنقص حتما. كيف تريد أن نتمكن من مصيرنا ومن لغتنا ومن تراثنا...إذا جعلنا كل هذا في أعالي القدسية التي لا نبلغها؟.
أحب فكرة كون الترجمة استضافة. مهم أن تظل لكل لغة خصوصياتها وقد مضى الوقت على فكرة الترجمة كخيانة وهي فكرة عقيمة ألقى بها من ألقى وتداولها كل من هب ودب. وأشكرك أنك لم تطرح السؤال. كل لغة لها مقاييسها ومعاييرها التي يتعطل الفهم دونها، فمن أراد أن يجد نصا عربيا بحذافيره في لغة أخرى تستقبله فليقرأه بالعربية، طبعا على المترجم أن يكون جد دقيق والمسألة تتطلب معرفة باللغتين وسنوات من التجربة والحنكة. تعرف أن الفرنسي إذا ما قرأ رامبو بالعربية يكاد ينتحر وكذا القارئ العربي أمام أبيات مثل هذه بالفرنسية
لم يخلق الرحمن أحسن منظرا من عاشقين على فراش واحد
متعانقين عليهما حلل الرضا موسدين بمعصم وبساعد
يدخله الحزن ويكاد قلبه ينفطر.
الترجمة تتوجه للناطقين باللغة المستضيفة ورغم أن وضع النصوص القديمة مختلف لأننا يجب أولا أن نفهمها وندخل في أدغالها وأنت تعلم كم هي مستعصية على العربي نفسه، فالترجمة في هذه الحالة تتوجه للغربي لكي يفهم بعضا من هذا التراث وماضي الشعوب التي يتعامل معها وغالبا ما يحتقرها وتتوجه للعربي في نفس الآن فهي بمثابة شرح للنص الأصلي. وكما قلت أنه في وضعنا الحالي لابد لنا من فهم ماضينا ودمجه بطريقة ذكية في حاضرنا، انظر ما يحصل في تونس وليبيا وكيف أنهم وباسم الديمقراطية يعودون بالمرأة إلى قرون غابرة وبسياسة البلدان إلى نظام لا نعرف له شكلا قد كان ناجحا آنذاك وحقق أي عدالة اجتماعية، الله يفتح الباب والجهلة يظلون عند الباب...
* يهمني في السياق ذاته أن أناقش معك الوضع الاعتباري لترجمة الأعمال الأدبية العربية إلى اللغة الفرنسية على وجه التحديد. نعرف انك ترجمت عددا من النصوص العربية إلى اللغة الفرنسية. كيف تنظرين إلى استقبال المتلقي الفرنسي لهاته الترجمات؟ هل ثمة مصاحبة نقدية تتوخى تقييم جودتها أو ضعفها ورداءتها؟ هل ثمة معايير موضوعية تتحكم في اختيار النصوص المرشحة للترجمة، أم ان الغلبة للدوافع الذاتية ومنطق الإخوانيات والعلاقات الشخصية؟
* إذا تحدثنا عن التراث العربي فالحاضرون في هذا المجال قلة وهناك طبعا أسباب لاختيار موضوع وطرح آخر. دور النشر تجار قبل كل شيء ولا يقبلون على عمل إلا إذا علموا أنه سوف يروج. موضوع الإسلام والجنس عند العرب والإرهاب يحتل رأس القائمة في القديم أم الحديث وهناك أيضا سياسة الأسماء المعروفة التي تبطل قضية الجودة أو الرداءة. مع ما يسمى الربيع العربي أصدر بعضهم كتبا جد رديئة ليس فيها أي تحليل سياسي ذكي ولا معرفة بكنه الأمور ولكن فقط لأن الإسم معروف، تسلق رؤوس الثوار وعنفها وما زالوا يتشدقون بما لا يفهمون ويهونون من بعض الأوضاع خاصة في المغرب. ولكن هذا ليس سؤالك.
الصحافي يقرر أيضا في هذا الشأن. مثلا ترجمت رواية 'عمارة يعقوبيان' وحظيت بالنجاح الذي تعرف كما ترجم كتاب 'الإرهابي 20' للسعودي عبد الله ثابت وهي تجربة فريدة وتحليل دقيق وواقعي لمسألة الإرهاب خال من الكليشيهات الهوليوودية غير أنه لم يعرف نفس المصير ورغم أن الصحافة لم تهمله إلا أنه ظل شبه مجهول حتى أن الكاتب لم يستدع ولو مرة إلى فرنسا لتقديم روايته وقد تعرض لنقد كبير في السعودية وشهدت له حوارات متلفزة ما أشبهها بالاستنطاق وهذا أمر عجيب والكتابان صادران عن نفس الدار. السياسة الخارجية وما أدراك ما السياسة الخارجية والبترول لا ينتقد.
طبعا هناك للأسف منطق الإخوانيات والعلاقات الشخصية والتواطؤ مع الصحافة ونوع من مسؤولية القارئ في هذا المجال ولكن العامل المادي يظل مهما. هناك نظام خاص لاقتراح النصوص ومناقشتها إلخ وأنا لا أعرف هذا العالم من الداخل لأنني أشتغل على كتب أقيمها شخصيا وبعد ذلك أقترحها على دار النشر التي تقبلها أو ترفضها وهذا نادر يعني أنني حالة خاصة ولا أقبل بنظام الترجمة الميكانيكية يعني أرفض أن أكون آلة مترجمة أو أدخل في مشاريع جماعية.
* تتعالق تجربتك الشعرية بالذات وانشغالاتها وأسئلتها وانتظاراتها في ارتباط بالأمكنة التي تقيم فيها سواء بشكل حسي وملموس مثل باريس أو عبر وسيط الاستعادة والتخييل. ما هي المفاتيح التي من شأنها أن تشرع أمام القارئ المحتمل أبواب هاته العوالم الشعرية؟
* لا أدري إذا ما كان للبلدان حضور كبير بصفة مباشرة في نصوصي الشعرية. ربما أول مرة كتبت عن بلد ما هي جزيرة كورسيكا وخصصت لها ديوانا صغيرا لما كان لها من وقع على حياتي في ظروف كانت جد صعبة. وليس من الضروري أن أكتب عن المكان حتى ولو كان له تأثير على نفس الكتابة وإذا كان يضفي طابعا خاصا عليها. فزياراتي لإيطاليا أو تشيلي مثلا تفتح نفسي على عوالم أخرى في طريقة الكتابة وإقامتي الأخيرة في البادية الألمانية بال 'أهينرش بيل هاوس' جعلتني أكتب عن الغابة والنهر والطير والشجر وهذا لم يكن له سابقة لدي. المكان أيضا هو شاعر تقرأ له مثل بول تسيلان ورينيه شار وغابرييلا مسترال وغيرهم، لا تخرج سالما من قراءات كهذه حتما. كتبت أيضا مؤخرا قصائد متعلقة بما نسميها بالأحياء الشعبية حتى لا نقول الفقيرة بالدار البيضاء مثل السباتة حيث دارت مظاهرات شباب عشرين فبراير وهي أحياء أعرفها لأنني بها ترعرعت وأمام مثل هذه المواقف يدخل الشعر فعلا إلى مكان وزمان يحصرانه وكتبت عن تفجير الأركانة بمراكش وعن نساء الجبل اللائي تعرضن للضرب من طرف السلطات فقط لأنهن طالبن بماء صالح للشرب...و هذه حالات استثنائية وفاجأتني بكسر فكرتي حول الشعر ولو مؤقتا.
أعتقد أن كل تجربة شعرية لابد لها وأن تشتغل بالذات سواء الذات الملموسة انطلاقا من الجسد الذي ينحت الفضاء بجغرافيته حين تنقلاته وسكناته وتقلبه في دواخل الروح والشرايين. طبعا نحن في تساؤلات دائمة، والسؤال هو المهم لا الجواب. كونك تشك وتسأل وتنتظر وتأمل هو كنه الحياة. الجواب أو الوصول، نهائي ومحطة وقوف ونحن نريد أن نصنع المستقبل في مسيرة دؤوبة نحوه.
* ثمة في غالبية نصوصك الشعرية وخصوصا في ديواني 'عناقات' و'الجسد الضوء' استثمار قوي ودال للمكون الإيروتيكي بما يستدعيه ذلك من توظيف للجسد ومعجمه الشهوي. ما دلالة هذا الاختيار؟ وهل ثمة تعالق بين هذا الاختيار واهتمامك عبر وسيط الترجمة بأدب الظرف والظرفاء وأدب النديم علاوة على انشغالك الأكاديمي في البحث عن القيمة الثقافية للعطر في الأدب العربي القديم؟ ونحن نعرف أن العطر شكل دائما مكونا رئيسا في الثقافة الإيروتيكية القديمة أو ما يسمى بعلم الباه.
* لك الحق عندما تقول أن كل كتاباتي تكتسي طابعا شهويا بل وهو محركها الرئيسي من 'قصائد زرقاء' حتى 'الجسد الضوء' وحتى 'موت لا يندمل' لأن العلاقة بين الموت والحياة، الموت والحب، الموت والجسد علاقة عشق. الموت يستهوينا ويتسرب للجسد كمحب ولهان أو عاشق ماجن. ولأنني أؤمن أنني أكتب بصدق، والصدق كائن حي له جسد وقلب وروح، فلهذا أكتب بالدم واللحم والشرايين، نافذة أفتحها على نفسي، على معرفة جسدي حتى أعرف الآخر وأفتحه وأتسرب إليه وأمتزج بروحه وعقله وجسده والاخر ليس بالضرورة الحبيب ولكن ممكن أن يكون مكانا، غابة، نهرا، شجرة والآخر هو الشعر أيضا. ديوان 'عناقات' والذي سوف يصدر في طبعته الجديدة المزيدة لم يكن الهدف منه كتابة نص إيروتيكي كما أصبح معهودا في السنوات الأخيرة في نصوص دون أية قيمة أدبية...بل هو نتيجة تأمل وتفكير في لحظة الحب وأشكالها واختلافاتها وكيف أن لكل لحظة من اللحظات قيمتها وخصوصياتها. الحب ليس الهدف منه فقط التناسل وإلا لما عاد إليه أحد وهنا طبعا للجسد الدور الأول في هذه النصوص وهو إذا أردت بشكل مختصر عبارة عن مؤلف فلسفي صغير للحب وفيه أكثر من الأشعار حضور قوي لأدب الظرف في هذا المجال على أن الظرف نفسه وقيمه مبنية على العشق وخاصة في الكتاب الموشى. وللعطر والطيب أهمية بالغة هنا سوف تتضح لك عند قراءة النص بعد صدوره، بل وإن السر في المسك والغالية والزعفران. طبعا صدر لي في شهر تشرين الاول/أكتوبر 2011 بالمجلة الألمانية لأيتر أنتيرناسيونال بحث مطول حول العطر عند العرب القدامى وتاريخه وعلاقته خاصة بالعبادة وبشؤون الباه وهذا يدخل في مجال البحث الأكاديمي المحض. أما في 'عناقات' فالطيب يتسرب من خلال القصيصات مثل خيط حرير رفيع لكي يلفنا نفحه في آخر الكتاب كما لما تضع قطعة عود قماري على جمرة دافئة فلا يحصل شيء في البدء ،ولكن في لحظة يعلو دخانه ويحتوي الحواس.
* تكتبين في أحد نصوصك: بين يديك يتفتح جسدي وفجأة يأخذ شكل عينيك. هل الاهتمام بالجسد ولغته وروائحه ورغباته مقدمة لا مناص منها للاحتفاء بقيمة الحرية وامتداداتها الحسية والرمزية في الثقافة العربية؟
* طبعا لأنه من الجسد ينطلق تاريخ البشرية ومعتقداتها التي ما زالت تحدد العلاقات بين الجنسين وبين الناس عامة. فمنه تنطلق 'الخطيئة' الأولى وحول جسد حواء والمرأة بصفة عامة يقعدون الأرض ويقيمونها، ممن يريد كبح الجسد ومواراته وممن يريد توظيفه إلى حدود قصوى مثل السادية مثلا. جسد المرأة على حسب الديانات خلق من مادة حية لها روح ونبض وآدم خلق من تراب فالمرأة هي النسل والحياة والحرث...و الصورة ليست سلبية بالضرورة كما يراها البعض لأنها متعلقة بمجتمع صحراوي يرتبط فيه حب الرجل بالأرض الخصبة القابلة للحرث، لإعطاء الحياة والبذرة والثمرة ومنها تنضح العيون. فعندما يقول النص القرآني 'نساؤكم حرث لكم'، ليس بالضرورة انتقاصا للمرأة ، بل يجعل جسدها موضع الشيء النادر الغالي الثمن المفقود في الصحراء، ومعجم الحب نفسه عند العرب القدامى يدور حول الغلة والعطش والارتواء وحول الحياة الجنسية للجمل والناقة. من يحب أن يقف عند أرض قاحلة؟ طبعا لكل حقبة من الزمن معاييرها ومفاهيمها وصورها الجمالية ولكل لغة أيضا، الريق مثلا في قصيدة الحب العربية له معنى راق، بينما إذا انتقلت إلى الشعر الفرنسي فالموضوع يختلف...و علم الباه أظهر ذلك وحرص مؤلفو هذه الكتب بعد النص القرآني نفسه على أهمية النكاح وقيمته في الحياة اليومية وسعادة الجسد وضرورة ارتوائه دون أن يكون هناك تفضيل بين غلمة المرأة وغلمة الرجل. وما أحاوله وأعتقده هو أن الحرية في مطلقها لها شرط أساسي لا تكون إلا به وهو تمكننا من جسدنا وامتلاكنا له وحريتنا في العيش به ومعه كما يرضى ونرضى نحن وليس كما تفرضه علينا العادات والتقاليد والديانات أو بالأحرى أصحاب الفتاوى والتحريم الأعمى...يلزمنا طبعا احترام حرية الآخر واحترام جسدنا حتى لا نعرضه لنهب الأنظار القذرة. المرأة التي تملك جسدها تملك مصيرها وهذا ما يجعلها وكأنها تهدد نظام الكون فتعاني من الهجومات الظالمة في شرفها وسمعتها وهذا التخلف بعينه. الرجل الذي يملك جسده أيضا يملك مصيره وهذا غير مقتصر على الثقافة العربية الإسلامية فقط، فإذا نظرت في تاريخ الجسد في الغرب تجد غرائب وعجائب من كبح لجسد المرأة وانتقاص له أو تنزيه له بحسب المستوى الطبقي، فالفتاة من النبلاء كانت تتمتع بحماية كبيرة بينما كانت الفتاة من الشعب مستباحة تتعرض للاغتصاب والنهب حتى أن ألاغتصاب كان ممارسة لا يعاقب عليها،وإذا نظرت في الفقه الإسلامي تجد أن جسد الحرة كله عورة بينما الأمة لا حرج عليها.
* ديوانك 'أحلام ليلة بربرية أو قبر من أشواك' مرثية جميلة تنضح بالحب والامتنان وجهتها للراحل إدريس بن زكري رئيس هيئة الإنصاف والمصالحة والمعتقل السياسي السابق. تكتبين في أحد نصوص الديوان: إن مت ووقفت على قبري سوف أفتح عيني كي أراك. هل في مقدورك أن تحدثينا عن هاته التجربة؟
* هذا سؤال يلزمه دهر من الجواب وخاصة أنني لم أتيقن بعد أنه راح ولن يعود. بل لي نبض في انتظار دائم وادريس بن زكري له حضور في حياتي اليومية وفي أسفاري وفي كتاباتي، وهناك لغز لم أعرف بعد له تفسير وهو أنني في كل عشرين ايار/مايو ذكرى وفاته أحاوره شعرا في قصيدة أكتبها وعيناي شبه مغمضتين. طبعا الرجل كانت له مكانة ودور أساسيان في الدولة ومهام متميزة وترك وراءه توصيات أرجو لها أن تطبق يوما برمتها وبالطريقة التي أرادها لها وأن يفهم عمله على أنه ليس فقط محصورا بقضايا معينة وخاصة بمجال حقوق الإنسان. كان الرجل شاعرا ومفكرا وفيلسوفا، كان يعمل لمغرب آخر لم نره بعد ويحمله في اعتقادي وبإيمان حاد شباب العشرين فبراير اقصد الخلية الأولى لهم التي لا ترتبط بأي إيديولوجية أو اتجاه رجعي. والسؤال الذي أطرحه هو ما كان في مستطاعه فعله؟ ويقيني أنه كان سوف يحضر بجانب شباب طري، واع وذي فكرة واضحة عما يريده وإيمان بالديمقراطية في شكلها الحداثي والحرية، حرية المعتقد، المغرب أرض اليهود والنصارى والأمازيغ والمسلمين والعرب، ليس المغرب حصرا على ديانة واحدة وأصوله وتاريخه غير خافية، حرية امتلاك الجسد، حرية التعبير، المساواة بين الرجل والمرأة حتى على المستويات القصوى في البلد بشرط الكفاءة طبعا وأنت تعرف كيف آلت الملكية للعلويين بالمغرب، وأهم تلك المطالب هي العدالة الاجتماعية. العشرينيون منبثقون خاصة من الأحياء الشعبية التي تعاني من التهميش والفقر. هناك بالطبع منجزات هامة بالمغرب وإرادة قوية من لدن صاحب الجلالة وتقدم ملموس في المسار الديمقراطي ولكن نحس أن الأشياء تجمدت بل وتجمدت وظل مالكو زمام الأمر هم هم والأحزاب السياسية هي هي عاجزة عن تفعيل برامجها أو حتى اقتراح برامج جيدة، والجيل الشيخ ما زال في صراع للتفرد بالسلطة والوزراء الذين فشلوا تجدهم على رأس اللوائح الانتخابية، الدستور الجديد كان صادما والظروف التي تم تحضيره فيها والنسبة المئوية 98...والغرب يصفق...ودور الثقافة لم يعترف به بعد كمحرك رئيسي للنهوض بالوطن ومفهوم الوطنية نفسه مازال يعاني من ثقل التاريخ، من ينتبه إلى ضرورة إعادة تحديد مفهوم المواطنة وزرعه في دينامية حداثية يكون أساسها حرية الفرد واحترامه لنفسه كفرد أولا، قبل أن يكون مواطنا يخضع لقوانين وتشريعات. يلزمنا الشخص الواعي. المثقف. المتحضر. المنفتح. الشاب...حتى أن كلمة مناضلة أو مناضل ما زال العمل بها جاريا وكأننا مازلنا في حرب ضد المستعمر، بيد أننا يجب أن نتحرر من هؤلاء 'المناضلين' و'المناضلات' الذين يسجنون الوطن في رؤى قديمة أكل الدهر عليها وشرب. يلزمنا أناس أذكياء نزيهون لهم قيمة إنسانية عالية، قضية المرأة أيضا شائكة، من ينتبه لنساء الجبال اللائي مازلن يحملن الأثقال على ظهورهن ويتسلقن الأعالي وهن مبتسمات؟ من يفكر أنهن يستحققن إلقاء الأضواء عليهن وليس على من تتعارك على مقعد في البرلمان أو عودة إلى الوزارة وادريس ابن زكري كان رجل الإتزان والتروي والذكاء السياسي إن لم نقل الدهاء ولكن للأسف اختطفه المرض وهذا شبه قدر في حياته بعد معاناته من 17 سنة سجنا بما في ذلك التعذيب. كانت قصتنا جد خاصة لأننا لم ندخل في قالب رسمي موثق بأوراق بالية، بل كان الحب البادخ النقي الراقي والذي لا يختبىء من أحد وكان مفهوم الحرية الخاصة حقيقة أردناها ولكن بعد رحيله وبعد ما تقاسمناه خلال مرضه والمراحل المؤلمة لرحيله، كان أمرا آخر. ولم تأت الصدمة من الناس البسطاء بل من حاملي لافتات حقوق الإنسان وحرية المرأة وإلى ما الى ذلك من شعارات فارغة لا تتعدى حلوقهم .ادريس ابن زكري وسهام بوهلال موضوع شبه شائك لا أحب الخوض فيه وقصة الحب التي اقتسمناها حتى آخر رمق حقيقة عظيمة ولا أحد بإمكانه طمسها ولو دأب إلى ذلك. الحب بالنسبة لي هو القوة التي تجعل الكون راسيا على قواعده وهو ما ينقد البشرية ومن حسن حظي أنني أكتب. أن تكتب مهم في عملية تمكنك من حريتك وممارستها مهما كان الثمن ولن أساوم أو كما يقول العشرينيون: ممفاكينش.
* استلهمت في روايتك 'الأميرة الأمازيغية' بعضا من تفاصيل وذكريات طفولتك في المغرب. لماذا الانفتاح على السرد؟ هل كان اعترافا ضمنيا بعجز الشعر بما هو شكل تعبيري عن احتضان كل ما ترغب الذات في استعادته تخييليا؟ وهل تعتقدين في هذا الخصوص ان هذه التجربة فاتحة لتجارب لاحقة أخرى في كتابة الرواية؟
* كيف للشاعر أن يعترف أو حتى يفكر بعجز الشعر وإلا فالانتحار أهون، الانتقال من الكتابة الشعرية إلى النثر تم بطريقة طبيعية وعفوية ولم يكسر سلاسة المعاني ولا استمرارية المواضيع التي تشكل هاجسا بالنسبة لي. لن أدخل في تفاصيل كنت قد تحدثت عنها في حوار لنفس الجريدة. القصيدة تبني هيكلة الصورة ومن هذا الجانب لا يخلو النص السردي والروائي من المقوم الشعري ويشكلان نفس العملية رغم أن الشعر في أساسه لا يرتبط بزمان أو مكان وأننا نتقلب فيه كالعميان على كل الطرقات إلا الطريق المتمرد عن كل انتماء عن كل إيديولوجية ونسبح في عوالمه الهادئة أو القلقة. القصيدة تحكي بدورها قصة، ربما لا تكون هناك عقدة، ولكنك تلتقي بلغز في كل كلمة، في كل مقطع، وربما وجدت لهذه الألغاز تفسيرا ولكن لن تجد أبدا نهاية تجعلك تغلق القصيدة، الشعر يفتحك دائما على مناخات وألغاز أخرى وإلا لم يكن له أي سحر ولما كان شعرا. باب القصيدة لا يوصد.
لم أفكر قط في إصدار عمل سردي رغم أنني كنت أكتب هذه النصوص حول الطفولة منذ سنوات ولم أكن أنوي لها أي مستقبل ولم أدر في يوم أن هذه 'الأميرة أمازيغ' سوف ترى النور بين ضفتين لهما تاريخ موحد وفي الآن نفسه يشتركان في علاقة عنيفة ووطيدة، فلو لم تستعمر فرنسا المغرب لربما كنت كتبتها بلغة أخرى وبوجهة نظر أخرى، لما كانت صعوبة هذه النصوص أو هذه الرواية كما حددها البعض، بلغت ما بلغته في نفسي رغم طابعها السهل السلس خارجيا. ومن الطريف أنني في بداياتي كانت لي مجموعة من الدفاتر زاخرة بنصوص نثرية ولكنها ذهبت حطاما تذروه الرياح. وكما أنني لم أفكر قط في كتابة رواية فسوف تصدر لي في السنة القادمة رواية بعنوان 'فصل من الحب' وأرجو أن تنوب عني في الإجابة النهائية عن سؤالك هذا والذي قبله.
القدس العربي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.