اليوم الثلاثاء هو أول أيام العام الميلادي الجديد 2013م، وهو يوم نحتفل فيه بالذكرى السابعة والخمسين للاستقلال المجيد، وهو يوم مجيد بحق طوى فيه المستعمر راياته لترتفع راية الحرية عالية خفاقة، وخلفها جهد وجهاد ومجاهدات كل أبناء الوطن، الذين لم يبخلوا بغالٍ أو رخيص في سبيل الحرية والانعتاق من قبضة المستعمر وسيطرته ومحاولته طمس الهوية السودانية بفرض نظام تعليمي «خاص» و«محدود» حاول إبعاد المتعلمين والمثقفين عن واقعهم الاجتماعي، بما يحقق غربة العقل والنفس والمعتقد، لكن الاستعمار لم ينجح في ذلك إلا بقدر ضعيف، ولم يتمكن من القاء ردائه على الأكتاف الرفيعة ولا على الأكناف العالية، وإن كان قد نجح في اصطياد بعض ضعاف النفوس خامدي الذكر منعدمي الإحساس بالوطنية، فأنشأ لهم حزباً ولد ميتاً، ولم ينجح في الصمود أمام الأحزاب الوطنية التي لم تتراجع قيد أنملة عن موقفها المبدئي القاضي برحيل المستعمر، ولم يرتفع صوت أذناب الاستعمار إلا وهناً على وهن، ولم يجد له أذناً صاغية، رغم أن من كان يمثل «صوت سيّده» فتحت له استديوهات إذاعة لندن للعمل، ولإيصال الرسالة المسمومة.. ومع ذلك ظهر المرجفون الآن ليدّعوا البطولة ويزيفوا التاريخ، وفي أذهانهم المريضة أن كل الشهود في رحلوا. يرحل الأبطال والأفراد وتبقى الأعمال والأمجاد.. رحل السيدان مولانا علي الميرغني والإمام عبد الرحمن المهدي، ورحل الزعيم إسماعيل الأزهري وصحبه الكرام، كما رحل الرمز محمد أحمد محجوب ورفاقه، ولكن أعمالهم ظلت باقية محفورة في ذاكرة الأمة، مسجلة بأحرف من ذهب في كتاب تاريخ هذا الوطن. خرجت بلادنا من ظلام المستعمر إلى نور الحرية وفضاءاتها، لكننا أخذنا نسد على أنفسنا المنافذ، ونحارب بعضنا بعضاً، حتى يومنا هذا ولم يرد أي منا أن يعترف بالآخرين، كأنما يستصحب مثل المغرورين: «يا دنيا ما فيكي إلا إنا». وهكذا وجدنا أنفسنا بدل أن ننصرف بعد معركة التحرير إلى معركة التعمير.. ننصرف إلى معركة خطيرة، هي معركة التدمير.. ونعني بذلك تدمير الذات والموارد.. لأنه وما أن تقوم للوطن قائمة حتى نجد من يسرع بمعاول الهدم للقضاء على ما تم إنجازه. نحلم بأن يكون عامنا الجديد هذا.. عاماً لله.. ثم عاماً للوطن، لأننا إن اتجهنا إلى الله بكلياتنا بصدق وإخلاص وتجرد سنجد أننا قد توجهنا للوطن.. وقديماً قالوا إن حب الوطن من الإيمان.. ومن قال ذلك صدق.