كنتُ ضيفاً ومجموعة من الزملاء، على رجل أعمال انتقل من دنيا المال والأعمال إلى ساحات القتال، وعرف معنى الصراع، وذاق طعم الظلم ومرارات الخيانة، عندما تعرض للإقصاء من حركة العدل والمساواة، وتحديداً من قبل رئيسها الراحل الدكتور خليل إبراهيم، على الرغم من أنه كان مؤسساً للعمل الميداني للحركة، وقد اتهمه الراحل خليل إبراهيم بالتآمر عليه كما اتهمه بتدبير انقلاب ضده، وأصدر قراراً بفصله. كنتُ ومجموعة من الزملاء مساء الجمعة الماضية ضيوفاً على ثائر تحول إلى رجل دولة، وكان متهماً بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وهو السوداني الوحيد الذي مثل أمام المحكمة الجنائية الدولية لمواجهة تلك الاتهامات، ونجح في الإفلات بالبراءة، حتى أن البعض شك بأن الاتهام والمثول أمام الجنائية الدولية والقرار ليس أكثر من مجرد «تمثيلية» أو محاولة للضغط على «بحر إدريس أبو قردة» حتى يلتحق بقطار السلام. سبقت زملائي رؤساء التحرير والكتاب والصحفيين بأن كنتُ أول من وصل إلى منزل وزير الصحة الاتحادي السيد بحر إدريس أبوقردة، ذي الخلفية السياسية الإسلامية، الذي خرج من السودان في العام 1998م ليؤسس شركة خاصة في الشقيقة تشاد، لكنه كان يؤسس في ذات الوقت للعمل الميداني ويكون النواة الأولى لجيش حركة العدل والمساواة التي قادها بعد ذلك المرحوم الدكتور خليل إبراهيم. تحدثنا في أمور كثيرة وقضايا عديدة، وكان السيد تاج الدين بشير نيام رئيس القطاع السياسي بحركة التحرير والعدالة، ووزير إعادة الإعمار والتنمية والبنى التحتية بالسلطة الإقليمية بولايات دارفور حضوراً ، وما كنتُ قد التقيت بالرجلين إلا لماماً، داخل وخارج الوطن، وما تبادلت معهما أو مع أي منهما حديثاً مطولاً، أستطيع من خلاله القول بأنني تعرفت على أي منهما.. لكن لقاء الجمعة أمس الأول الذي تم داخل منزل السيد وزير الصحة، والذي جاء بدعوة كريمة منه، كان فرصة للاقتراب من «عقل» حركة التحرير والعدالة، والكيفية التي تفكر بها قيادة الحركة، وجاءت الفرصة الأولى لتكون مع السيد بحر إدريس أبوقردة، الأمين العام للحركة، مع وعد بلقاء آخر مطول مع أمينها السياسي السيد تاج الدين بشير نيام، خاصة وأن بلادنا تشهد تطورات كثيرة في المواقف الداخلية والخارجية، وكذلك الحركات الموقعة على اتفاقية سلام الدوحة، والتي نجحت من قبل في توحيد هياكلها المختلفة تحت مسمى الجبهة المتحدة للمقاومة أولاً، ثم حركة التحرير والعدالة، وذلك من داخل الميدان لكن الإعلان السياسي تم في «جوبا» بدعوة من الحركة الشعبية التي أرادت في ما يبدو أن تمسك بأكثر من ورقة ضغط في يدها لمواجهة الخرطوم. الاقتراب من الثائر أبوقردة يكشف جوانب خفية في نفسه، تكشفت لنا بعد أن جرى الحديث بيننا وانساب حول قضايا عامة وكلية، فوجدنا أن يفتح الأبواب أمام الجميع ليدلوا بدلوهم حول كثير من القضايا المتصلة بحياة الناس، وظل يقول لنا: «الوزير البفتكر نفسو يعرف كل شيء يكون غلطان.. الوزير يجيب الناس البعرفوا عشان ينجح». الوزير الثائر أو المتمرد «بحر إدريس أبوقردة» يؤمن بأن اتفاق الدوحة سعى لعلاج جذور المشكلة، ويؤمن كذلك بأن الحل لم يكن بنسبة مائة في المائة، ويؤمن بضرورة التنازلات من أطراف التفاوض، لكنه سعيد لأن الاتفاق استصحب معه آراء ممثلين للنازحين واللاجئين وممثلين لمنظمات المجتمع المدني ونواب برلمانيين من أعضاء المؤتمر الوطني.. ويؤمن أكثر بأن ضمانات تنفيذ الاتفاق هم أبناء دارفور أنفسهم. تجربة التفاوض والحوار مع أبناء دارفور التي أفضت إلى اتفاق سلام الدوحة، تستحق أن تكون نموذجاً يحتذى في التفاوض مع متمردي جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وتستحق أن ندعو لها «نيام» و«بحر» و«السيسي» ليكونوا جزءاً منها.. وهادياً للآخرين من خلال اعتمادهم أو اعتماد بعضهم جزءاً من وفد التفاوض.