قبل فترة أقمنا ندوة داخل الصحيفة حول «الوجود الأجنبي» في السودان كنت مسؤولاً عن إدارة «الندوة» ومع ذلك كانت «قناعتي الداخلية» و«إحساسي الخاص» بأننا نهول كثيراً من قصة الوجود الأجنبي في السودان!! فالأمر ليس بالخطورة التي يمكن تصورها.. حتى ولو حدثت تجاوزات من الأجانب فإن نظرية «ضبط السمك في المصب» كفيلة بوضع الأمور في نصابها!! كان اللواء أحمد عطان المنان مدير عام الجوازات أحد المتحدثين وبلباقته وهدوئه المعروف فقد ساهم كثيراً في ضبط حالة «الشعارات» و«الهتافية» التي كانت طابع ندوتنا في البداية!! وقدم شرحاً واقعياً وبالأرقام عن حجم الأجانب في السودان.. قال إن الوجود الأجنبي «المقنن» مقدور عليه ومعروف ولا «يشكّل» أي مشكلة.. أما الوجود الثاني الذي يدخل عن طريق التهريب فهو أيضاً يمكن السيطرة عليه بعدد من الإجراءات المعروفة لدى سلطات الجوازات والهجرة. يجد القاريء في غير هذا المكان حديثاً منقولاً عن برنامج مؤتمر إذاعي بالإذاعة تحدث فيه «عطا المنان» عن خطط لوزارة الداخلية لضبط الوجود الأجنبي، وقال إن السودان أصبح جاذباً للعمالة خصوصاً بعد ظهور فجوة في العمالة بعد إنفصال الجنوب وتنامي التعدين العشوائي في مناطق عديدة من البلاد. وشدد اللواء مرة أخرى على نقطة جوهرية مفادها أن «إيجابيات» الوجود الأجنبي أكبر من «سلبياته» وهذا لعمري «عين الفهم» وكأنه أراد أن يقول إن القضية ليست بالحجم المتداول إعلامياً.. وهذا ما أقصده هنا في إثارة قضية الوجود الأجنبي والإيحاء بخطورته.. اعتقد أنه يحمل «تغبيشاً وتشويشاً» صارفاً للأنظار عن قضية خطيرة باتت تلقي بظلال سالبة على أوجه حياتنا هي الزيادة المخيفة في حجم الجريمة و«نوعيتها» في مجتمعا السوداني الذي كان لوقت «قريب» لا يعرف هذا النوع «الغريب» من الجرائم «الوافدة» والمرتكبة ب«أيدي سودانيين». قبل أيام حذرنا إمام مسجد ونحن في صلاة الجمعة من انتشار سرقة الركشات.. وقال بالحرف الواحد «مافي زول إسرقوا ركشتو إجي إشتكي وأبكي-زي المره- لازم يكون سلاحك معاك»!! حدثني من أثق في حديثه عن تنامي الجريمة وسط المتشردين في وسط الخرطوم وتعديهم على المارة والتجار.. فهل كل هؤلاء أجانب..! تتحدث الصحف عن شاب «لطم» نظامياً وكسر أنفه.... وجريمة متهمة فيها فتاة استدرجت رجلاً ل(4) شباب قاموا بقتله!! وسيدة ترفع قضية ضد زوجها «ود البلد» متهمة إياه بممارسة «الإرهاب» داخل المنزل الذي يخضع لسيادة وقوانين جمهورية السودان. كل الصحف تتحدث عن جرائم الفساد.. الاعتداء على المال العام.. الاختلاسات.. أكل أموال الشعب بالحق وبالباطل!! هل كل هؤلاء أجانب أم سودانيون؟! نحن في حاجة لضبط الوجود «المحلي» من ارتكاب مثل هذا السيل المندفع من الجريمة الغريبة والمدهشة.. وإذا انتهى الناس من «الملف» ونظفوه يمكن بكل سهولة الالتفات لملف ثانٍ بكل سهولة ويسر!!