يقود الحديث والبحث عن قضية تجارة البشر بمفهومها العام إلى التورط في أعمال التهريب البشري دون أدنى اعتبار للمسائل الإنسانية.. فقط الهم الأوحد والمسيطر هو الجشع في جمع المال بمختلف الطرق الممكنة دون التقيد بالضوابط القانونية بالبلد المستهدف كمحطة أخيرة أو قبل الأخيرة للضحية في أغلب الأحيان. تواصل «آخر لحظة» التحقيق في قضية معاناة ضحايا التهريب وملابساتها القانونية والاقتصادية وما يترتب عليها في ظل انعدام كامل، إن صح التعبير، للرقابة الحدودية على مرأى ومسمع. وبالرغم من العلاقات المتميزة والثنائية مع الدول التي يتعرض رعاياها للابتزاز النفسي والمادي فالكثير من الجهات المعنية تظل مكتوفة الأيدي لوضع حد لهذه الأزمة المتفاقمة. في الحلقة السابقة استعرضنا بعض نماذج الابتزاز النفسي والمادي التي يتعرض لها الضحايا في عملية التجارة، إلا أن الحالة الاقتصادية التي تعاني منها دول العالم الثالث عامة ودول أفريقيا خاصة المناطق التي بها حروب ونزاعات ومستوى الدخل الفردي فيها متدني، هي التي يتعرض مواطنوها لهذه التجارة، خاصة أن بعضهم اتخذ من الاستثناءات ذريعة للدخول ويعتبر بعضهم السودان دولة معبر إلى العالم الأول. آخر لحظة واصلت التحقيق للوقوف على الآثار الناجمة من الوجود الأجنبي في البلاد الذي أتى أغلبه عن طريق تجارة البشر، وكشفت جولة آخر لحظة عن معاناة بعض مواطني الأحياء من هذا التواجد.. ولمواصلة التحقيق في القضية في الملف المفتوح في هذه القضية، وفي جولة الجريف غرب في عدد من الحارات التقت بسكرتير اللجنة الشعبية بالحارة الأولى محمد الجيلي عبد الرحمن، حيث ذكر قائلاً: بكل أسف أن الأجانب من دولة أثيوبيا أصبحوا بأعداد كبيرة في جميع الحارات إضافة للمظهر العام من زي غير محتشم.. وذكر أن هنالك بعض المنازل المستأجرة كمطاعم، ولكن تروج لأشياء أخرى، وفي الغالب تكون غير مرخصة، وقال أصبحنا أمام مهددات صحية واجتماعية بجانب السرقات الليلية والاعتداءات من وقت لآخر على المواطنين في الشارع العام، بجانب ترويج بعضهم للمخدرات، الأمر الذي جعلنا في حالة قلق على أبنائنا وبناتنا من هذا الخطر القادم، وذكر أن أعدادهم تتكاثر وبصورة ملفتة عند الأمسيات في كل من الحارة الأولى والثانية والثالثة والخامسة والسادسة خاصة في جلسات القهوة والشاي، وكذلك عند الصباح الباكر وهم يخرجون لعملهم، إذ يتم تأجير المنزل لعدد أربعة أشخاص فيما تجد المنزل به حوالي أربعة عشر شخصاً. فيما ذكرت عضو اللجنة بالحارة الثانية -رفضت ذكر اسمها- قائلة إن أغلب بائعات الشاي والقهوة يرتدين زياً غير محتشم، وإن أكثر روادهن من الشباب وهذا مايشكل خطراً على أبنائنا وسكان المنطقة عموماً. وللتحقيق حول هذه القضية الشائكة لابد من استصحاب حقائق وأرقام مهولةحول الوجود الأجنبي، حيث قال عدد من الخبراء إن السودان أكبر دولة أفريقية مستضيفة للأجانب بواقع 869.828 ألف أجنبي، وحذرت ندوة أقيمت حول الآثار الثقافية والاجتماعية للوجود الأجنبي من تزايد الممارسات غير الأخلاقية والجرائم المستحدثة على المجتمع السوداني. وأوضح البروفسير خليل عبد الله المدني مدير إدارة البحوث والنشر بمركز التنوير المعرفي في حديثه للندوة أن إحصاءات مقدمة أوضحت بأن 24.780 أجنبياً يعملون ضمن 2.642 مؤسسة بالسودان، ووصل عدد الآسيويين إلى 336.828 لاجئاً و97 ألف أثيوبي و158 ألف تشادي و15 ألف كنغولي وأوغندا 5 ألف والصومال 8 ألف وأفريقيا الوسطى 80 ألف إلى جانب 150 ألف من جنسيات أخرى من أوربا وآسيا. بدوره تحدث العقيد فتح الرحمن مصطفى الهدي من إدارة شرطة أمن المجتمع خلال الندوة حول جهود الإدارة في الحد من الجرائم المستحدثة التي لاتتجاوز نسبتها 5% وعدد العقيد فتح الرحمن قضايا المخالفات التي يتورط فيها الأجانب بصورة كبيرة منها بيع وترويج الخمور والمخدرات والدعارة و الدجل والشعوذة والتسول غير المبرر. وأوصت الندوة بضرورة إنشاء آلية عليا للإشراف على مشاكل الوجود الأجنبي والتعامل مع القضية بحزم شديد. ولتسليط الضوء على الآثار السالبة والإيجابية اقتصادياً وقانونياً قمنا بطرح أسئلة على الدكتور عبد الله حسن أحمد الخبير الاقتصادي ووزير مالية سابق حول هذا الأمر، فقال في حديثه إن الآثار السلبية تعد مركبة من شقين، أولاً إن العمالة المهربة غير مدربة أصلاً وتبحث عن ملاذ اقتصادي وتقبل بأقل الشروط المالية مما يتناقض مع شروط العمالة السودانية، و العمالة المهربة أياً كان جنسها فهي تأتي بسلوك أخلاقي مخالف تماماً لما هو في السودان وهي غير مقبولة من المجتمع المحلي، والشق الثاني من المعضلة هو الأثر الاقتصادي السلبي وظهور السوق السوداء بصورة كبيرة وتحويل الدولار للخارج دون تحقيق فائدة للاقتصاد المحلي بغض النظر عن قانونية وشرعية إجراءات التحويل المالي المنتشرة. وطالب دكتور عبد الله حسن الحكومة بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة مخاطر الانهيار الاقتصادي وغلاء الأسعار لأسباب مجتمعة منها ارتفاع عدد الوجود الأجنبي بصورة غير شرعية مخلة بالنظام العام، وشدد الخبير الاقتصادي على أهمية ضبط الحدود لمنع التسلل للأجانب بدواعي البحث عن عمل، وحول تدني مستوى تواجد العمالة من دولة الجنوب علق دكتور عبد الله بأن الجنوبيين عاشوا طويلاً في الشمال وهم الأقرب للعادات والتقاليد إن لزم الأمر لذلك، كما تحدث حول أزمة البطالة كنتائج من الآثار السلبية للتواجد غير الشرعي. أما الدكتور محمد الناير الخبير الاقتصادي بدوره قلل من أهمية وجود عمالة غير مدربة واشترط أن تكون مدربة في تخصصات نادرة، على أن يحدد توقيت إقامتها وتقوم بتدريب الكوادر السودانية لتحل محلها وإلا ليس هناك لازم لذلك، وقال إن ما هو مشاهد الآن عكس ذلك، مهن هامشية يسيطر عليها أجانب أعاقت الفرص الممكنة للسودانيين. وحول الأثر الاقتصادي أيضا قال انه بالرغم من أن السودان ليس له احتياطي مقدر من النقد الأجنبي الا أنه يتعرض لتحويلات من الدولارات للخارج بصورة تنذر بمخاطر اقتصادية ينبغي وضع حد لها واعتبر دكتور محمد الناير أن الوجود الأجنبي بصورة غير شرعية كارثة حقيقية. وحول الحلول الممكنة قال د. الناير أن يقبل السودانيون مختلف الوظائف دون استخفاف والابتعاد عن المجاملات غير الضرورية والتعامل مع هذه القضية تشجيع القطاع الخاص بتوظيف عمالة سودانية والتي ينبغي أن تتحلى بالمسؤولية واحترام العمل الزام الدولة للعمالة الأجنبية بتحديد فرص بنسبة 2% فقط وعلى الدولة غرس قيم حب الوطن والعمل في المدارس والجامعات لتظل ثقافة متوارثة بدلا من الوقوف خلف عجلة التنمية البشرية المنظور القانوني للوجود غير الشرعي وقضية التجارة بالبشر (التهريب) قال القانوني الدكتور نبيل أديب ان هذا الأمر معني بالدرجة الأولى لادارة الجوازات والهجرة والهرب والشخص المهرب مشتركان في الجريمة كما علق حول وجود وسطاء غير شرعيين يتعاملون مع وكلاء الاستخدام الأمر الذي يعد مخالفا وأكد الدكتور نبيل أن سبب تدفق الوجود الأجنبي السودانيون أنفسهم وعدم رغبتهم في العمل في مختلف المهن وطالب بضرورة تعزيز الحريات الأربع مع دولة جنوب السودان. كان لابد من التوجه للجهات الرسمية بالدولة لمعرفة الكثير حول التواجد الأجنبي بصورة سلبية وتعتبر عندهم مخالفة لقانون الهجرة والجوازات وليس بنص كلمة (تجارة البشر) تعريفها يختلف لدى الدوائر الحكومية بحسب اللوائح المعمول بها في هذا الخصوص تحدثنا الى اللواء محمد عطا المنان عثمان مدير ادارة الجوازات والهجرة الذي قال ان ا لوجود الأجنبي سواء كان مخالفا أو بصورة شرعية يعد من ااختصاص وزارة الداخلية وبدورها قامت بتفويض الادارة العامة للجوازات مشيرا الى أن هناك جهات تساعد على اتمام مهام الجوازات منها مكتب العمل والشئون الانسانية والمنظمات والاستثمار كلها يضمها المجلس الأعلى للهجرة المخطط للسياسات الوجود الأجنبي وعن التوجد غير المشروع قال اللواء عطا المنان هنالك اتجاه لوقف حملات الكشة ووصفها بالمزعجة وتفعيل القوانين وتشديد العقوبات بحق المخالف من المواطنين المتورطين ف ي تجارة حركة الأجانب وأكد على أن العقوبات تصل الى مصادرة السيارة بالاضافة الى المخالفات المرتكبة والحكم فيها أما الأجنبي صاحب الشأن في مخالفة وجوده غير الشرعي يحاكم على الجريمة التي ارتكبها بالاضافة الى الابعاد لتواجده غير الشرعي وطالب اللواء عطا المنان الاعلام بضرورة عكس سلبيات الوجود الأجنبي من ثقافات وعادات جديدة دخيلة على الموروثات والقيم السودانية كما تحدث عن اتفاقيات ثنائية بين السودان وبعض دول الجوار تحكم وجود رعاياهم بصورة مختلفة مثل اتفاقية الحريات الأربع مع مصر بينما أشار الى دخول رعايا من دول غير مجاورة لايسبب ازعاجا وأعدادهم قليلة. وحول معدل الجرائم وأبرزها والجنسيات التي تقف وراءها وجهود الشرطة للحد منها واستفهامات أخرى وضعناها أمام منضدة اللواء شرطة محمد أحمد علي مدير ادارة الجنايات ولاية الخرطوم وتحدث حولها قائلا معظم جرائم الأجانب تتعلق بالتزييف والتزوير واستطاعت الشرطة ضبط عصابات تم ابعادها بعد محاكمتها واشار اللواء محمد أحمد علي الى أن السرقة في البيوت باتت من الجرائم الظاهرة في عدد من مناطق ولاية الخرطوم خاصة على خدم المنازل موضحا صعوبة القاء القبض على مرتكبي جرائم السرقة لعدم وجود معلومات كافية عن الخدم غير اسمها فقط الى جانب انتشار جرائم بيع وترويج وتهريب الخمور المستوردة والظواهر السالبة الأخرى المصاحبة له.. وبحديث رجل حريص وبذكاء حاد قال اللواء محمد أحمد علي انه ليس من الحكمة ذكر جنسيات الأجانب الأكثر ارتكابا للجرائم منوها الى أن ذلك لن يخدم المصلحة العامة مفضلا أن يترك لمراكز الدراسات والبحوث مشيرا الى أن ادارة الشرطة لها تصنيف متكامل في هذا الشأن وحول جهود الشرطة للحد من الجرائم قال مدير ادارة الجنايات بولاية الخرطوم أن الوجود الأجنبي يحتاج لتضافر الجهود من كافة الجهات المعنية على المستويين الاتحادي والولائي لتكامل الأدوار القانونية والصحية مع الدور الشعبي . وحول الاجراءات المتبعة حال القاء القبض على الأجنبي قال اللواء محمد أحمد علي أنه يتم التعامل معه وفق الاجراءات التي يتم التعامل بها مع المواطن ويتم اخطار سفارته بالاتهام المنسوب له والافرازات اللاحقة مع مراعاة الاتفاقيات الثنائية حول مسألة تبادل المجرمين أما الأجانب غير الشرعيين يحاكمون بالسجن والغرامة والابتعاد وفضل اللواء محمد أحمد علي النأي بعيدا عن ذكر احصاءات جرائم ارتكبها أجانب خلال الخمس سنوات الماضية لعدم جدواها للرأي العام يستفاد منها فقط في الدراسات والبحوث في المراكز المتخصصة بغرض وضع الحلول والمعالجات وقال ان جرائم الأجانب في ارتفاع مستمر نظرا لتزايد أعداده بهدف البحث عن عمل.