وما زلنا نكتب في وجع.. في أسى.. ليس عن ضنك العيش.. وانسداد فسحة الأمل.. ولا عن غياب الدواء.. وشح الكساء.. وغلاء الطعام.. كل هذا لا يساوي مقدار حبة من خردل.. من الذي أحزننا.. وأوجعنا.. بل وأدمى أجسادنا الشاحبة.. الناحلة الهزيلة.. وهو قسوة العنف اللفظي الذي نتعرض له ما أشرقت شمس وما أليل ليل.. وقبل أن أبحر في ذاك البحر الهائج المخيف.. مواصلاً ومحاولاً الوصول إلى «الونسة» مع صديقي.. الفنان «فارس».. رسام الكاركتير بالصحيفة.. أقول.. اتصل بي هاتفياً أحد الأحبة.. والرجل اجتاحته غضبة مضرية هائلة.. كانت كلماته.. تتدفق.. بل تنطلق كطلقات مدفع عنيد مناكف وشرس.. بل كان وكأن الشرر ينطلق من «سماعة» الهاتف.. قال في غضب «ولماذا فقط دكتور نافع.. ودكتور أمين ودكتور ربيع وحدهم هناك من يصفعنا «يوماتي» بالغليظ من الكلمات.. والحارق من العبارات.. وواصل متسائلاً لماذا لم تضمه القائمة».. وهنا انتهى حديث الرجل.. وكان قد أورد اسم ذاك المسؤول.. ووظيفته الدستورية.. وهنا أجبته في هدوء دونه هدوء قاعات «المكتبات» الجامعية.. وفي برود دونه صقيع سيبريا.. قلت له هون عليك يا صديقي.. سباب ذاك الرجل لسنا معنيين به لا من قريب ولا من بعيد.. بل أنا لا أعيره لفتة.. ولا أحفل به لمحة.. حديثه بالنسبة لنا أتركه أبداً ل«تشيله الهبوب».. الرجل يخاطب أحبته من «الإخوان» والذين كانوا في يوم من الأيام.. أعداءه الألداء.. وها هو يبذل جهوداً هائلة ليؤكد لهم أنه قد «تاب واستغفر» بعد أن ترك معسكره الذي ناصب وما زال يناصب «ناس الحكومة» العداء.. سبابه للمعارضين كله محاولة جادة.. لبذر الإطمئنان في نفوس الأحبة الجدد.. هو يختلف كثيراً عن الدكاترة الثلاثة الذين يطلقون الدانات علينا من موقع الأصالة وجدارة وصدق الانتماء الذي لا يخلخله شك ولا يزعزعه ظن.. وقبل الذهاب إلى صديقي فارس.. أقول.. إن الدكاترة هؤلاء.. يستظلون أبداً تحت لافتة ربي لا تذر على الأرض من المعارضين ديارا.. الآن أعود «ضاحكاً» إلى كاركتير فارس.. هو في يسر وبساطة.. يرسم صورة مواطن وكالعهد به «مقطع» و«مرقع» يسأل المسؤول الذي هو في كامل الهندام.. ودماء العافية تسري في أوردته وشرايينه.. يسأل قائلاً «أها.. والتخريبية عملتو لينا فيها شنو».. ضحكت طويلاً حتى سالت دموعي.. والمفارقة أن المواطن قد نسي كل همومه وأوصد كل أبواب الشقاء التي تهب عليه صباح مساء.. ليسأل عن «التخريبية».. ويا صديقي فارس.. هناك ألف «حاجة» نود أن نسأل الحكومة «عملو لينا فيها شنو».. ألف موضوع وموضوع.. تحدثت عنها الحكومة بلسانها.. واعدة بالتحقيق أو الإنجاز.. ولكنها أبداً تسدل عليها ستائر النسيان.. مراهنة في «حرافة» على عامل الزمن.. ذاك الذي يهيل أكواماً من التراب.. على ذاكرة المواطنين.. الذين باتوا لا تدهشهم حتى الدهشة.. ويا صديقي فارس.. الذي سأل عنه المواطن هو شأن داخلي.. وأمر «شبه» عائلي يخص الأحبة أنفسهم ولا أرى أي سبب يجعل المواطن يسأل.. وذلك لسببين.. الأول.. هو ماذا يستفيد المواطن من السؤال.. ثانياً.. هناك ما هو أكثر إلحاحاً من هذا السؤال.. هناك أسئلة أكثر جدوى من هذا.. وقديماً قال الشاعر الأوربي «شيلي».. إن الغناء للأشجار يعتبر جريمة.. لأنه يعني السكوت عن جرائم أشد هولاً..