ولست معجباً بشاعر يتدثر البسالة إزاراً ويعتمر الرجالة دثاراً منذ عهد النابغة الزبياني وأمرئ القيس وحتى عنترة الحبشي.. مثل إعجابي بالشاعر المطارد والملاحق.. مظفر النواب.. هو أبداً في صف الشعب.. في قلب الجماهير.. لا يكره ويحتقر ويحقر أحداً غير الملوك والحكام العرب.. لم يسلم من سياط وقذائف ومدفعية حروفه حاكم أو ملك.. أو جنرال أو أمير.. كان مرة في عاصمة عربية.. وهطلت أمطار كلماته حجارة وكأنها من سجيل فوق رؤوس الحكام العرب.. كان يتلو قصائده.. أمام حشد من الجماهير.. يتقدمها حاكم تلك العاصمة.. كان حاكماً طاغياً دموياً مخضبة أياديه بدماء شعبه.. دوت أكف ذاك الحاكم بالتصفيق هنا.. قال مظفر.. في جرأة وبسالة.. بل في اهمال وتهور.. مخاطباً ذاك الحاكم.. قال.. لا.. لا أستثني أحداً.. وكان ثمن تلك اللاء شاسعاً وباهظاً. يعجبني في مظفر.. أنه يتحدث باسم الهوام والعوام والحرافيش.. لا تعرف أقدامه للقصور طريقاً.. أبداً قامته في شموخ واستقامة صاري المركب.. لم يركع لحاكم قط ولا قبَّل يدي حاكم مطلقاً.. جاء هذا الفارس للسودان.. بعد الانتفاضة المجيدة الموؤدة.. شاركنا الأفراح.. وطربت نفوسنا واكتحلت عيوننا.. ونحن نشاهده لحماً ودماً وشحماً وعظماً.. في الخرطوم.. التي أضاء فيها الشعب مصابيح الحرية والانعتاق من حكم دكتاتوري بشع وطاغٍ.. تلك العاصمة التي كانت حراماً عليه بعد أن كال لحاكمها ذاك من السباب ألوانا.. اليوم أحبتي.. لا أجد ما إستهل به مقالي.. غير بيت من الشعر.. مدهش وبليغ.. فقد قال الرجل.. مولاي أنا في صف الجوع الكافر لأن الصف الآخر يسجد من ثقل الأوزار.. واليوم يا أحبة لا نكتب حرفاً واحداً عن ذاك الصف الساجد من ثقل الأوزار.. فقد اشبعناه ألواناً من حروف.. وانتشناه بأمطار من الكلمات.. لم نترك في جسده بوصة واحدة إلا وكانت بها طعنة من حرف أو ضربة من كلمة.. اليوم نكتب عن صفنا.. صف الجوع الكافر.. نكتب لننقيه من كل شائبة.. من كل نقطة سوداء.. من كل رجس يلحق به في غفلة.. منا.. أو عمداً.. من أحبة في صفنا.. وأيضاً.. وقبل الإبحار أو التجوال في صفنا.. دعونا نذهب للسيد المسيح وهو يقول.. «ماذا يفيد المرء لو ربح كل الدنيا وخسر نفسه..» نذهب إليه.. وإلى حديثه هذا.. لأن بين صفوفنا.. من خسر نفسه وربح ليس كل الدنيا.. بل من مال.. أو جاه أو سلطة ما لا يقل عن جناح بعوضة وزناً.. وفي صفنا.. بعض المنافقين.. وهؤلاء أشرف منهم كثيراً، الأعداء الذين يعلنون عن أنفسهم في جلاء.. في بسالة.. في جسارة تحت ضوء الشمس، وفي وضح النهار.. والمنافق أحبتي هو شخص هانت عليه نفسه بقدر ما عظمت عنده منفعته.. وأيضاً قبل أن نبحر في هذا البحر هائل الأمواج.. يضيء في مؤخرة عقلنا.. بل داخل «مخنا» شريط يمثل الانتهازية في أوضح معانيها.. والمخادعة والمخاتلة في أبهى صورها.. والهروب الجبان من الثبات على المباديء.. بل تمييع المباديء.. والاختباء خلف الشاشات أو الحوائط الرمادية.. هي مقولة لأحدهم عندما احتدم الخلاف وتسللت ألسنة اللهب من أكوام الرماد بين علي كرم الله وجهه ومعاوية.. فقد قال أحدهم كلمات ما زالت تتردد وما زال صداها يجلجل في كل أركان الكون.. قال عندما سئل أأنت مع علي أم معاوية؟ قال.. إن الصلاة خلف علي أقوم.. والطعام من مائدة معاوية أدسم، والصعود عند ذاك التل ساعة الوغى.. أسلم.. بربكم يا أحبة هل يتمنى أحداً.. أن يقف هذا الموقف مهما كانت الظروف!.. الأحد نلتقي لنبدأ..