النشأة والميلاد والبدايات الفنية:- ولد الفنان محمود عبد العزيز محمد علي بن عون في يوم الاثنين الموافق السادس عشر من أكتوبر عام 1967م بمستشفى الخرطوم.. ونشأ وترعرع في حي المزاد العريق بالخرطوم بحري.. في عام 1974م أدخله والده روضة الحرية، ومن ثم انتقل إلى مدرسة الحرية الابتدائية.. ودخل الحيشان الثلاثة كممثل عبر برامج الأطفال وشارك في مسرحية (أمي العزيزة) ولفت الأنظار إليه بموهبته وشجاعته.. وبعدها بدأ رحلة الغناء وعمره لم يتجاوز التسع سنوات وكان يردد أغنيات الفنان حمد الريح وأحمد المصطفى ونجم الدين الفاضل.. وفي عام 1987م كانت بدايته الحقيقية بمركز شباب بحري منطلقاً بصوته العبقري والجهور الغليظ والحاد في نفس الوقت مما ساعده في الانتشار السريع والقبول عند الجمهور، فمحمود عبد العزيز صاحب صوت مميز تفوق به على كل الفنانين بشهادة الكل حتى الأجانب لتمعته بتكنيك عالي وأبعاد في الأوتار الصوتية يكيفها كيفما يشاء، وأداؤه مميز يتجدد باستمرار ويتنوع مع المحافظة على التميز الدائم. الرصيد الفني الضخم:- يعتبر محمود عبد العزيز صاحب أكبر رصيد غنائي خاص وناجح حيث بلغ مجموع أغنياته الخاصة المسجلة في ألبومات (124) أغنية تفوق بها على كل الفنانين السودانيين وسجل منها في الأجهزة الإعلامية أكثر من (50) أغنية، وسجل عدداً كبيراً جداً من الألبومات هي (خلي بالك، سكت الرباب، يا عمر، سيب عنادك، برتاح ليك، قائد الأسطول، عاش من شافك، أكتبي لي، عامل كيف، شايل جراح، عدت سنة، القطار المر، خوف الوجع، مرت الأيام، ساب البلد، اتفضلي، الحنين، يا زول يا طيب، ما تشيلي هم، جواب للبلد، سبب الريد، يا مدهشة، يا مفرحة، لهيب الشوق، زمني الخاين، نور العيون، الحجل بالرجل) وغيرها، وكلها وجدت النجاح لدرجة أن كل الفنانين لا يخاطرون على الإطلاق بإصدار ألبوم متزامن مع إصدار ألبوم لمحمود عبد العزيز.. حتى أغنيات الغير التي يرددها محمود يتفوق فيها على أصحابها حتى قال فيه أستاذ الأجيال الراحل محمود أبو العزائم مقولته الشهيرة، «سمح الغناء في خشم محمود».. محمود عبد العزيز الإنسان:- هناك مقولة شهيرة مفادها بأنك لا تحتاج أكثر من خمس دقائق فقط تجلس فيها مع محمود عبد العزيز لتحس وتشعر من خلال تعامله معك بإلفته وبساطته وطيبة قلبه بأنك صديق قديم له لعشرات السنين، فهو كريم لدرجة بعيدة، ويقال دائماً إن محمود لا يمتلك أموالاً والفي جيبو ما بتاعو.. وله العديد من المواقف الإنسانية الكبيرة التي لا تحصى ولا تعد وأقام عدداً من الحفلات الإنسانية. أدوار محمود الوطنية:- دائماً ما تجد محمود عبد العزيز هو أول المبادرين والمساهمين في كل المناسبات الوطنية ولا ينسى أحد أو يتناسى دوره البارز وعدم رضائه بإهانة السودان ورمز سيادته السيد رئيس الجمهورية عبر مذكرة المحكمة الجنائية ومدعيها لويس أوكامبو وغنى وقتها محمود قائلاً: (أوكامبو مديون بالعذاب وحتدفع سنين من عمرك دين).. وكانت آخر مبادراته الوطنية بعد ضربة هجليج الغاشمة وساند القوات المسلحة مرتدياً البدلة العسكرية مردداً (أبقوا الصمود ما تبقوا زيف) قائلاً: نحنا بنغني عشان السودان أولاً وأخيراً. الشائعات تطارد محمود:- نالت الكثير من الشائعات من محمود عبد العزيز واستهدفته طوال مسيرته الفنية وحاكت ضده الكثير من الأقاويل والأحاديث التي لم تنجُ منها أسرته وحفلاته وأغنياته ولكن أكثر الشائعات كانت بوفاته والتي ترددت لعدة سنوات بأقاويل مختلفة منها وفاته في حوادث حركة ولأسباب مرضية وغيرها من الشائعات التي طالته كثيراً ولكنها لم تؤثر فيه وزادته صموداً وواصل مسيرته الفنية بنجاح منقطع النظير، فلو كان قد تعرض لها فنان آخر لانخار وانهار واستسلم لها. محمود والوعكات الصحية:- تعرض محمود عبد العزيز لعدد من الوعكات الصحية التي ألزمته السرير الأبيض كثيراً وأثرت في جسمه النحيل كثيراً ولكنها لم تؤثر في صوته الذي يزداد نداوة ولمعاناً مع الأيام مثل الذهب لا يصدأ أبداً حتى وافته المنية بعد صراع طويل مع المرض. مراحل العلاج حتى تاريخ الوفاة:- عانى محمود عبد العزيز في الفترات الأخيرة كثيراً من الأمراض التي ظلت تلاحقه بين الفترة والأخرى حتى استقر به المقام قبل أيام قليلة على مرحلتين في مستشفى رويال كير بالخرطوم وأجريت له عملية جراحية، ولكنه للأسف الشديد لم يستجب للعلاج ودخل في غيبوبة تامة حتى تم نقله إلى مستشفى ابن الهيثم في عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية ولكن حالته الصحية لم تتحسن وتواصلت غيبوبته الطويلة ومات سريرياً وتعطلت كل أجزائه، وكانت آخر محطاته توقف المخ الذي كان يعاني من نزيف لم يتوقف برغم العلاجات حتى وافته المنية. الدعوات لشفاء محمود من كل الأطياف:- فور تلقي الشعب السوداني لأخبار مرض محمود عبد العزيز أو الحوت أو سيدا كما يحب جمهوره الغفير أن يناديه به بحب وعشق كبير، ظلوا يسألون عن حاله وصحته على الدوام حتى أن فئة كبيرة منهم احتفلت بأعياد الاستقلال ورأس السنة الماضية من داخل مستشفى رويال كير حيث كان محمود طريح الفراش فيها وكأنهم يقولون إن فرحتهم مربوطة بشفاء محمود وهذا وفاء ما بعده وفاء، والمحير في الأمر حتى الجمهور الذي لا يعرف محمود متابع له ولحالته الصحية.. وظهرت بعد ذلك الطرق الدينية بمسمياتها المختلفة تدعو لمحمود بالشفاء وتقيم الليالي وتختم القرآن الكريم ليمد الله في أيامه، ولكن يد القدر كانت أسرع من الجميع. الشارع السوداني بعد إعلان خبر الوفاة:- دخلت كل الأسر والبيوت السودانية في حالة من الحزن والألم الشديد الذي اعتصر القلوب بعد إعلان خبر وفاة الفنان (الأسطورة) محمود عبد العزيز الذي أحبه وعشقه كل أبناء الشعب ودخلوا في حيرة من أمرهم فمَن يعزي مَن، فهو جرح غائر وكل الشعب السوداني حزين عليه مرددين (الوداع يا نشوة الروح الوداع).. و(كده برضو تفوتنا وتنسانا يا أحلى عبير كان يغشانا).. ولكن عزاءهم الوحيد في أعماله المحفوظة في الوجدان. حي المزاد بعد إعلان خبر الوفاة:- أصيب سكان حي المزاد بمدينة بحري والأحياء المجاورة له بعد تلقيهم لخبر وفاة محمود عبد العزيز بصدمات كبيرة وارتفعت أصوات البكاء والنحيب عليه من الرجال قبل النساء وكيف لا وهو ابن الحي البار المجامل والأخ والصديق وحبيب الكل.. وتقاطرت الآلاف من الجماهير منذ تلقيهم لخبر الوفاة لمنزل محمود، توافدوا من كل صوب معزين أنفسهم أولاً من كل فئات المجتمع تقدمهم زملاء الراحل من الفنانين الكبار والشباب وسط حضور إعلامي كبير والكل يبكي على فراق محمود بصورة هستيرية حتى اغلقت هذه الجموع الغفيرة كل الشوارع الرئيسية والفرعية بحي المزاد. الاهتمام الوزاري بمجموعة بمحمود في القلب:- عزى وزير الثقافة والإعلام الاتحادي د. أحمد بلال عثمان كل أبناء الشعب السوداني في فقيد البلاد الفنان الكبير محمود عبد العزيز محيياً أدواره الفنية والوطنية المقدرة، معلناً عن اهتمام الوزارة الخاص بمجموعة « محمود في القلب» ودعمهم لها لتحتفل بذكراه كل عام تقديراً لإسهاماته. سيارة السفير اللبناني تتعرض للاعتداء وقد تعرضت سيارة سفير لبنان في السودان أحمد شماط لاعتداء من قبل مجموعة من الشباب الغاضبين الذين كانوا في مطار الخرطوم في انتظار وصول جثمان فنان الشباب الراحل محمود عبد العزيز أمس بساحة صالة كبار الزوار مما أدى إلى تهشيم زجاج السيارة الخاصة بالسفير وعدد من السيارات الأخرى الموجودة بالمطار. وكان سفير لبنان وعدد من الدبلوماسيين في استقبال الوفود العربية المشاركة في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي والذي سينعقد بالخرطوم مطلع الأسبوع القادم. وانتهت قصة الأسطورة:- وكأن محمود مهد لرحيله عبر الغيبوبة الطويلة التي دخل فيها ومات بجسده في الحقيقة ولكنه حي فينا بكل ما قدم من أعمال خالدة اجتهد فيها كثيراً لإسعاد هذا الشعب الذي بادله الحب والوفاء النادر، ورحل الأسطورة بعد صراع طويل مع المرض ولكنه باقٍ فينا بأعماله بعد أن أدى رسالته كاملة غير منقوصة.. عليه رحمة الله.