وهذا مثل سائر متداول يساق حين يراد عكس تشابه شأن بآخر... قد يتقارب معه في الإحداثيات الماثلة والفائتة الأخرى.. والليلة هي رمز الظرف المعاش، والبارحة هي أختها الماضية والأمر هكذا.. إما لزيادة التذكير أو للفصاحة في تعميق المعنى.. والأمثال كما تعلمون تساق دائماً للذكرى أو لتفادي المخاطر، أو لفت الانتباه.. وهي حكمة للنصيحة كما ذكرت لكم يوماً قول الشاعر: ولقد نصحت قومي بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد أي بعد أن بلغ (السيل) الزبى.. وهو مثل آخر (أي بلوغ السيل الفاصلة)، مثلما تنصح الأجهزة الآن المواطن بأن مناسيب (نيلنا) الحبيب تنذر بالخطر وتطلب- (أي الأجهزة)- من الجميع أن يتحلوا باليقظة والحذر، وأن قوات الدفاع المدني بالخرطوم قد تحزمت وأعدت وتهيأت للهجوم بليل أو نهار... وقائدهم الأعلى هو (د. عبد الرحمن أحمد الخضر) والي العاصمة القومية.. وأن المساكن والمنشآت التي تقع على مرمى من ميادين معارك البحر.. في (الكلاكلات) و (الجريفات) و (اللاماب) و (الشجرة) و (أبو روف) وغيرها.. انصاعت كلها لموجهات (المعركة)، ثم تناسقت التشاورات والتنبيهات والتحذيرات (بين)- الخضر- بالخرطوم... واللواء (الهادي) بنهر النيل.. و(فتحي خليل) بالشمالية، بأن (أوتار) القوس بأيدي الرماة ينبغي أن تظل مشدودة.. والمواطن بكل فعالياته متيقظ هو الآخر.. إذ يعايش الناس.. ولا ينسون عنفوان السيول المنحدرة من (أبو دليق)، والهضاب والمرتفعات متسارعة لمنعطفات النيل.. والذي - (أي النيل)- تتدافع أمواجه هو كذلك.. من البحيرات (اليوغندية) و(الاثيوبية)، والأنهار الجانبية فتترع، وتفيض الشواطئ على طول مجراه.. فتقول المواقع الراصده أن كل المواعين والضفاف بالنيل قد بدأت تكتظ بالمياه حتى الآن.. ولا يجد النيل متنفساً إلا بالمخارج والمنخفضات بالأكواع.. فيسرع الماء في تدافعه بالشواطئ، ويلاقي السيول الأخرى المنحدرة من ماء السماء.. فيغمر عندها ويكتسح بعنف كل ما يقابله وجهاً لوجه، أو التفافاً من (مدر) و (ودر) و (شجر) و(بقر) و(إنسان).. بحكم تضاريس الأرض.. وإذا حدث هذا حسبما تقرأ المناسيب ( اليوم)، وحسب الرعود وبروق السماء التي تسارعت حتى الولاية الشمالية ذات النخيل و(التأصيل)، عندئذ يذكر أهل (الزومة) فيضانات (1946) كما يذكرها أهل السودان الآخرين.. وستذكر أيضاً ( توتي) و (الشجرة) و (الري المصري) و(الدروشاب) ومثل ذلك.. سيذكرون فيضانات وسيول ( (1988)، وتعلمت الأجيال الدروس والمتاريس وتصريف المياه.. وتعلموا أيضاً ضرورة (المخزون) المنزلي إذا انقطعت بهم السبل.. فإن لم تجدوا حينها شيئاً سوف لن يطعم (البشير) و (ود الخضر) حى تُطعموا أنتم، كما فعل (عمر) أمير المؤمنين ذات (مسغبة).. أما إن اكتظت شوارع الأسفلت بالأمتعة وصارت متسعاً لحياة وجلوس الناس مثل غيرها من مخارج الضيق.. إن حدث هذا وأرعدت السماء من جديد-ومن جديد- فإن ( الصافات) من (جياد) وعظام ( الشاحنات) من (إيلا)، بالبحر الأحمر ستنقذ الناس إلى ( جبرة) الكردفانية هناك، وإلى (أم الطيور)- معليش أخي كمال إبراهيم- فالطيور كثيرة!! لماذا إذن كل هذا.. لأن ذاكرة القوم تربط وتقول إن بواكير هذا الموسم تنذر بالهطول القوي المستمر، وتتماثل مع السيول والفضيانات الأخيرة (أي 1988م)، وتلك كانت في شهر (أغسطس) عندما كنا في مؤتمر (بماليزيا) الصديقة.. فلفت أنظارنا تلفزيون (كوالا لامبور)، أن السودان هو هذا الذي أمامكم والذي تطفح (براميله)، فوق الماء وعليها الشبيبة والأطفال.. ورأينا على الشاشة برج الاتصال السامق بين (الحلفايا) و(الازيرقاب) ببحري، فأدركنا أن العاصمة الخرطوم .. وأن ضاحية (السامراب) في خطر، فاليوم نحن أيضاً في (أغسطس) بعد (ربع) قرن من (تلك).. فهل تذكرون حديث المصطفى (صلى الله عليه وسلم) الذي يقول: (رحم الله أمرءً عرف زمانه فاستقامت طريقته) فلنقرأ صفحات (البارحة).. أي خلاصات وعبر فيضانات وسيول العام (1988) والتي من قبلها.. ولنسأل أخانا معتمد العاصمة الخرطوم وقتها (اللواء/ الفاتح عبدون)، ولنسأل الأخ الفنان (حمد الريح) كيف تمترس أهل (توتي)، وأرعبوا البحر.. ومن ذلك عبر ومرامي وفوائد.. ومن أولها (أي الفوائد) التنبه المبكر لمواقع ومظان المخاطر.. ثم حبس جريان ومخارج مياه النيل ثم تهيئة الكوابح وربط الشبكات وتقارب الأنفاس والأكتف.. وتفنيد الاحتياجات اللازمة.. ورصد وتحسبات مظاهر الضرر في كل المدن الكبرى والقرى والبوادي، ونقول ( اللهم أجعلها أمطار خير وبركة) فإن قلتم: (اللهم) حوالينا ولا علينا فستصيب الهواطل (الجيلي) و(جبل أولياء)، و (أم ضوءاً بان) و(أبو قرون) و(القرية) بأعالي أم بدة.. وتنحدر لحي (العمدة)، والله قادر على تشتيتها.. ولكن قولوا (اللهم) حوالينا (للبحار الدافئة) فأترعها وأفضها وفخم حيتانها الكبرى حتى تصير عجولاً، والعجل أقل منها.. ويخلق ربك مالا تعملون.. وقولوا (اللهم) أجعل بحارنا نحن الباطنية تحت الأرض الكنز المدخر، حين يكون مطرنا (مطر البخات) و (اللهم) أجعل المسطح المائي بسدودنا الجديدة (مروياً) و (كاجبار)، وتعلية (الروصيرص)، أجعلها كلها في حسابنا وقسمتنا في (الأزرق) و(الأبيض) وفي نهرنا العظيم (النيل)، أجعلها كلها ياالله قسمة نافعة وهانئة.. وليست قسمة ( ضيزى) تثير علينا أطماع الدول الطامعة.. وكيد الحاسدين.. (فكل ذي نعمة محسود) .. وقولوا (اللهم) إن أمتك في عاصمة (الترحاب والعزة والضيافة) يتوقون لنسائم الجنة فاجعلها (اللهم) نسمات تنساب فوق رؤوسهم وأبدانهم، ليعبدوك فرحين مستبشرين.. وإنك يا (الله) تعلم أن أنعامنا وضرعنا تهب لمن شئت أنت لبناً سائغاً للشاربين.. وخرافاً (ذكوراً) سواكنية نسوقها بسعر زهيد لاخوتنا من العالمين.. فاجعل مراتعهم وفلواتهم ورهودهم آمنة.. وأصلح بينهم.. حتى تتآخى وتتعارف دوابهم الصغيرة.. وكذلك أرفعوا دعاءكم، لأن الدعاء عند الظلمات الممطرات مقبول.. مقبول.. وقولوا إخوتي وأخواتي ( اللهم) إن أراضينا ( الرملية) و(القراديد) والأخرى (الطينية) و(الفيضية) كلها يا (ربنا) أراض متداخلة وتدخلها مواشينا ورعاتنا.. وبعضها يرتع حتى (فلج)، لأن بترولها يمازج (هجليج) و (بليلة)، والآخر بين (الفولة) و (الأضية) فاربط بيننا واجعلنا أنفع الناس للناس.. كما قال نبيك المجتبى (صلى الله عليه وسلم)- خير الناس أنفعهم للناس- هذه هي أدعيتنا وسؤالنا لربنا الأعلى، فيما يهطل علينا من السماء. أما فيضانات (نيلنا) و(أنهارنا) فإننا نقول يا (الله) وفق أخانا ( عبد الرحمن الخضر) ومن عاونه وفقهم أن يرسموا مخارج الضفاف، ومهابط الأعالي، فيبنوها (أخاديد) تستوعب الهابط والمترع من الماء- ولها (أي الأخاديد)- في بعض مقاطعها أسطح اسمنتية يمشي ويتقاطع عليها الناس والدواب.. وتقضي فوقها الأغراض لأن الدال على الخير كفاعله.. فإن أبى النيل إلا الخروج عن ضفافه.. خرج عبر تلك (الأخاديد) للضواحي والمنخفضات فأفاد ( زرعاً) و(ضرعاً) و(نسيماً) و(إخضراراً)، وإني قد أعجبت يوماً بجسر (نوري) الحجري.. الذي يسمح للسيارة أن تسعى من فوقه.. ومثل ذلك جسر (أبو الجاز) بكريمة.. وإن اكتمل الأسفلت الدائري (العباسية/ أبو جبيهة) تالودي / كادوقلي)، إن اكتمل ذلك تفادت المدن الطوفان وصعدت- إن شاءت- أعالي الجبال.. (فاللهم) لا نشكو إلا اليك.. فخذ بأيدينا ومدنا بجنودك -عند الضيق- فإنا (والله) لا نسجد إلا لك أنت.. فاجعلنا للآخرين شهوداً..