25 و 26 يناير يومان فاصلان في مسيرة مصر الجديدة ومسيرة الثورة المتجددة ، الثورة التي لم تقتنع طلائعها الشبابية التي أنطلقت قبل عامين لتسقط النظام وتصنع التغيير بأن التغيير قد وقع بالفعل ، بل تراجع بعد فترة إنتقالية مضطربة ليعود حلماً و أملاً عوضاً عن أن يصبح واقعاً علي الأرض يمشي بين الناس علي طريق أهداف الثورة و شعارتها المتمثلة في العيش و الحرية و العدالة الإجتماعية00 حالة لخصها بعض المصريين بخفة روحهم وسخريتهم الطريفة بإختصارهم لشعارات الثورة في عيش و حرية ومية في الحنفية أو في عيش و حرية وبنزين للعربية تعبيراً عن أزمات الإقتصاد و الخدمات التي تؤرق حياتهم و تغض مضاجعهم في ما بعد الثورة . * في 25 و 26 يناير خرج المصريون في تظاهرات وحشودات ضخمة كان عنوانها الرئيس كالعادة ميدان التحرير ساحة الثورة في القاهرة و أمتدت إلي كل مدن و محافظات الجمهورية من الإسكندرية إلي السويس إلي الدقهلية و الغربية و الإسماعيلية و بورسعيد و المنيا في الصعيد لتشكل لوحة مليونية عبرت خلالها الجماهير المصرية و الحركات الشبابية عن غضبها علي أوضاع الحكم وعن مخاوفها من سيطرة الحزب الحاكم علي مقدرات البلاد ، فيما أسمته بإختطاف الثورة و الوطن ، ولم يتردد الناشطون الثوريون و الناطقون باسم المعارضة عن وصف الحكم وجماعة الاخوان المسلمين بأنهم كانوا أخر الملتحقين بالثورة و أول المغادرين للصفوف عندما لاحت إمكانية التحالف مع المجلس العسكري الحاكم حينها بهدف الإستحواذ مع السلطة و الإنفراد بحكم البلاد بإجراء التعديلات الدستورية التي أقرتها الرئيس السابق و إجراء إنتخابات نيابية وتجاهل ضرورة وضع الدستور الدائم أولاً ليصبح أساساً لمرحلة إنتقالية تمهيد للتحول الديمقراطي الحقيقي و التداول السلمي للسلطة و الوحدة الوطنية و التوافق و التنافس الحر حول إنجاز أهداف الثورة وشعارتها . * 25 يناير 2013 خرجت جماهير غفيرة قدرت بملايين المصريين يتقدمهم شباب الثورة ويتبعهم شيوخها من المعارضين ، وشهد اليوم صدامات واسعة من شارع القصر العيني المجاور لميدان التحرير إلي الإسكندرية إلي المحلة إلي السويس التي سقط فيها نحو 9 شهداء و أكثر من 80 جريحاً ، في إستعادة مدهشة لذات المشاهد التي عرفتها السويس قبل عامين في ذات اليوم عندما سقط فيها أول ثلاثة شهداء للثورة أججوا نيران الغضب وواصلوا الإحتجاج حتي قرر الرئيس تخليه عن رئاسة الجمهورية وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة لقيادة شئون البلاد بحسب كلمات نائب الرئيس وقتها عمر سليمان رحمة الله . وتقول الإحصاءات الأولية أن عدد القتلي قد بلغ نحو 16 شهيداً و أن عدد المصابين قد تجاوز 450 جريحاً ، هذا غير الحرائق و الخراب الذي لحق ببعض المنشآت العامة كديوان محافظة السويس الذي إحترق بالكامل وبعض مقرات الحزب الحاكم وجماعة الأخوان المسلمين و الحصيلة مؤشر هام لحجم الغضب وعمق الإستقطاب و الإحتقان الذي يسود الشارع المصري ، ما دفع الرئيس محمد مرسي لتأجيل زيارته لأثيوبيا لحضور القمة الأفريقية ، خصوصاً ورئيس الوزراء هشام قنديل في دافوس يحضر المنتدي الاقتصادي المنعقد هناك . * في 25 يناير أطلق الثوار الشباب و مئات الآلاف من المتظاهرين شعارات عنيفة تطالب يسقط النظام ويسقط حكم المرشد بالإضافة إلي شعارات الثورة المعهودة عيش حرية عدالة إجتماعية ، شعارات طالت سقفاً مرتفعاً ولا واقعياً في أن معاً ، فالمطالبة بإسقاط رئيس ونظام منتخب لابد أن تقود البلاد إلي حالة فوضي ومتاهة وخيمة العواقب . ويري المراقبون و السياسيون الواقعيون هنا أن مثل هذه الشعارات هي من قبيل الضغط علي الرئيس و النظام الحاكم للنزول عن المطالب الحقيقية و الواقعية التي تؤسس للتوافق ومغادرة محطات التجاذب و الإنقسام السياسي الذي عطل مصالح البلاد و العباد ، وهي المطالب التي يمكن تلخيصها في دستور دائم متوافق عليه بعد أن اعترفت السلطة بإمكانية تعديل المواد المختلف عليها ، وقانون إنتخابات متفق عليه أيضاً لا تفرضه الأغلبية الإسلامية في مجلس الشوري ، ومحاكمات عادلة لقتلة الشهداء اقترح بعضهم أن تكون علي نهج العدالة الإنتقالية تمهد لمصالحة شاملة تستعيد الوحدة الوطنية ، و إصلاح إقتصادي يحقق العدالة الإجتماعية كواحد من أهم أهداف الثورة ، وهناك من ينادي بضرورة إجراء إنتخابات مبكرة بالنظر إلي الإستحقاقات الدستورية التي طالت صلاحيات الرئيس في الدستور الجديد الذي انتخب الرئيس الحالي قبل إقراره ، وهو مطلب موضوع خلاف بين من يرون ضرورة اكمال الرئيس لولايته ذات الأربع سنوات التي انتخبه علي اساسها الشعب ومن يرون أن الدستور الجديد يقضي بالضرورة إجراء إنتخابات جديدة . * أما يوم أمس 26 يناير فقد كان يوم الألتراس بإمتياز ، حيث قضت محكمة جنايات بورسعيد بإعدام 21 متهما بينهم مجموعة من أصحاب السوابق الخطرين في قضية مجزرة بورسعيد حيث سقط 72 قتيلاً جراء الإشتباكات التي أعقبت مباراة الأهلي القاهري و المصري البورسعيدي وكانت جماهير الالتراس الأهلاوي قد هددت بالإقدام علي صدامات دموية واسعة إن لم يتم القصاص للشهداء في يوم 26 يناير ، يوم النطق بالحكم المقرر من جانب المحكمة في جلسة سابقة ، بعد الشكوك المتزايدة لديهم من إماكنية تأجيل النطق بالحكم بعد مذكرة دفع بها النائب العام الجديد طلعت إبراهيم للمحكمة حول ظهور أدلة جديدة ومتهمين جدد ، ما أعتبره الألتراس الأهلاوي و أهالي الضحايا بمثابة محاولة لتأجيل الحكم ، بينما أعتصم الألتراس المصراوي و أهالي المتهمين في بورسعيد أمام السجن العمومي ومنعوا نقل المتهمين حيث تنعقد المحكمة في أكاديمية الشرطة وقام بعضهم بإطلاق النار علي السجن وحاولوا إقتحامه لتهريب المتهمين ، فسقط حسب أخر الإحصاءات نحو 22 قتيلاً و 200 مصاب بينهم ضابط شرطة و أحد المجندين ولا تزال بورسعيد في حالة إحتقان وهياج مما استدعي السلطات إلي فرض حظر التجوال ، ولا يعلم ما ستؤول إليه الأوضاع في هذه المدينة الإستراتيجية المطلة علي قناة السويس إلا الله . مهما يكن من أمر فإن مصر المحروسة تعيش لحظة فاصلة لم تشهد مثلها منذ سقوط مبارك ونظامه ، خصوصاً مع إصرار المعارضين و شباب الثورة علي الإعتصام في ميدان التحرير وميادين المحافظات حتي يرون الأهداف و المبادئ التي إنطلقت من أجلها الثورة تتحقق ، والتي بدونها تكون الثورة قد أجهضت من وجهة نظرهم .. حفظ الله أرض الكنانة وجنبها شرور الفتن ما ظهر منها وما بطن .