الحياء من النعم التي ينعم الله عز وجل بها على من يختار من عباده وهي أيضاً من الصفات التي يمكن أن يكتسبها المريءُ ويحض عليها الدين إتصافاً ،تعلماً وتمسكاً ثم تعليمها وغرسها في نفوس الناشئة لتكون متأصلة فيهم وهي تدل على صاحبها المتخلق بها رجلاً كان أو إمرأةً ولكن تتفاوت درجاتها وأنواعها ومقاماتها قولاً أوفعلاً. من سيرة المصطفى(ص)وصحابته الكرام نستلهم ونقتبس المعاني الكلية للحياء ويكفي أن من صحابته من تستحي منه الملائكة فاستحي منه «ص»وهو سيدنا عثمان بن عفان الذي عند قدومه لحضرة المصطفى «ص»وكان في مجلسه الصديق أبوبكر والفاروق عمر عليهما رضوان الله فما كان منه إلا أن غطى بإزاره ما ظهر من جسمه الشريف إستحياءً منه ،والحياء من جملة الفضائل والشمائل المتنوعة التي حض عليها الدين ما تمسكت بها أمة أو سار على نهجها مجتمع إلا وكانت أمور الحياة فيها ميسَرة وحتى إذا أبتليت تجيء إبتلاءاتها على قدر تمسك ذلك المجتمع أو الأمة بتلك الفضائل فهي كالعود الذي يزيده الإحراق طيباً. مجتمعنا السوداني بكل شرائحه وملله متمسكٌ بكريم الخصال والفضائل، فأنت ترى صفات المسلم عند غير المسلم، وترى روح الإسلام تغطي أجواء العلائق بين مكوناته، وهذا سر التراحم العجيب الذي يدهش الآخرين،ثم جاء زمان إختلط فيه الحابل بالنابل ،تغيرت فيه المفاهيم للمفردات في العلاقات الإجتماعية واللغة وإنزاحت الستائر عن بعض السرائر فنفثت سم مارأته أو قرأته أو سمعته في مجتمعاتنا، وأخرى إستجلبت ما إستطاعت تحت سمع وبصر الدولة، وتلقف الشباب غير المحصن ما شاء منها. ما صار الآن عادةً فعلاً.. ومشاهدة الأمر الذي يقود إلى الضياع مالم تتداركه الدولة والمجتمعات بإجراءات علاجية عاجلة للوضع الراهن ووقائية للمستقبل. الفضاءات المفتوحة تنقل إلينا ونشاهد ما نرغب وما لا نرغب ، وبمثل هكذا إنفتاح وكغيره من البلدان الواقعة تحت تأثير المشكلات الداخلية والخارجية إجتماعية كانت، سياسية أو إقتصادية ثم الهجرات من دول الجوار ،فتح السودان أبوابه للاستثمار بكل أنواعه وصنوفه وبالتالي العمالة الأجنبية ماهرة ،متدربة قاطنة أو عابرة ، بريئة أو عابثة .نظيفة أو موجهة لغرض ما.لقد إنصبت في بوتقة السودان أمم من الشرق والغرب والجنوب والشمال وتدريجياً بدأت السحنات السودانية المعروفة في الإنسحاب من مرافق معينة(رافضة)واحتلتها أخرى راغبة ومرغوب فيها من أصحاب المصلحة وهذه الأخيرة بيت القصيد!! وفيهم النشيد إذا تغافلت الدولة سيكون منهم النشيد. تنافست الاحياء الراقية طرفية كانت أم وسطية في إنشاء الكافتيريات وهندسة البيوتات التي تقدم الأسماك وغيرها من المطايب (الكمونية ليست بالطبع من بينها) غير أنها تدري أو لا تدري تؤصٍل للمصائب حيث تمتليء البطون وتجحظ العيون ، وكل من خرج منها يأتي قافلاً بزبون.إن المشهد في هذه الاماكن والطرقات يقتل فينا كل يوم وينزع من وجوهنا فضيلة الحياء فأنت ترى مالا تريد وتسمع مالا ترغب ،القول المأثور أن النظرة الأولى ليك والثانية عليك لامكان له في هذه الأماكن فكلها عليك شئت أو أبيت،لقد بدأ بعض المجتمع وليس كله والشارع معظمه في المناسبات والأعيا د يفقد حياءه. لاضير من إستقدام العمالة الأجنبية التي تتسابق المحال التجارية والكافتيريات والفنادق بمواصفات لها مدلولاتها التي تفتقر إليها العمالة الوطنية بشقيها إناثاً وذكورًا،غير أن توظيفها مهاماً وتهيئتها شكلاً وهنداماً ينبغي أن يكون على شاكلة ماهو كائن في البلد رغم ان البعض منا تتعجب منه المجتمعات الغربية في كونه تفوق عليها تحررًا في تصانيف الموضة واللبس، وحتى المشيات، لقد أصبح كل شيء خاضعاً لمعايير الجودة العالمية وقانون العرض والطلب ، إنها العولمة التي ولج بعضنا عالمها بالباب الخطأ فجاءت خطواتنا فيها أيضاً خاطئة.من واقع تجاربنا ،عندما تقوم شرطة النظام العام بتضييق الخناق على الممارسات السالبة تصطدم إجراءاتها بحائط الحريات الشخصية وتقف المنظمات المترصدة بالمرصاد ومع إقرارنا ببعض التجاوزات في إستخدام الصلاحيات إلا أنه لا يعني ترك الحبل على الغارب بل يجب تكثيف نشاط هذه القوات بعد تأهيلها وتصنيف كوادرها والتأكد منهم بمعيارأخلاقي ومهني، ثم دفعهم ومراقبتهم هم أنفسهم منعاً للتغول والتسلق كما أمر الشرع،إن الضوابط الشرعية والانسانية وماتقره الأعراف الإجتماعية بشأن ضبط حركة المجتمع يتقبلها ويحترمها الجميع. ماذا بشأن الكافتيريات وبيوتات الأسماك! من لها ليضبطها ليس فيما تقدمه بل في من يقوم بتقديم هذه الخدمة خاصة في الملبس الذي لا يتماشى مع ما ننادي به فهو لبس يفصل تفاصيل التفاصيل وهذا وحده يغني عن باقي التفاصيل ،إن عامل الجذب والتنافس هو الذي يقود هذه البيوتات، لمثل هذه العمالة الناعمة ذات الخصوصية الحركية. إن ضبط الأماكن العامة ذات الخصوصية الطبقية أو المقدرة المالية المعقولة،مسؤولية تشاركية بين المجتمعات الكائنة فيها هذه الأماكن وسلطات الولاية بمختلف مستوياتها بدءًا بالمجلس التشريعي الذي يسن الاطار العام للقوانين والعقوبات وإنتهاءًا بالمعتمديات التي يقع عليها عبيء التنفيذ والمتابعة وأهم مايجب الإلتفات إليه ليس الكم أو النوع بل الكيف لبساً وأسلوباً، المشهور عن الخرطوم أنها عاصمة اللاءات في ستينات القرن الماضي ،فالتكن وهي تخطو نحو العام2013عاصمة لاءات داخلية سودانية خالصة تعيد بها الإتزان والتوازن للشارع العام والأماكن العامة الغارقة في الخصوصية ولتكن لاءات النهي بأسلوب علمي، تثقيفي، إنساني جمعي أو متفرق ،تجوس في الطرقات والأزقة والحواري ويقود ركب هذه اللاءات المعتمدون ببصيرتهم وإصرارهم وإصطبارهم على رعيتهم لا بسلطانهم إلا المال ،ويراقب المجتمع هذه اللاءات بتوجيهه لا توبيخه ويتقبلها المستهدف بإنصياعه لا إزدرائه،نريد للعاصمة الخرطوم أن يعود لحدائقها وشوارعها حياء العذارى وهن يتبخترن في مشيتهن بلا خوفٍ من تطفل طائش، أو تلصص مراقب، لست بالحالم ،فقط لينزل المسؤولون المباشرون من عليائهم ، إن لم يكن بأنفسهم فبعيونهم وليس من رأى في بيوت الاسماك والكافتيريات كمن سمع، لنخطو جميعاً نحو الفضائل التي يحض عليها الدين ونتشبث بصفات الاسلام جلها إن لم تكن كلها فعسى ولعل أن تعود إلينا روح الاسلام التي يسعى الغرب والمستشرقون لوضع هذه الفضائل في بترينات العرض الزمني. üفريق ركن