واليوم نقول سلاماً للأحبة في الإنقاذ.. ووداعاً.. وإلى لقاء مشتعل جديد.. وبما أنني مسلم.. بل مؤمن.. بل قد يتصاعد إيماني حتى حواف «الإحسان» وأعلم يقيناً أنه لن يصدقني من الإنقاذيين أحد.. لا يهم ذلك أبداً.. وأعلم أنهم يوقنون بأني شيطان رجيم.. وأيضاً ذلك لا يهم.. المهم أني أحدث بنعمة ربي.. وهل هناك نعمة أكثر من ترديدي ونشيدي.. الحمد لله الذي قد مد في عمري.. حتى اكتسيت من الإسلام سربالاً.. نعم إن أضواء الإسلام تشرق بين ضلوعي.. تجعلني أتيه وأزهو.. بل وأتكبر.. وهي مثل مشية أبو دجانة يبغضها الله إلا في هذا الموضع.. بعد ذلك دعوني أتوج نصائحي.. بل أبث رعبي وخوفي على الإنقاذيين من هول يوم تصير فيه الجبال كالعهن المنفوش.. يوم تخرج الأرض أثقالها.. هناك لن يجديهم الجند المجندة.. ولا القصور المشيدة.. ولا الأبراج العالية الشاهقة.. ولا السلطان وبريق الصولجان.. يوم خاف منه من تسربل عدلاً وتنفس قرآناً.. ومشى مؤمناً.. وإليهم أهدي مقولة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.. الذي قال «لو تعثرت بغلة على شط الفرات لخفت أن يسألني الله لماذا لم أعبد لها الطريق».. «طيب» بماذا تجيبون رب العزة إذا سألكم عن الذين أطحتم بهم وضربتم أعناقهم بمقصلة وسيوف الصالح العام؟.. وإنه لسؤال ترتعد منه الجبال.. وتخاف منه الفيافي والرمال.. وحتى أفزعكم.. وحتى أبث الرعب في قلوبكم ونفوسكم.. وحتى تعلموا ما صنع الصالح العام.. بالعباد.. دعوني أرسم لكم بالكلمات والحروف.. بشاعة الذي اقترفته أيديكم.. واعترفت به عصبتكم.. نأخذ حالة واحدة.. من حالات المفصولين أو المنحورين بسيف ورماح الصالح العام.. هي حالة تنطبق طبق الأصل على الملايين من أبناء الشعب.. بدرجات متفاوتة.. قطعاً هناك أبشع منها.. وهناك أجل خطراً منها.. وهناك أبلغ أثراً وتأثيراً جرائها.. وليكن مثالنا أسرة سودانية حميمة.. والد وأبناء وزوجة.. تعيش الحياة قانعة وادعة.. راضية.. تمضي الحياة.. رغم ضيق ذات اليد.. وصعاب ومصاعب الحياة في قناعة وراحة بال.. ومظلة من الأمن والأمان تنفرط فوق هذه الأسرة البسيطة.. تتمدد أواصر الحب والمحبة والود.. راكزة في الأرض وشجرة متشابكة ومتماسكة ترسم على الأرض ظلال هذه الأسرة.. الروتين هو سيد وعنوان الحياة.. الزوج مواطن.. يعمل في أحد دواليب الدولة.. ليس لصاً.. ولا مرتشياً ولا فاسداً ولا متبطلاً ولا عاطلاً ولا متواكلاً.. ولا متسيباً في عمله.. كل عيبه.. كل جريرته.. كل خطئه.. كل سوء طالعه وحظه أنه ليس من تلك الجبهة التي امتلكت مفاصل الوطن.. وتمددت في كل شبر في البلاد.. وفجأة تهب العاصفة.. وتنطلق هوج الرياح.. ورصاصة تستقر في أحشاء هذه الأسرة.. رصاصة ليست من فولاذ.. ولا من نحاس.. ولا من بارود.. إنها مجرد ورقة.. تقول حروفها.. بل تطعن حرابها كبد ذاك المواطن وتفري قلبه تقول.. لقد تمت إحالتك للصالح العام.. كذا وبثلاثة أسطر يتدلى ذاك المواطن من حبل المشنقة.. مشنقة انسداد أفق الوطن أمام عيونه التي تهرب من نظرات الفزع والتساؤل والتوسل المصوبة من عيون أبنائه.. يهرب بنظره إلى سقف الغرفة المتشققة هروباً من النظر إلى دموع زوجته التي تحفر أخاديد على وجه مليء بالأخاديد.. وتتبعثر الأسرة.. وينفرط شمل العائلة.. وألف عائلة.. مثلها تبدد شملها.. هام أربابها على وجوههم في فجاج الأرض.. وآخرون «طفشوا» هروباً من مسؤولية الدفاع عن الأسرة.. وآخرون «جنوا».. ونساء كنّ ربات منازل.. رابطن تحت ظلال الأشجار تلهب وجوههن نار «الكوانين» وشظايا جمر اللهب.. وتهطل إعلانات المحاكم.. تحت رايات الطلاق للغيبة كما المطر.. وقسم ضعيف المقاومة هش التكوين.. يبحر في أنهر فاسدة.. والفقر والفضيلة.. لا يجتمعان.. وهذا هو الصالح العام.. ويا خوفي على من كان وراء الصالح العام في ذاك اليوم الرهيب..