ومازلنا في الموقع.. في الأرض الفضاء.. التي تشرع الحكومة، بل الإنقاذ في بناء قلعة الجمهورية الثانية عليها، وما زلنا بل مازلت مشمراً عن ساعدي مشاركاً في ذاك البناء، إذا كانت القلعة قلعة الجمهورية الثانية، هي بناء لكل شعب السودان بلا تفرقة ولا تمييز، لا يهم، إن كنت مهندساً أو معلماً أو حتى (طُلبة)، المهم هو أني سأعمل بإخلاص مساهماً في بناء هذه الجمهورية، والتي نأمل ونتمنى ألاَّ تكون طابقاً ثانياً ينهض على طابق الجمهورية الأول.. يجب ألاَّ تكون امتداداً للجمهورية الأولى، تلك المتصدعة المتشققة، والتي باتت آيلة للسقوط.. لأنه وفي يسر وبساطة إذا كانت امتداداً للجمهورية الأولى، فقل على الوطن السلام، وعلى الحكومة السلام، وعلى الإنقاذ السلام، ويحق لنا عندها أن نردد في حزنٍ وأسىً (كأننا يا بدر لارحنا ولا جينا)... وها هي ضربة البداية وها نحن نرص السيخ في الحفر.. ونصب الخرسانة لينهض البناء، بعد أن تأكد لنا أن الجمهورية الثانية التي بشر بها السيد نائب الرئيس قد ودعت والى الأبد، ذاك الاحتكار المقيت الظالم الذي استمر لمدة عشرين سنة وتزيد، تحت اسم التمكين، وإذا كان التمكين مبرراً طيلة تلك السنوات، فلا معنى ولا ضرورة له الآن، وقد تمكنت الإنقاذ من الوطن بالكامل.. وبعد أن علوتم في الأرض علواً كبيراً، والآن حانت لحظة الانصاف، الآن يمكن أن يكون وكلاء الوزارات من غير الحزب الحاكم، ومديرو الإدارات من غير (الأخوان)، أولئك البدريون أو اللاحقين.. ورؤساء مجالس الإدارات من أصحاب الكفاءة والنزاهة والقدرة والأمانة، لا يهم إن كانوا من حزب الأمة أو الاتحادي أو حتى من الشيوعي.. وينهض البناء بعد أن أدرك المؤتمر الوطني، والذي هو الحكومة، والتي هي الإنقاذ، أن المواطن السوداني لن يكون بعد اليوم هو المصدر الوحيد للدخل القومي.. وبعد أن (تشوف) الحكومة مصدراً آخر من مصادر التمويل، يكفي أن المواطن السوداني ظل يمول الحكومة لتتقلب على أكف الترف، وتغرق في بحور النعمة من حر ماله، بل من آخر (تعريفة) في جيبه المثقوب، وإلا لقال ذاك المواطن- ومن حقه أن يقول- إذا كنت أتعالج من حر مالي، وأتعلم من جيبي، وأشتري الكهرباء، وأشتري الماء، وأسكن في منزلي أو بالإيجار، إذاً لماذا الحكومة أصلاً؟ وينهض البناء بعد أن تقول الحكومة لصقور وحمائم المؤتمر الوطني والذين ظلوا على كراسي السلطة لعشرين سنة وتزيد، لا يغادرون موقعاً إلا وارتحلوا الى موقع آخر، حتى حفظ الشعب أدق تفاصيل وجوههم، وعرف عدد وألوان (شالاتهم)، وأطوال عصيهم، وأشكال (بدلاتهم).. وطبعاً لا يطلب الشعب من الحكومة أن تأتي بوزراء من المعارضة الحقيقية، ولا حتى من المؤلفة قلوبهم، ولكن نأمل أن تدفعوا بمسؤولين ودستوريين من صفكم الثاني، فقد سئمنا من رؤية هؤلاء، فدعونا نعيش فرحة (الدهشة) حتى مرة في العمر، وينهض البناء، بعد تحرير التلفزيون والإذاعة.. استديو.. استديو وميكرفون.. ميكرفون وكاميرا.. كاميرا من جيوش المؤتمر الوطني، فلا معنى أبداً لهذين الجهازين اللذين يمولهما الشعب السوداني، وهما لا يبارحان دار النادي الكاثوليكي، إلا لنقل مباراة في كرة القدم.. أما إذا أرادت الحكومة أن تكون الإذاعة حكراً مطلقاً للمؤتمر الوطني، والتلفزيون ملكاً مشاعاً لهؤلاء (الأخوان، عليها أن تمول هذين الجهازين من مالية المؤتمر الوطني.. فالشعب لا ناقة له ولا جمل في هذين الجهازين.. وينهض البناء بعد أن تكون الحكومة قد فتحت الأبواب مشرعة لكل المتنافسين على الوظائف، من أبناء وبنات السودان، في نزاهة وعدالة، وأن تختفي والى الأبد تلك التوصيات الغبية، و(كروت) الكبار وهي جواز المرور الى الوظيفة، وتلك المعاينات (الوهمية) والتي هي ليست أكثر من ذر الرماد في العيون. وينهض البناء بعد أن شاهد الشعب السوداني بأم عيونه وعبر شاشة التلفزيون مسؤولين(كبار) وهم في أقفاص الاتهام، يرتجفون وهم يجيبون على السؤال المفزع من أين لك هذا؟ وينهض البناء بعد أن تنحسر تلك الفوضى العارمة، فوضى التصريحات المتضاربة، وكلٌ يدعي بأن البلد (بلدو) وهو السيد المطلق فيها، وبعد أن يشهد الشعب ويعرف (أن كل زول لزم حدو)، ويصبح ناطقاً واحداً لعموم السودان.. هذه هي شروط الجمهورية الثانية.. أو استعدوا للطوفان..