حقيقة أشفقت على صديقي مصطفى أبو العزائم أمسية ذاك اليوم الذي شهد فيه مسجد الشهيد بالخرطوم عقد قران ابنه مؤمن والكتل البشرية أمواج لا تهدأ تتزاحم لتبلغه تهانيها.. فقد دأب أخي مصطفى وسط تلك الجموع والكثيرون أعياهم البحث ومعرفة موقعه وسط تلك الكتل.. فكل الخطوط لم تقد إليه وفضّل أولئك الانتظار حتى تنفض تلك السحب من الناس حتى يبزع لهم مصطفى ويسجلون حضورهم بأنهم كانوا قطرة في ذاك المحيط.. بل لا أخالني أكذب إن قلت إن هناك كثيرين قد فقدوا العشم فغادروا الساحة ولسان حالهم يقول «حضرنا ولم ننعم بتهنئتكم».. بحق كان المنظر يفرح وكل تلك الأفواج جاءت لتشارك الأستاذ مصطفى تلك الفرحة ومصطفى يستحق هذا ما يقال كل ما جاءت سيرة ذاك الحدث.. فحجم الحضور كان ينبيء عن مكانة مصطفى عند الزملاء ورموز المجتمع وهو رصيد لمصطفى لو خرج من الصحافة بهذا الرصيد من الحب لكفاه. هي بحق خواطر تملكتني وأنا أرى كل ألوان الطيف حاضرة وبحق لم أكن أطيل النظر في وجهوه تلك الرموز السياسية والاجتماعية من وزراء ومعتمدين وبعض السفراء ولكني أتمعن مشاعر زملاء المهنة الدفاقة التي غمرت المكان، الذين تركوا وراءهم كثيراً من الهموم والمشاغل والمهام الصحفية التي تنتظرهم، فها هو الهندي عز الدين بكامل أناقته يجلس حيث انتهى به المجلس وصلاح حبيب بهدوئه المستحب وشيخ العرب أحمد الشريف عثمان وعزيزنا مبروك وسلام استعجال وهم يركضون ليزيحوا عرباتهم التي تسد الطريق، ودقش بابتسامته الدائمة والشاعر مصطفى عوض الله بشارة ورفيق الدرب باب الله وكمال آفرو يملأ بهو المكان بعباراته الساخرة وهو يحتضن الشيخ إبراهيم السنوسي والأستاذ الكرنكي يتمدد ضياء وتيتاوي والفاتح السيد يحملون الاتحاد على الأكف ليدلقونه هناك، ومدير التلفزيون محمد حاتم.. وكم لا ينتهي المداد إن انتهوا.. وكثر تواروا خلف تلك الكتل الجماهيرية مما دفعني لأتساءل طالما نحن الصحفيين نمتلك كل تلك الحميمية وإحساسنا ببعض في «الملمات» لا يتجسد في همومنا الأخرى، ولماذا لم نستثمر هذا الإحساس في التآزر في قضايانا والهم الذي يجمعنا واحد ومعظم زملاء المهنة تحدق بهم المخاطر وهم يتعرضون لجور المؤسسات وتتقاذفهم الظروف وفي بالي الصحفيون بصحيفة الشاهد الذين منذ أن أغلقت نشاطها قبل عام ما زالت تحفي أقدامهم للحصول على حقوقهم رغم إنصاف القضاء لهم وغيرهم كثر من المشردين من الصحفيين، والعجب حتى سعيهم لأخذ التأمين الاجتماعي بحكم أنه حق يستقطع من رواتبهم بصطدمون بجدار أن المؤسسة لم تسدد، وما ذنب العامل إن لم تسدد المؤسسة التي تستقطع من رواتبهم ليظهر هناك خلل كبير في قيام التأمين الاجتماعي بدروه في استلام تلك الاشتراكات شهراً بشهر، وما زالت الدهشة تقف حائرة في أفواه هؤلاء الصحفيين بالشاهد، الذين لم يطالوا حقوقهم من المؤسسة ولا حقهم في التأمين والعجب أن هذا يقع على الصحفيين الذين يحملون هموم الغير وكأني بهم ينطبق عليهم شطر الأغنية «والشايل هموم الناس همو العندو غالبو يشيلو»، أو المثل الشهير «باب النجار مخلع»، فهم الذين يحملون على عاتقهم حلحلة هموم العباد ويعجزون عن مشاكلهم وهذا يستدعي أن تتضافر وتتكاتف جهود زملاء المهنة حتى يجلوا عن سماواتهم تلك المآسي، وينهض السؤال الحي أين النقابة المعنية بهؤلاء الصحفيين من اتحاد وحتى مجلس الصحافة، إنها صرخة عساها تجلجل في أضابير الدولة قبل أن تطال آذان وأفئدة الصحفيين وقبل أن يتكرر مشهد العاملين بالتلفزيون الذين سيروا مسيرة احتجاج للمطالبة بحقوقهم لا سيما والواقع عليهم الظلم هم من حملة الأقلام الذين يمكن أن تخوض أقلامهم في المطالبة بحقوقهم.