وسيم السيسي: التقيت مع البروفيسور وسيم السيسي في إطار بعض الندوات التي بدأناها في أمسية رمضانية في جامع بلال بالمعادي، وكانت أمسية جميلة جداً طرحنا فيها كتاب مساحات الود والإحترام بين المسيحية والإسلام، وكان قد أشرف عليها الباحث الإنساني النشط الدكتور وليد صلاح، والذي أسس معهد التنمية البشرية الذي يشرف عليه ويساعده كمية من الشباب الواعد ذكوراً وإناثاً، وقد جمع وليد أكثر من خمس عشرة منظمة من منظمات المجتمع المدني، واذكر أننا بدأنا اللقاء في التاسعة مساء، وكان الاستمرار بحثاً وحباً حتى الرابعة فجر اليوم التالي، وقد قال لي الأستاذ أحمد شعبان محمد الباحث والمفكر الإسلامي إن كلمة الحَب بفتح الحاء والحُب بضم الحاء واحدة، وكما تحتاج الحبة إلى الري لتنمو حتى تصير شجرة ثم تعطي ثمرها لمن رعاها، فالحب أيضاً بالضم هو احتياج، والجميل أن يكون الاحتياج متبادلاً حتى يتم العطاء، والحب في إعتقادي بذرة عطاء كبير، وليس الحب أن نملك من نحب، إنما أن نصير ملكاً لمن نحب. وكان من بين الحاضرين والمحاضرين بروفيسور وسيم السيسي الذي كنت اشتاق إلى التعرف عليه، وكنت أقرأ له في صباح الخير، وفي روز اليوسف، ما يكتبه عن حضارة أجدادنا الفراعنة أبناء مصرايم العظيم شقيق الأخ الأكبر كوش القوي والصياد الماهر، واذكر أنه ذات مرة قرأت له أن كلمة حنيف التي ذكرها القرآن الكريم عدة مرات، إنما تعني موحد وأنها كلمة فرعونية قديمة، وقد ذكرت كلمة حنيف مرتبطة في القرآن الكريم بسيدنا إبراهيم أبو الآباء وأبو التوحيد، ويفسر مصحف الصحابة في شرح كلمات القرآن الكريم كلمة حنيف بأنه المائل عن الباطل إلى الحق، أي الموحد، والذي يؤمن بوحدانية الله، هكذا جاءت في القرآن الكريم كلمة حنيف في:- 1. (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) آل عمران الآية67. 2. (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً) النساء الآية 125. 3. (حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) الحج31. 4. إ(ِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)79 5. (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) النحل120. 6. (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) البينة5. هل تعرفونها: وعندما تحدث بروفيسور وسيم السيسي كان كلامه وسيماً، وفكرته وسيمة، وانتقى أجمل الكلمات، ولخص كتابه الجميل «مصر التي لا تعرفونها»، وهو أستاذ جراحة المسالك، وكانت له مسالك أخرى في دراسة علم القبطيات، وبدأ يؤكد أننا لا نعرف مصر، ولقد تذكرت ما يحدث في مصر هذه الأيام من تصرفات لا تشبه أهل مصر، وقلت في نفسي إن أبناء مصر لا يعرفون مصر، ولقد بحث السيسي بحثاً شيقاً شفياً في الأيام الأولى، وأثبت أن مصر كانت سباقة في التوحيد، وأن النبي إدريس أو أخنوخ في الكتاب المقدس خصه الله بالنبوة في مصر، وطبعاً منها صعد حياً إلي السماء، ولقد قرأ السيسي على متون الأهرام عبارة تقول: بانوك واع واعو سن سنو إف، والكلمات قبطية تعني أنا واحد أحد ليس لي كفواً أحد، ويشمئز العالم السيسي من اتهامات الناس للفراعنة بأنهم عبدوا الجعران والعجل ابيس، لقد تتبع عالم المسالك كل الدروب والمسالك التي تؤكد حضارة الأقباط القديمة، لأنهم شعب متمدن وشعب متدين، وقد كتبت كتاباً عنوانه دراسات قبطية قام بطباعته النادي القبطي بالخرطوم، بإشراف المهندس فاضل بنايوتي، ولكن كتاب السيسي سوف يضيف إليَّ ما هو جديد في نفس المساق. ولقد تحدث سيسي عن طب الفراعنة، الذين عرفوا كيف ينقذون المريض من النزيف الداخلي، وحضر السيسي حواراً بين سيدتين في المتحف البريطاني حول هذا الطب القديم، ثم راح يقول إن أبناء بلدي في غيبوبة حضارية، بينما الخلق جميعاً مبهورون من مصر كيف كانت تبني قواعد المجد وحدها، أو كما قال حافظ إبراهيم عن مصر: وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبني قواعد المجد وحدي وبناة الأهرام كفوني الكلام عند التحدي إن مجدي في الأوليات عريق فمن له مثل أولياتي ومجدي ويستمر السيسي ليقول إن الفراعنة توصلوا للخيوط الجراحية من أمعاء القطط، هذه الأمعاء التي تسمي «كات جت» والتي استعملت لأكثر من خمسة آلاف سنة، ولم تزل أنسب الخيوط في جراحة التجميل، وعرف الفراعنة نوع الجنين ذكراً أو أنثي، بل إن كرسي الولادة الفرعوني هو أنسب الطرق الآن للولادة. ويقدم الكتاب العديد من الأدلة عن البناء الحضاري الذي بنته مصر التي لا يعرفها الآن أولادها، ويحاولون حبسها في محللات ومحرمات، وأمور لا تعبر عنهم، وقد كتب أمير الشعراء مغرداً عن مصر وبناء الحضارة: وبنينا فلم نجل لبان وعلونا فلم يحدنا علاء قل لباني بني فساد فغالي لم يجز مصر في الزمان بناء