وبالأمس كنا في الصفحة الأولى.. تلك البيضاء من غير سوء.. في رحاب «السنبلاية».. ليست من غير سوء فحسب.. بل عابقة بالطيب.. والمسك والصندل.. وحروفها مكتوبة على قشر البرتقال.. وبمداد عصير الزهر.. ومحجوب يقسم بأن السنبلاية.. سوف تطالبه بالطلاق من أعلى مكان إذا جاءها بخزائن الأرض ثمناً للحظة متخاذلة.. ولأنني تطربني الخلال الكريمة.. تهزني المواقف الفولاذية.. تسعدني حد الشدو الجميل والبديع.. كل إشراق.. ولمعان.. وإبداع.. يكلل هامة أي امرأة في بلادي.. ودعوني اسأل.. في ضراعة ورجاء.. وأنت تكون الإجابة كما أتمنى من كل نساء بلادي.. اسأل أي امرأة في وطني الحبيب الوسيم.. هل تطلبين الطلاق.. إذا جاءك رفيق الدرب.. وتوأم الروح.. والزوج.. حاملاً كل كنوز الدنيا.. ثمناً.. ليس لخيانة أمانة.. أو تعدٍ على مال عام.. أو اختلاس.. أو استغلال نفوذ.. أو أي «قرش» تعلمين أنه.. حرام.. حرام.. حرام.. أتمنى أن تكون الإجابة.. نعم.. ثم نعم.. وأيضاً نعم.. هذا عهدي بكل امرأة في وطني.. وأنا لا أطالبها بالمستحيل.. ذاك الذي يركب أعلى خيله محجوب.. وهو يعلن أنها سوف تطلب الطلاق.. لو جاءها بالمال ثمناً «للحظة» متخاذلة.. يا ألطاف الله.. إنه يعني «لحظة» من تخاذل.. وليس عمراً من تخاذل.. أو ساعات من تخاذل.. ما هذا يا محجوب.. أقسم بالشعب والأيام الصعبة.. إنك تشعرني بالدونية.. بل بالبؤس.. وكل نقيصة.. عندما نقارن حالنا بك.. والآن أعود إلى ديوان «السنبلاية» أعود إلى السنبلاية نفسها.. أعود إلى تلك الأيام المفزعة.. عندما قرر محجوب «الزواج».. ومن حسن طالعي.. وسعد أيامي.. فقد كنت أيامها قريباً جداً من محجوب.. وكل أماسينا في دار المعلمين.. المعهودة والمشهورة.. والمضيئة.. كانت أيام الجن وهبوب الأعاصير.. وخيول الردة تدهس مايو بل تسحق مايو.. ثم مايو تلملم كل الرايات تلك التي عملت غابة في موكب تسعة يونيو.. تطويها راية راية.. تودعها متحفاً فولاذي المزلاج.. وتبدأ رحلة القنص.. والخلع.. والملاحقة لكل الذين نفخوا الروح في مايو.. في تلك الأيام المفزعة.. يظهر الجزء البشع من جبل الجليد.. في ذاك الطقس يقرر محجوب الزواج.. يرسل رقاع دعوته البهيجة.. لم يكن تقليداً.. ولا كانت الدعوة.. لم تكن كروت دعوات.. مبهرجة.. مخطوطة.. بمداد مذهب.. ولا كانت.. عادية تلك التي كان يكتبها البسطاء والفقراء.. والحرافيش من أبناء الوطن.. وكانت إبداعاً جديداً.. واختراعاً مثيراً.. وكسراً لقاعدة كروت الأفراح التقليدية الرتيبة.. كانت كراسة متواضعة من أربع صفحات وفي حجم «النوتة».. لا أتحدث عن الشكل و«الخامة» ولا نوع الورق.. بائساً أو صقيلاً.. الحديث عن ما خطه محجوب في كروت أو كراسة دعوته.. إنه يقدم.. برنامجاً.. يخصه وحده.. ويخص كل من كان مثله.. وفاءً لوطن.. انحيازاً لإنسان الوطن.. احتفاءً بالمرأة.. بل كانت المرأة الوطن.. كان صفحة منه تتحدث عن فرحه.. بالإقتران بإمرأة ند له.. في إنسانية شاهقة.. وكانت صفحة تتحدث عن كيف تصدح العصافير وتنشد بعيداً عن «بندقية» أو «نبلة» الصياد.. وصفحة.. تحدثنا.. عن أن السيد الوحيد.. أو الذي يجب أن يكون هو الشعب وحده.. ولا غيره.. ثم يا أحبة.. إليكم.. صفحة من صفحات «كرت».. بل «كراسة» الدعوة.. ونطلع للحياة أنداد زي سيفين مساهر فيهن الحداد ونطلع من بذور الأرض زرعاً فارع الأعواد حبابك يا سما الأعياد حبابك يا ضحى الميلاد ويا وطناً بدون أسياد ويا إنشاد عصافيراً ببالن ما خطر صياد