توقفنا مع صديقنا الطيب غلبان وهو يدخل للسيد المدير ليجد جيرانه في (الحلة) الحاجة السارة،وميمونة،وشقيقتيها صفية؛وروضة،وأعمامك أولاد المرحوم حاج الصادق،محمود ومحمد،بدر والزاكي.. كلهم موجودون داخل مكتب السيد المدير..وكل الحضور يسكنون (بيوت) ورثة؛أو إيجار.. وفيها (طبعاً) تتعدد عدادات الكهرباء وعداد الموية واحد.. كان الجميع يتحدث بصوت عالٍ،والطيب ينظر لجيرانه وللمدير،فقال (غلبان) ل(ناس الحلة):(ياجماعة قولو بسم الله كدي...حقو نتكلم واحد واحد،عشان كلامنا نقدر نوصلو براحة،وعلى الأقل نفهم الحاصل شنو..!)،سكت الجميع،ف(غلبان)يحترمه جميع أهل الحي،فهو شخص محبوب ودائما يجده الجميع في الملمات؛والأفراح وال(بكّيات)،وزيادة على ذلك فكلمته مسموعة؛وإن كانت على (مستوى)الحلة وأهلها فقط،ولكنها مسموعة..طلبت الحاجة السارة الحديث لأنها (خاتة) حلتها في (النار)،وكان عذرها وهي تقول:(ياالطيب ياولدي،حلتي دي لو حصلت و(حِّرقت) إلا عاد النأكل عيالي طين بحر..؟!).. وواصلت الحاجة حديثها:(هسه ياولدي - تقصد المدير - أنا وأخواتي المعاي ديل كلنا ساكنات في بيت واحد،وبيتنا ده ورثة من أبونا (زايد) الله يرحمو،وهسه فواتيركم دي دفعتونا فيها فاتورة الموية تلاتة مرات،ونحنا ماذنبنا شنو هسه،أنو مركبات لينا تلاتة عدادات..؟كل واحدة فينا بي عيالا وراجلها،وعشان مانخش في مشاكل مع بعض،بسبب كهربتكم دي،قمنا ركبنا تلاتة عدادات كهربة.. أها وكت أنتو ناس متعلمين وفاهمين،معقولة بس تكونو (غبيتو) من حكاية بيوت الورثة ومشاكلها دي..؟)،طلب الزاكي ود عمك الصادق الحديث قائلاً:(والله كلام الحاجة السارة صاااح.. هسه يازوول نحنا أربعة أخوان وكلنا بي عيالنا،وكنا قاعدين في بيت أبونا الله يرحمو،ومافكرنا نبيعو لأنو حقو مابجيب لينا بيوت على قدرنا،حتى لو في الوادي الأخضر،وبيتنا ده أدونا فيهو ميتين وخمسين مليون جنيه زي مابتقولو ياناس (الحيكوماا) بالقديم،أها وأقل بيت تهبشوا تلقاهو بي مية وخمسين..مية وسبعين،يعني لو بعنا إلا نشتري بيتين النقول،وكل إتنين مننا يسكنو في بيت واحد..وبرضو ماحنحل حاجة،لأنو برضو حيكون في عدادين موية،وعداد الكهربة واحد..؟!وبعد ده الزيادة في العيال (حصلت)ماشاءالله ونعمة من الكريم وأخونا الصغير عشان (الضيق) وكده قام أجر نص البيت اللصقنا..أها نعمل شنو ياسيادة المدير..؟).. شقيقه بدر قاطعه قائلاً:(والله يا جماعة شكلها حكايتكم دي ماعملتو ليها دراسة..! بس (شيلك ختك) سااااي..! هسه أنا دا ساكن في نص بيت عمك (الصافي)،أشان ماشاءالله أخواني التلاتة عيالهم كتار؛وبيتنا الكبير مابشيل،تقومو ياناس تعملو لينا أربعة فواتير بتاعت موية،والغريبة أنو عداد واحد بس العندنا.. طيب التلاتة ديل جبتوهم من وين..؟ولا الحكاية سلفقة سااااي..؟). صفية لم تتمالك نفسها وهي تقول:(ده شغل (...) عديل والله،أنتو ياناس (.....) بدل تساعدونا،تهدو حيلنا زيادة..!والناس الماحتدفع دي حتعملو ليها شنو.. يقعدو بدون موية ولا كهربة..!ولا حتدخلوهم السجن يعني..!؟)،رد عليها محمود ود عمك الصادق؛وهو رجل حانق على الحكومة،ويتهمه أصدقاؤه بأنه شيوعي و(أحمر)كمان،قال محمود:(سجن شنو يا صفية ..؟ سجن أكتر من السجن الأنحنا فيهو ده..؟ عليك الله سيبونا ياجماعة.. والله الناس دي لو ما شردتنا أصلو مابرتاحوا،يأأأخ البلد دي نصها هاجر،المشى أوربا،ولا الخليج.. ياأأأخ أنا بعرف لي زول من شدة زهج وقرب يجن..ساب البلد دي وباع الوراهو والقدامو،ومشى تعرفو وين..؟بلد أسمها شنو..؟ أأأي اسمها سلوفينيا..! عليكم الله دي بلد دي..؟!). صاحبنا (غلبان) غلبه الكلام..فماقاله هؤلاء لم يترك له شيئاً ليقوله،ولكن (حرقتوو) (حكاية) العداد وال(خمستاشر) جنيه ،فحاله يغني عن سؤاله..و(كفاية)صالة المشاهدة التي أغلقتها المحلية،فطلب الحديث وقال:(والله ياجماعة،أنا بصلي الصبح حاضر،وماحصل فوتا فرض،لكن ياناس الكهربة حيروتنا وشككتونا في حكاية العدادات دي،هسه أنتو بتشيلو قروش العداد الوهمي بتودوها وووين..؟وزي ناس حاجة السارة و(أخواتها)،وأولاد المرحوم الصادق،وناس منو ومنوو..ياخ الناس دي كلها ساكنة ورثة،الليهو خمسة سنة،والسبعة سنة،وفي الوكت ده كلو معقولة ماتعملو ليكم دراسة،بس كده بدون تخطيط..!والله كان علي أنا ماعندي شغلة بالسياسة،وعمري ماإتكلمتا فيها.. لكن ظلم جنس ده ياجماعة والله مالاقاني..العرقي ده ريحتو كيفنها؛والله مابعرفها،البنقو القالو زي ال(خُدرة) غير في الجرايد ماشفتا شكلو،وبعد ده قفلو لي صالتي،وهسه عداد الموية،العملتوهو لي في كمبيوتراتكم دي،وبي عيوني ماشفتو.. وعايزين تدفعوني(15) جنيه ساااي،هسه نشكيكم لي منو..؟نقول شنو عااد،الله في.. الله في..).. نظر المدير بصرامة لوجوه المحتجين،قائلاً (عداد الموية الجديد ب(250) ألف؛وزي ماقلتو قبيل؛على قول الحكومة بالقديم،وماعندنا حل غير نخلص قروش الموية دي،حتى لو كانت على قولكم وهمية....). وخرج الجميع نحو منازلهم وهم يتمتمون بكلمات نصفها مفهوم والآخر غير مفهوم، وهم يتحدثون مع بعضهم (البلد دي النيل شاقيها نص بالنص).. هي ياجماعة الله ده ماقال (وجعلنا من الماء كل شئ حي)...ليتمتم (الطيب غلبان) في سره عبارة (وال(250) دي هسه الزول يأكل بيها ولا يتعالج بيها ولا يدفعها عشان العداد..!).. وبلغة ال(مثقفاتية) لحقه صاحبنا (محمود ود حاج الصادق) بجملة :(ماذا نقول..! فقد كتب علينا أن نعيش ونموت عطشاً..ونحن في بلد السقايين).. ووو...