استعد فضل الله للخروج ب«درداقته» التي يحمل فيها العجوة والنبق واللالوب، و«الفولية» وشقيقتها السمسمية.. قبل خروجه ناداه زميله في السكن ب«بيت العزابة» «قرضمة»؛ طالباً منه خمسين جنيهاً «دين» لنهاية اليوم..! أعطاه فضل الله المبلغ وتوكل على الله وهو يتمتم بصوت مسموع: «يا فتاح يا عليم .. يا رزاق يا كريم..» مكان جلوس فضل الله كان بجوار المحكمة الموجودة بسوق الحي، وبطول الزمن عرفه جميع أهل الحي والسوق؛ حتى العاملين بالمحكمة؛ القضاة الذين ذهبوا لا زالوا يحتفظون بعلاقة جيدة معه، يتواصلون معه في الأعياد والمناسبات، ووكلاء النيابة أيضاً، والموجودون حالياً لا يشترون إلا منه، ولا يرسلون أحداً لشراء الفطور من مطعم «شمهريرة» للأسماك والمشويات إلا فضل الله. كالمعتاد حضر فضل الله لمكانه وطلب من «الزينة» كوباً من الشاي، ليخرج الرغيفة من كيسه النايلون، مستعداً لوجبته اليومية، الشاي الأحمر ومعه الرغيفة البلدية..! جاءه «الطيب غلبان» صاحب صالة المشاهدة المجاورة للمخبز، ليشتري منه ال«كوتة» اليومية من النبق والعجوة له ول«عياله» الستة.. أعطاه فضل الله طلبه وهو يسأله: «أها كيف مع قرار الوالي معاكم..؟»، صححه «الطيب» بأن القرار من المعتمد وليس الوالي.. ثم أردف قائلاً: «أنا والله ما عارف الحكاية دي مقصود بيها شنو؟.. هسه الأصابعين دي زي بعض..! أهو أنا بطلع من الصباح وافتح النادي، بجوك العمال بتاعين السوق يشوفوا مصارعة فيلم، وكلو بما يرضي الله، ياخ أنا «صعوط» ما بخليهم يسفوه جوه الصالة؛ خلي عرقي ولا أفلام «كمونية»..! لكن تقول شنو، قسمتنا كده».. قال فضل الله مطيباً لخاطر صديقه: «تعرف حقو أشوف ليك مولانا «عادل» يمكن يلقى ليك حل ويفتحو ليك الصالة تاني..!» جلس فضل الله مع مولانا «عادل» ليحكي له قصة الطيب وأحواله وسيرته الطيبة، مؤكداً أن المقصودين بالموضوع إياه لا يشبهون الطيب؛ الرجل الملتزم الذي يخاف الله.. نظر مولانا لفضل الله نظرة تصديق للقصة بحكم معرفته بال«طيب»، ولكنه اعتذر ل«فضل الله» بأن الموضوع ليس بيده، فهذا قرار من المعتمد؛ وهو الناهي والآمر.. لم يدرِ فضل الله ماذا يقول ل«حبيبه» وصديقه الطيب، ولكنه قرر أن يقوم بفعل شيء لمساعدته؛ أي شيء..! رجع صاحبنا «فضل» لمنزل العزابة باكراً على غير عادته، ليدخل الغرفة الوحيدة بالمنزل ويبدأ في الحفر تحت ال«عنقريب» خاصته.. مخرجاً من الحفرة «بقجة» صغيرة؛ مربوطة بعناية وبداخلها مدخراته.. ليضع بعضاً منها في جيبه دون أن يعرف كم هي أو قيمتها.. توجه صاحبنا لمنزل الطيب.. وبعد السلام والتحايا أخبر فضل الله صديقه بفشل محاولته مع مولانا عادل، ولكنه وجد حلاً للمشكلة لحين ميسرة؛ ليخرج فضل الله مبلغاً مالياً ويدسه في جلباب الطيب، وهو «يحلف» بأنها تفيض عن الحاجة، ويقول :«لامن تتيسر الأمور أبقى رجعها لي يا زول..». صديقنا الطيب يسكن بالإيجار مثله مثل «تلات أرباع» الناس «العاديين»، ولكنه يسكن في نصف منزل كما الربع الباقي.. وهو يملك «عداد» كهرباء خاص بنصف منزله؛ لم يصدق الطيب نفسه وهو «يّحسب» المبلغ الذي منحه له فضل الله، ليقرر أن يذهب و«طوالي» للإدارة ليشتري نصيبه من الكهرباء المدعومة.. وقف الطيب أمام موظفة مكتب الكهرباء، ويعطيها المبلغ، لتمنحه «ورقة الكهربة» بما قيمته خمسة جنيهات، فيسألها بأدب: «معليش بس شكلك غلطتي يا أستاذة.. أنا أديتك عشرين جنيه، وأديتني الكهربة بي خمسة جنيه..!».. ردت عليه الموظفة وهي لا تنظر إليه: «غلط شنو..؟ ما في غلط.. بس دخلو معاها فاتورة الموية..!».. قال لها الطيب :«ولكني لا أمتلك عداد موية؛ عشان تشيلوها مني..!».. ردت عليه الموظفة وهي تنظر للذي يليه في الصف: «دي ما شغلتي والله، ولو عندك حاجة أمشي اسأل المدير جوه..!!». ودخل الطيب للسيد المدير ليجد حاجة السارة، وميمونة، وشقيقتيها صفية وروضة، وأعمامك أولاد حاج الصادق، محمود ومحمد، بدر والزاكي.. «ناس» الحلة «كلهم» قاعدين داخل مكتب المدير.. وكلهم يسكنون «بيوت» ورثة.. تتعدد عدادات الكهرباء وعداد الموية واحد.. ماذا قال أهل الحلة للسيد المدير..؟! وماذا كان رده..! إذن لقصة الطيب غلبان وأهل الحلة بقية...!وفيها سنحكي عن رسوم مياه عداداتها وهمية، لم تخرج مواسيرها من الشبكة لتحتل مكانها على جدران هؤلاء.