أيام مغربية : مصطفى أبو العزائم : برنامج الرحلة حافل، احتشد باللقاءات التعريفية، وتلمس التجربة المغربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبرلمانية، وضمت الرحلة ذاتها مجموعة من الصحفيين العرب، الذين جاءوا من مشارق الأرض ومغاربها ليكونوا حضوراً وشهوداً على تحولات ضخمة في أقصى الشمال الغربي الأفريقي المسلم، الذي شهد نشوء عدة دول وأنظمة إسلامية، منذ مرحلة الفتوحات الإسلامية الأولى لشمال أفريقيا، وحتى مرحلة عبور البحر إلى أوربا حيث قامت أول دولة إسلامية هناك.. في الأندلس. المغرب الآن دولة مسلمة، يحكمها ملك هو أمير المؤمنين، وينتسب إلى الدوحة النبوية، وهو رمز تجتمع حوله الرموز، ويمثل التفاف المغاربة حول إمارة المؤمنين، خاصة وأن المملكة المغربية تعتبر مهداً للطرق الصوفية . التي انطلق كثير منها شرقاً . وتوطن بعضها في أرض السودان . وفي مصر وقبل ذلك في دول الشمال الافريقي المسلم . وفي كثير من دول غرب أفريقيا المسلمة. نبدأ اليوم بإذن الله في تقليب صفحات كتاب الرحلات ونحاول أن نقف عند التجارب ومع الناس.. نحاول ان ناكل الطعام هناك ونمشي في اسوق المدن خارج برنامج الرحلة الرسمي رغم الن البرنامج نفسه يستحق أن نقف عنده كثير .. وسنفعل باذن الله. مع عبد الإله بن كيران في البرلمان.. ورئاسة الحكومة القصر الملكي في «الرباط» عالم قائم بذاته، شاهدته من قبل عدة مرات، لكنني لم أتجاوز بواباته إلى الداخل، وما كنتُ أمني نفسي بأن اخترق ذلك السور الضخم الممتد في كل الاتجاهات لأعرف ما وراءه، كل الذي أعرفه أن وراء ذلك السور الحجري العتيق يوجد قصر الملك، وما كنت أعرف أن كان جلالة الملك محمد السادس يقيم هناك أم يقيم في قصر آخر(!).. وهل أقام والده الراحل جلالة الملك الحسن الثاني في ذلك القصر أم كان يتخذه مقراً لإدارة الحكم (!). زيارتنا الأخيرة للمملكة المغربية الشقيقة (القريبة البعيدة) بدعوة كريمة من الأستاذ مصطفى الخلفي وزير الاتصال في الحكومة المغربية، كانت فرصة لنا لعبور البوابات الملكية، وفرصة للقاء غالبية طاقم الحكم هناك. صحيح أن البداية لم تكن بلقاء السيد رئيس الحكومة المغربية، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأستاذ عبد الإله بن كيران، لكن اللقاء معه كان مهماً، نبدأ به، وفي الأيام القادمة ننقل بعض ما دار في اللقاءات الأخرى مع الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة المغربية. عبرنا البوابات.. الأمور مرتبة.. علمنا أن القصر الملكي هو مقر إدارة الحكم في المغرب الشقيق، ولم يعد مقراً لسكنى جلالة الملك أو أي من أعضاء العائلة المالكة، لكنه لتصريف أعمال الدولة واللقاءات الرسمية، ويضم أيضاً مكتب رئيس الحكومة، ليكون قريباً من مركز اتخاذ القرار الملكي، ويضم أيضاً وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، في دلالة واضحة لاهتمام الملك بأمر الدين، لذلك كان مقر هذه الوزارة قريباً منه. دخلنا إلى رئاسة الحكومة، واستقبلنا القائمون بأمر العمل في مكتب الأستاذ عبد الإله بن كيران، الذي دخل علينا بعد ذلك بقليل، وأخذ يسلم علينا الواحد تلو الآخر، ويحتضننا ويشد على أيدينا، كأنما يرحب بأصدقاء طال انتظاره لهم. جلسنا حول طاولة بيضاوية، تصدرها مقعد الرئيس، وأخذنا نسأل وهو يجيب دون كلل أو ملل، ولا يمتنع عن الإجابة مهما كان حرج السؤال، وقد قال لنا إن حزبه ذو مرجعية إسلامية، والمغرب كله دولة مسلمة، وإن حزب العدالة والتنمية لا ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، وإن كان من مدرستهم، لكن لا علاقة عضوية أو تنظيمية تجمعهم بالحركة.. فللحزب فكره الخاص ومؤسساته الخاصة ويتطور مع تطور المجتمع المغربي. وقال الأستاذ عبد الإله بن كيران إن الناخب المغربي لم يمنح صوته لصالح الحزب لأن مرجعيته إسلامية، ليطبق الحزب فهمه وأفكاره ونهجه الإسلامي، بل منح الناخب المغربي صوته لحزب العدالة والتنمية لحل المشكلات التي تواجه المواطن المغربي. وقال بن كيران إن تلك هي قناعتهم داخل الحزب، وإن همهم الآن ليس أسلمة المجتمع، لأن المجتمع مسلم بطبيعته، لكن هناك اختلالات اقتصادية واجتماعية يحاول الحزب حلها ومعالجتها وإن هذا هو مطلب الناخبين وواجب الحكومة. وفجّر الأمين العام لحزب العدالة والتنمية مفاجأة، عندما قال:«نحن لم نأت للحكومة لنطالب الرجال بأن يلتحوا، والنساء بأن يتنقبن أو يتحجبن.. فالبشرية لا يمكن أن تتراجع إلى الوراء، وإننا لا نعتمد منطق التدخل في حياة الناس، ولا نؤمن بذلك، ولا نرى أنه إسلامي». وعن تجربتهم في الحكم بعد أكثر من عام، قال رئيس الحكومة المغربية، إن وصول حزبهم إلى الحكم جعلهم يجدون واقعاً مختلفاً ومغايراً عما كانوا يتصورونه، فالواقع الذي وجدوه كان (عنيداً) تواجهه تحديات كبيرة مثل معالجة مشكلة البطالة، وصندوق المقاصة وهو الصندوق المعني بدعم المواد والسلع الأساسية وصندوق التقاعد، وغير ذلك من تحديات. وأضاف ابن كيران أن حزب العدالة والتنمية، حزب سياسي وأنه إذا نجح في عمله وأدائه الحكومي فإنه يستحق أن يقال له: «تبارك الله» وإذا لم ينجح فإنه ليس الحزب الوحيد الموجود في المغرب. وحول وضع الدولة في ظل الثورات العربية أو ما يسمى بالربيع العربي، قال السيد ابن كيران، إن الدولة المغربية مؤتمن عليها الملك، لأنه موضع إجماع وأهم عنصر للاستقرار، لذلك - يقول ابن كيران - لن تقع في المغرب ثورة، وإن المملكة بعيدة عن ذلك، وإن للمغاربة «وعي تاريخي بأن الملكية تعني استقرارهم، وتضمن وحدتهم». وقال إن مظاهرات شباب حركة (20) فبراير إنما هي خروج للشارع للمطالبة بالإصلاح، وليس إسقاط النظام. وشدد رئيس الحكومة المغربية على أن الأجواء داخل التحالف الحزبي الحاكم هي أجواء إيجابية، وحول ما يدور عن خلافات داخل الحكومة بين حزبه وحزب الاستقلال، قال إن الأمين العام الجديد لحزب الاستقلال السيد حميد شباط جاء بمنطق جديد، وهناك الآن محاولات للتقارب برفق، مشيراً إلى أن حزب الاستقلال منذ أيام الزعيم علال الفاسي - رحمه الله - كان هو الحزب الوحيد الذي لم يهاجمنا، بل هو حزب حليف وأساسي ولا يمكن أن ندخل معه في خلاف. وقال إن شعبية حزبه لم تتراجع إلى حدود أن تصل إلى درجة الوضع الحرج، بل بالعكس لأنها ربما تكون قد نقصت بعض الشيء. وعن العلاقات مع إيران خاصة بعد لقائه مع وزير الخارجية الإيراني على هامش القمة الإسلامية الأخيرة في القاهرة، قال:«نحن إخوة ومسلمون، واللقاء تم بطلب من الوزير الإيراني، أما عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران فقال: إن مثل هذه الأمور من اختصاص الملك لأن هذا أمر سيادي». وأشاد رئيس الحكومة المغربية بعلاقات بلاده مع دول الخليج ووصفها بأنها «حميمة»، وقال إن المملكة العربية السعودية هي الشقيقة الكبرى لذلك تنمية العلاقات مع هذه الدول هو مسار قديم وسيستمر. وحول قضية الصحراء وتأثير الوضع في مالي عليها قال ابن كيران: «لابد أن يكون لذلك تأثير على قضية الصحراء، وإننا بالطبع لا يمكن أن نتخيل ولادة دول جديدة، وأن أشخاصاً يستولون على السلاح، ولديهم عقيدة جهادية، ويمارسون التحكم في الناس.. الآن نحن في زمن له منطقه.. هناك دول.. هناك حدود.. هناك أمم متحدة.. لذلك الآن لا مكان لدول هشة وقابلة للاختراق، لابد أن يكون لهذا الحدث تأثير إيجابي على قضية الصحراء، خاصة وأن المغرب قد ذهبت إلى أبعد مدى ممكن لإيجاد حل للنزاع وهو الحكم الذاتي الموسع في الصحراء». من أين جاءوا ..؟ سبعة عشر صحفياً، وصحفية واحدة، كانوا هم قوام برنامج الرحلة التي جمعت بينهم فخرجوا منها أصدقاء، يتبادلون الهواتف والمراسلات، ويوطدون الصلات مع بعضهم لتتفتق عبقرية أحدهم، وهو الأستاذ محمد صبرين، مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية عن فكرة خلاقة وجدت اهتماماً من الجميع، وتطورت إلى فعل مؤثر، تجري الترتيبات لأن يتعرف عليه العالم قريباً من خلال مسماه المقترح والمجاز (منتدى المشرق والمغرب، للحوار والإعلام). زملاء الرحلة، كانوا الأساتذة جميل ذيابي، رئيس التحرير المساعد من «الرياض» لصحيفة الحياة السعودية، ومحمد صبرين، مدير تحرير جريدة الأهرام القاهرية، وسليمان جودة، الكاتب الصحفي المستقل بجريدة «الشرق الأوسط» اللندنية من القاهرة، وكاتب هذه المادة ممثلاً للصحافة السودانية، وعادل الأنصاري رئس تحرير صحيفة «الحرية والعدالة» المصرية الناطقة باسم حزب الحرية والعدالة، وشعبان عبد الرحمن رئيس تحرير مجلة «المجتمع» الإسلامية التي تصدر في الكويت، وعزيز الدلال، مسؤول التحرير في جريدة «الوطن» البحرينية، ومشاري الذايدي، الكاتب الصحفي المعروف في صحيفة الشرق الأوسط، والمقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومحمد رضوان مدير تحرير جريدة «المصري اليوم» إحدى أوسع الصحف المصرية انتشاراً، وكميل الطويل مسؤول التحرير لشؤون المغرب العربي في جريدة الحياة اللندنية المقيم في الرياض، وبسام القنطار مسؤول التحرير في جريدة «الأخبار» البيروتية (لبنان) ومعن البياري سكرتير تحرير جريدة البيان الإماراتية، في دبي، وطه حسين رئيس القسم السياسي بجريدة «الشرق» القطرية، وسلطان القحطاني رئيس تحرير موقع إيلاف الالكتروني (لندن) وحسين حسن مدير التحرير والرصد بوكالة الأنباء القطرية وصالح نبهان المعمري رئيس تحرير صحيفة «الزمن» في مسقط بسلطنة عمان، وحاتم البطيوي مسؤول تحرير شؤون المغرب العربي بجريدة «الشرق الأوسط» اللندنية، وأماني ماجد، نائبة مدير التحرير في صحيفة الأهرام المصرية. سودانيون في المغرب.. جمعنا بهم أحمد المبارك لم نقم في مكان واحد كثيراً.. طفنا وتجولنا في المدن المغربية والأقاليم المختلفة، ولم التقِ بالأخ والصديق الدكتور أحمد المبارك، المستشار بسفارة السودان في العاصمة المغربية «الرباط»، وكنت قد التقيت به في مناسبة زواج ابني «مؤمن» في العشرين من يناير الماضي، ليتجدد اللقاء في «الرباط» ثاني أيام وصولي إلى هناك.. ونسبة لكثرة اللقاءات والمقابلات التي تبدأ صباحاً وتنتهي عند منتصف الليل عادة، اتفقنا على أن نلتقي في أمسية الثلاثاء الثاني عشر من فبراير وأن يكون هناك برنامج خاص بعيداً عن البرامج الرسمية، وقد كان. البرنامج نفسه كان مفاجأة بالنسبة لي، فعلى الرغم من زياراتي المتعددة للمغرب الشقيق، إلا أن معرفتي بالعاصمة «الرباط» تكاد تكون محدودة، أما «الدارالبيضاء» فازعم أنني ممن يعرفون بعض مسالكها ودروبها، إذ عملت ذات يوم في مؤسسة القدس الإعلامية، بالعاصمة الليبية «طرابلس» وكانت رئاسة المؤسسة في «الدارالبيضاء» في زنقة كامب توربان المتفرعة من شارع مولاي يوسف.. وقد بدأ عهد معرفتي بالمغرب منذ ذلك التاريخ أوائل العام 1990م، وزرتها بعد ذلك عدة مرات آخرها في العام 2009م عندما شاركت بدعوة من الحكومة المغربية في المؤتمر الدولي للطرق الصوفية في فاس.. وقبل ذلك في العام 2007م بصفتي نائباً لرئيس اتحاد الصحفيين السودانيين رفقة عدد من الزملاء هم الأساتذة الدكتور هاشم الجاز، رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات- وقتها- والفاتح السيد، الأمين العام لاتحاد الصحفيين السودانيين، والسموأل عوض السيد عضو المكتب التنفيذي للاتحاد. المفاجأة التي أشرت إليها كانت في الاجتماع بثلاثة سودانيين، من أصدقاء الدكتور أحمد المبارك، هم الأساتذة صلاح الأحمر، وحسن عثمان، وأمير العمرابي.. والأول من أبناء أسرة الأحمر المعروفة، وقد كان والده صديقاً للوالد رحمه الله منذ أيام وجودهما معاً في مدينة «ود مدني».. والثاني هو شقيق السيد رحمة الله عثمان وكيل وزارة الخارجية الحالي، بينما أمير العمرابي هو ابن وسليل العمراب وقريب أقرب الأصدقاء إلى نفسي، الراحل الأستاذ أحمد عمرابي، وشقيقه «محمد» وإخوانهما. إذن المفاجأة كانت من العيار الثقيل كما يسّوق الزملاء والأصدقاء أهل (أخبار اليوم) و(الدار) لبعض أخبارهم المميزة، وقد جلسنا بداية في كافتيريا بوسط البلد وجدنا عندها الثلاثة بعد أن انتقلنا إليهم من الفندق، ثم انتقلنا إلى أحد المطاعم السورية ويحمل اسم (المطعم الشامي) حيث تناولنا العشاء وأمضينا جزءاً كبيراً من الليل هناك. السودانيون الثلاثة صلاح الأحمر، وحسن عثمان وأمير العمرابي، من الذين درسوا في المغرب قبل سنوات، تخرجوا وعملوا هناك وتزوجوا واستقروا.. وأمثالهم كثيرون مع قلة عدد السودانيين هناك، إذ يبلغ عدد أبناء الجالية السودانية حوالي الثلاثمائة مواطن سوداني، نصفهم تقريباً من الطلاب الذين يدرسون هناك، والبقية تعمل في عدد من المرافق والشركات.. ومنهم من قضى أكثر من نصف عمره في المغرب، ومن بين أولئك زميلنا الصحفي الكبير الدكتور طلحة جبريل الذي نفرد له حيزاً خاصاً في الأعداد القادمة، لأن طلحة، حكاية قائمة بذاتها. عبد الإله التهاني.. المدير المحبوب نجم الرحلة والبرنامج، والدينمو الفعال في كل التحركات، كان هو الأستاذ عبد الإله التهاني، مدير الاتصال والعلاقات العامة، بوزارة الاتصال في المملكة المغربية الشقيقة، والذي كان يهتم بكل شيء، وبأدق التفاصيل، وكان حاضراً في كل لحظة وأمام كل من أراده.. أقام حيث أقمنا ولم يفارق أعضاء الرحلة حتى لحظة مغادرة كل منهم إلى بلده، ثم عاد بعد ذلك إلى مقر عمله في العاصمة «الرباط». الأستاذ عبد الإله التهاني نموذج (لموظف الدولة) الحقيقي الذي يلم بتفاصيل الأحداث، ويمسك بخيوط المعلومات، ويعرف المسالك والدروب المفضية للنتائج في كل الوزارات، وعندما تسأله عن توجهه السياسي يبتسم ويقول لك: (أنا مستقل).. ولكنني لا أحسب أنه مستقل.. بل هو مغربي وطني يُجمع على ما أجمع عليه كل المغاربة، رمزية الملك، إسلامية الدولة، والوحدة المغربية. والرجل في بدايات الخمسينيات، يتمتع بذهنية حاضرة ونشاط جم وملحوظ، رافقنا حتى في جولاتنا الخاصة داخل الأسواق، وكان نعم الأخ والمساعد والمعين.