السيد الأستاذ علي محمود.. وزير المالية والاقتصاد الوطني لك التحايا.. والوقار والود.. واليوم نقول وداعاً.. نطوي الرايات.. ونخرس البنادق.. فقد انتهت المعركة.. المعركة ليست معك شخصياً.. أبداً وقطعاً ومطلقاً.. أبداً لم تكن معك شخصياً.. ونحن سيدي لا نعتذر.. أيضاً أبداً وقطعاً ومطلقاً عندما تكون كلماتنا المكتوبة بأطراف أسنة وخناجر أو بأعواد مشاعل هي دفاعاً عن وطن جميل.. نأمل أن يظل جميلاً.. وعن شعب نبيل.. وهو أبداً وسيماً وعظيماً ونبيلاً.. نشهر سلاحنا والذي هو فقط أقلامنا.. ونرسل مدفعيتنا والتي هي فقط كلمات نستوحي فيها رقابة ضمائرنا.. ورقابة شعبنا وقبل هذا وذاك رقابة الخالق.. خاطبناك سيدي لأنك وزير مالية السودان.. وفي كل بلاد العالم يحمل أي وزير مالية في بلد منهك الاقتصاد شحيح الموارد يحمل «وش القباحة» نيابة عن الحكومة أو بالإنابة عن النظام.. لذا سيدي الوزير وفي الديمقراطيات الماهلة الرفيعة والرحيبة عندما يقدم وزير المالية موزانته واذا اسقطها البرلمان تكون الحكومة قد سقطت وحتماً وتلقائياً.. نحن سيدي لم نتهمك بالمسؤولية عن ذاك الشقاء الذي يتلظى فقراء الشعب بنيران أتونه المشتعل بالجحيم.. المسؤولية سيدي هي مسؤولية الحكومة بل دعني أكون أكثر افصاحاً وإبانة وهي الإنقاذ.. ودعني أيضاً أكون أكثر «فصاحة» لأقول وهي «المؤتمر الوطني».. أنت سيدي من نقل تفاصيل الأرقام المخيفة وناقل الأرقام ليس بصانع وتماماً كما إن ناقل الكفر ليس بكافر.. نعم نحن نحمل الحكومة تلك الموجة الهائلة من غلاء الأسعار وانفلات الدولار واستحالة العلاج.. وبؤس التعليم.. والدروب تنبهم أمام عيون شعبنا الطيب.. إن كان لنا عتاب واحد عليك هو تلك الصياغة الاستفزازية التي كسوت بها حال البلاد اقتصادياً.. أما غير ذلك فأنت تتحمل جزءاً ولو كان يسيراً أو خطيراً مع «إخوانك» ناس الحكومة.. وكلكم في المؤتمر الوطني أحبة وأخوة.. والآن سيدي.. أقول في ختام رسائلنا اليك.. إن التاريخ سوف يسجل بأحرف بارزة انه وفي عهدكم دولة البدرين إن الشعب السوداني قد بلغ به الفقر مبلغاً «ما ضاقو شعب وما أظن يضوقو وراءه بشر» وتصدق سيدي إن هذا الشعب الضعيف النظيف المترفع في غير خيلاء.. الواثق في غير كبرياء.. ابتدع الواناً من الطعام.. ما كانت تخطر على بال أكثر المتشاءمين خطراً وخطورة.. ابتدع «حلة» من أرجل الدجاج.. لا تذهب بخيالك بعيداً سيادة الوزير.. نحن لا نعني أفخاذ الفراخ.. تلك المكتنزة.. لأن هذه نمني النفس ونأمل في رحمة الواحد الأحد أن نأكلها هناك في الفراديس في الجنة حيث لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر.. الأرجل سيدي هو ساق الدجاجة الخشبية وأصابعها التي تمشي عليها.. وهي في صلابة الفولاذ.. وحتى تتسع دائرة معرفتك.. نهمس في أذنك إننا نسمي تلك الوجبة «أصبر».. وابتدعناها لأن الحاجة أم الاختراع.. ولأن الإبداع لا ينحدر من الأرحام إلا بعد الوجع والرهق والمعاناة.. ابتدعنا «أكلة» اسمها «كرسي جابر» وهي مصارين الدجاج «الواحدة دي» نعم مصارين تنظف وتغسل جيداً ثم تطهي.. «شفت كيف» ومازال سيل الاختراع يجري كما دموع البؤساء.. فقد إكتشفنا إن «رأس» الدجاج أيضاً يؤكل.. فصار هناك سوقاً وفي قلب الخرطوم تباع فيه هذه «الروسين» بعشرة قروش للرأس الواحدة.. مسكينة والله هذه الدجاجة فقد انتهكنا جسدها في غير رحمة.. وفي قسوة الوحوش.. ولكن أليست تلك الوحشية والقسوة خيراً ألف مرةٍ من الجوع. وقبل الوداع.. سيدي دعني أبدي دهشتي.. من «فرحك» وأنت تعلن إن نسبة التضخم قد انخفضت من46% إلى 43%.. ولتعلم سيدي أن أي وزير في الأرض وعندما يعلن أمام شعبه ان نسبة التضخم قد بلغت 10% يكون حزيناً كسيراً وجريحاً ويتبع ذلك باستقالة فورية.. وأعلم سيدي أن وزير مالية ياباني قد إنتحر بعد أن أبلغ شعبه إن نسبة التضخم قد بلغت 8%.. بالله شوف الكافر ده غشيم كيف.. سيدي نتمنى لك الصحة وطول البقاء.. ولكن أبلغ «إخوانك» في المؤتمر الوطني.. إن الحياة لن تسير على هذا المنوال.. وبما أنك تعرف كل أسرار الدولة أموالاً واقتصاداً أنصحهم بمنعرج وممرات النادي الكاثوليكي حتى لا يستبينوا النصح ضحى الغد.. مع السلامة