السيد الأستاذ علي محمود.. وزير المالية والاقتصاد الوطني تحايا وود وسلام واليوم نودعك فاليوم مسك الختام.. ختام حديثنا معك.ولكن قبل الوداع دعني أيضًا أهديك.. رائعة محمد المكي إبراهيم .. ذاك الفارس الجسور الدبلوماسي النبيل.. والذي وهبته كردفان الغرة أم خيرًا جوه وبره.. هدية للوطن.. وما أعظم وأجل الهدية عندما تكون هي حزمة.. من نبل وطهر.. وجسارة ومهارة وضاحة وسماحة يجسدها شبرًا.. شبرا (ود المكي) نهديك قطار الغرب.. ذاك الذي بكى البؤس والشقاء.. الجوع والحرمان والمسغبة.. وهو يطوي المسافات طيًا.. يبكي.. عند كل محطة.. ثم يبكي.. في حرقة عندما دخل الخرطوم التي وجدها تستحم بأضواء النيون.. واليوم لو عاد ود المكي وعاد قطاره لوجد الخرطوم.. تمامًا مثل كل شبر في الوطن تبكي من هول الجوع.. والفقر والإنهاك والتقشّف.. والقطار يقول.. دخلنا وادي الصبر.. كل الأشياء لها ألوان القبر.. الصبر.. الصبر.. الصبر الكوخ المائل لايهوي والشجر الزاوي ليس يموت.. والناس لهم أعمار الحوت.. أحياء لأن أباً ضاجع أمًا أولدها فأسا يشرخ قلب الأرض.. يجتاز كنوز الأرض ويبصقها دمًا لتظل البورصة حاشدة والسوق يُقام.. سيدي الوزير.. والله لو رسمت لك بالحروف.. لمحة من حياة المواطنين لتدفقت الدموع من عينيك أنهرًا وجداول.. لو حدثتك عن العيون التي أعشاها البكاء.. لغادرت موقعك فوراً.. تضامنًا مع هؤلاء البؤساء.. لو أخبرتك بأن شعبك.. بات يأكل وجبة واحدة.. بائسة وفقيرة.. بل وحقيرة كل يوم لخرجت بسيفك متأملاً كل إخوتك في الحكومة.. وصنّاع الأمر والقرار في المؤتمر الوطني.. لو عرفت أن صبايا الوطن.. اللائي أتين من أقاليم الوطن الحبيب للجامعات بالخرطوم.. يقدم لهن الصندوق بل (يجدع) لهن الصندوق خمسين جنيهاً عند كل شهر (يعني) ( اليوم جنيه ونص) لو عرفت ذلك لنفضت يدك من أي مسؤولية.. تكون هولاً ورعباً في يوم الحساب الذي لاينفع فيه ندم ولا اعتراف.. سيدي.. نحن لن نتقشّف لأن أي تقشف أكثر من هذا يُدخلنا مباشرة في مربعات ودوائر الانتحار.. وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق.. وحقنا لديكم مهدور وسليب ومهضوم. تقشّفوا أنتم.. ناس الحكومة.. ولنبدأ بالوزراء كل الوزراء.. قطعاً نحن لا شأن لنا بمنازلكم القلاع.. بل القصور والضيعات.. لا شأن لنا بالترف الأسطوري الذي يتمرغ فيه المسؤولون.. بل نقول في تسليم اللهم زد وبارك.. حتى لا تقولوا لنا (ماذا يعمل الحاسد مع الرازق).. نتحدّث عن مباني الوزارات (المجلدة) بالبيرسول المفروشة بالموكيت.. المزروعة في قلب الوطن (كتاج محل) والتي تمد لسانها ساخرة من (بفرلي هيلز) ضاحكة من بؤس (إمارة موناكو).. ارفعوا من اليوم في كل لقاء وزاري ارفعوا فورا موائد (هارون الرشيد) وعودوا كما بدأتم (بالبلح وفول الحاجات). نأتي إلى السيارات لا تطأ أقدام أي وزير منكم غير سيارة واحدة شريطة أن تكون (جياد) ولا نُطالبكم بنهج وزراء الصين الذين يأتون الى وزاراتهم بقطارات الركاب.. وأحيانًا بالعجلات.. تعالجوا في المستشفيات الحكومية مثلنا.. ومن يلتمس مستوصفًا خاصًا عليه بذلك ولكن من مرتبه.. تنازلوا طوعًا لتكونوا لنا القدوة عن منحة (بدل اللبس) وبالله عليكم لماذا كم مليون جنيه (لبدلتين) أو جلابيتين وشالين وعصاية واحدة.. بل ما فائدة (الماهية) إن لم تؤمن لكم ما تلبسون؟ وهل أطلب منكم في (جن كلكي) أن تتوافقوا على تخفيض مرتباتكم بنسبة % 10 فقط دعمًا للخزينة وتضامناً معنا في محنتنا الاقتصادية .. ولعلم سيادتكم فإن ملكة بريطانيا قد ألغت حفلاً ظل يُقام في قصر (بكنجهام) لمئات السنين وهو حفل عيد ميلادها تضامناً مع مواطنيها وهم يجابهون آثار الزلزال المالي.. صحيح أنه لا يُقدم ولا يُؤخر في ميزان الدولة المالي.. ولكن تبقى رمزيته في ذاك التضامن الحميم مع أبناء شعبها.. وبالمناسبة فقد قام البرلمان البريطاني مؤخرًا بتقليص مخصصات الملكة المالية وكانت فخورة وسعيدة بذلك.. سيدي الوزير.. هل تراني أحلم أم هي طوباوية مقيتة ومثالية حالمة وهيجلية بائسة أم هو رجاء وأمل.. أمل في المستحيل أم تراني أطالب بمعجزة في زمن عزّت فيه المعجزات أم يتدفّق دم الأمل في أوردتي مرددًا منشدًا في مرح وتفاؤل ولهفة البتمنى ودي هدية من الله.. والله بدي الجنة.. وداعًا ولك احترامي.