نواصل الحديث في هذه الحلقة، حول الورقة التي قدمتها في مستهل الورشة التدريبية لمنسوبي الأمانة العامة للمجالس التشريعية القومية والولائية، التي أقامت مجلس الولايات الأسبوع الماضي. ü ركزت الورقة على الدور الحيوي لسكرتارية اللجان المتخصصة أو الدائمة، وفي مقدمتهم مقرري اللجان، المناط بها مساعدة أعضاء اللجان في تأدية مهامهم الدستورية في مجاليَّ التشريع والرقابة، وذلك عبر حزمة من الواجبات الإدارية والفنية، تشمل التحضير للاجتماعات، وتوجيه الدعوة لها، تحت إشراف رئيس اللجنة، وتسجيل المحاضر بما فيها من مقررات وتوصيات، ومساعدة الرئيس في اعداد التقارير، والاتصال بالجهات الخارجية ذات الصلة بعمل اللجنة، والقيام بالبحوث والدراسات وجمع المعلومات، ثم متابعة مداولات المجلس حول تقارير اللجنة، ورصد الملاحظات، والتعليقات عليها، علاوة على أية تعديلات تُجرى على النصوص المقترحة من اللجنة. ü وقلنا في الورقة المعنية، إن نجاح اللجان البرلمانية يعتمد كثيراً- ضمن عوامل أخرى- على مقدرة ونشاط وخبرة وكفاءة هؤلاء المقررين، فالمجلس لجنة واللجنة رئيس ومقرر. هذا الدور المحوري لمقرري اللِّجان البرلمانية، دفع أصحاب القرار في الماضي، إلى التدقيق في الإختيار والتريث في الإنتقاء، وكما هو معروف فقد جرى العمل حتى وقت قريب على الإستعانة بإداريين من الحكم المحلي للعمل كمقررين للجان الدائمة، ويعود إختيار هؤلاء الإداريين إلى مصادفة تاريخية، إذ كان المرحوم د. جعفر محمد علي بخيت المفكر والمنّظر المايوي الشهير، رائداً لأول مجلس شعب مطلع سبعينيات القرن الماضي، ولصلته القوية بوزارة الحكم المحلي، وسلك الضباط الإداريين، إصطفى أول مجموعة مقررين منهم للعمل بالبرلمان، ثم إستمر ذلك التقليد فترة طويلة، تولى خلالها شأن إدارة اللجان نخبة مقتدرة من هؤلاء الاداريين، وفي الخاطر أسماء كفاءات مثل محمد بن إدريس، ومحمد عبد الحليم حاج علي، والمرحوم عبد الرحمن حوبات، ومحمد حاج التوم، وعمر البشير الحسن، وبهاء الدين سيد علي، وحسين شرف الدين، وحسن إبراهيم محمد، والإستثناء الوحيد لشغل المواقع من غير الاداريين، كان منصب مقرر أو سكرتير لجنة التشريع والشؤون القانونية، الذي ظل حكراً بطبيعة الحال للقانونيين، لذا تعاقب عليه وعلى موقع المستشار القانوني قانونيون في قامة مولانا زكي عبد الرحمن، ومحمد نور الدين الطاهر، وعباس إبراهيم النور ثم شخصي الضعيف. ü عودة.. أو إفاقة من هذه (النوستا لجيا) أو الحنين إلى الماضي الجميل، إلى ورقة العمل موضوع هذه الحلقة، فقد تضمنت بعض النصائح للجيل الحالي من مقرري اللجان، هي في الواقع ثمرة ونتاج تجارب طويلة وممارسة عريقة. ü أول هذه النصائح، ضرورة الإلمام العميق، بالنصوص ذات العلاقة بعمل المجلس حرفاً وروحاً سواء أكانت في الدستور أو القوانين أو اللوائح، فهي المدخل إلى تجويد الأداء وإتقانه. وثاني الموجهات، الإعداد الجيد لجلسات السماع، التي تعقدها اللجان لمناقشة الموضوعات المختلفة، وتدعو لها المختصين، والمهتمين، والمتأثرين بالقضية، ذلك لأن هذه الجلسات هي المعين الوفير، والمصدر الرئيس، للمعلومات، والحقائق، والاحصائيات، ولوجهات النظر المختلفة، والتي تشكل المادة الخام للتقرير، وكلما كان التقرير غنياً بالبيانات، كلما زادات قيمته وثقلت موازينه، وبهذه المناسبة فلقد عُرِّف عن الأستاذ بدر الدين سليمان القانوني الضليع، والسياسي المحنك- إبان رئاسته للجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني الانتقالي في مطلع تسعينيات القرن الماضي- عنايته الفائقة بمستوى التقارير التي يقدمها من حيث اللغة والأسلوب والمحتوى، وكان بعضها تحفاً نادرة من الأدب البرلماني الرفيع. ü ومن الوصايا المهمة للجيل الجديد، من منسوبي الأمانة العامة للبرلمان، تفهم المقرر لحدود وظيفته الفنية البحتة، دون تدخل في الشأن السياسي المعني به السياسيون من أعضاء اللجنة، وأن يحتفظ دائماً بالمسافة المعقولة بين السياسي والتكنوقراط. ü ومن الضرورة بمكان، التنبيه إلى حساسية موضوع مراعاة الإختصاص، فلا يجوز للجنة أن تتغول على صلاحيات غيرها، ولا يُقبل أن ينزلق الأعضاء إلى الغوص في صميم الأعمال التنفيذية المناطة بالجهاز التنفيذي، كما يتعين مراعاة الخطوط الفاصلة بين الصلاحيات القومية، وتلك الولائية، أو المحلية، والتذكر دائماً بأننا في بلد يحكم بنظام حكم فدرالي لا مركزي. ü ومن أبجديات كتابة التقارير، أن تعبر هذه الوثائق بدقةٍ وأمانةٍ عن رؤى أعضاء اللجنة ومواقفهم، ومن العدل أن تثبت في صلب التقرير الآراء المخالفة لوجهات نظر الأغلبية، اذ من حق أصحاب هذه الآراء المرجوحة داخل اللجنة، الإحتكام إلى عضوية المجلس كله، فربما لقيت تجاوباً ودعماً يقلب الأوضاع ويحيل الأقلية إلى أغلبية. ü ومن الواجب، أن ينبه المقرر أعضاء اللجنة خاصة حديثي العهد بالعمل البرلماني إلى مراعاة أحكام اللائحة عند التداول في اللجنة، بألا يتطرقوا إلى أمرٍ أمام القضاء أو النيابة أو لجان التحقيق، وألا تتعجل اللجنة في اصدار الأحكام والاتهامات دون تثبت، وألا يمس التقرير اشخاصاً ومؤسسات ليست مسؤولة مباشرة أمام المجلس، خاصة موظفي الخدمة المدنية، الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم أمام المجلس، فمساءلتهم إنما تكون عبر الوزير المختص. ü وآخر الوصايا أن تظل أعمال اللجان سرية- في المواضيع ذات الخطورة والحساسية- لا يسمح لغير رئيس اللجنة أو من يفوضه- بالادلاء بتصريحات عنها للاعلام، كما ينبغي دائماً عدم الخلط بين الآراء الشخصية للعضو وبين الموقف الرسمي للجنة أو المجلس.