بدعوة كريمة من لجنة التشريع والعدل، شاركت الإسبوع الماضي في دورة تدريبية، أقيمت بمقر المجلس الوطني، كان الغرض منها بناء قدرات السادة أعضاء المجلس، في مجال الممارسة البرلمانية والعمل التشريعي الرقابي. ü قدمت في الدورة التي استمرت ليومين كاملين، أوراق مهمة تتعلق بالسلطات الثلاث في الدولة، والمهام التشريعية للبرلمان، ودوره الرقابي، والتدابير الخاصة بإجازة الموازنة العامة للدولة، وأخيراً لائحة تنظيم أعمال المجلس. ü ولقد أعد هذه الأوراق واضطلع بتقديمها علماء ومتخصصون في هذه المجالات، وهم وفق الترتيب الزمني للجلسات د. حسن حاج علي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم، ود. جلال محمد أحمد الأمين العام السابق للمجلس الوطني، الأمين العام الحالي للمفوضية القومية للانتخابات، د. بابكر محمد توم نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس، وشخصي المتواضع. ü استهدفت الدورة قرابة الأربعين عضواً من أعضاء المجلس، جلهم من أعضاء لجنة التشريع والعدل، مع تمثيل رمزي لباقي لجان المجلس الدائمة. ü تميزت المداولات بالحيوية، والموضوعية، وطرحت آراء وأفكار ذات مستوى راق، كما اتسم الحوار الثر بالشفافية والوضوح، ولم يتردد الكثير من المشاركين، خاصة العضوات، في إثارة نقاط جديرة بالتأمل، وبأسلوب لا تنقصه الجرأة و الشجاعة الأدبية. ü آخر جلسات الدورة، خصصت لمناقشة الورقة التي أعددتها بشأن أحكام لائحة تنظيم أعمال المجلس الوطني لسنة 2010م، ولقد ترأس الجلسة وأدارها بحنكة وحكمة عضو المجلس ولجنة التشريع، السيد أحمد الصالح صلوحة، وعقب على الورقة الأستاذ الشيخ عثمان القانوني الضليع والمستشار القانوني للمجلس، علاوة على مداخلات مهمة من الأخ الفاضل الحاج سليمان رئيس اللجنة والأستاذة تهاني تور الخلاء نائبة، ولفيف من أعضاء المجلس من مناطق السودان المختلفة، والذين اسهموا بقدر وافر في إثراء النقاش وعكس تجارب عملية، وطرح جملة من التساؤلات، والملاحظات القيمة، تركزت بصورة واضحة على الثغرات التي افرزتها التجربة الواقعية، ونقاط الضعف في الممارسة البرلمانية بوجه عام. ü ونسبة لأهمية القضايا التي سلط عليها الضوء في ذلك الحوار الصريح والجاد، رأيت تعميماً للفائدة أن أتناول بعض هذه القضايا في حلقات متوالية عبر هذا العمود الصحفي الاسبوعي. ü وقبل الدخول في صلب الموضوعات التي حظيت باهتمام المشاركين، يتعين إعطاء فكرة عامة عن لائحة المجلس محور النقاش، والسمات العامة لهذه اللائحة وثقلها القانوني والتنظيمي. ü لائحة تنظيم أعمال المجلس، أو النظام الداخلي للمجلس، هي مجموعة القواعد القانونية التي تحكم أعمال ونشاط البرلمان وتنظمه، ورغم غلبة الطابع الاجرائي على اللائحة، إلا أنها وفي مواضع عديدة انطوت على أحكام موضوعية بحتة. ü المعروف أن السودان، لم يأخذ بما عليه العمل في الكثير من الدول الأخرى، حيث يوجد قانون للهيئة التشريعية يمثل حلقة وصل بين الدستور واللائحة، لهذا فإن النصوص ذات العلاقة بأعمال المجلس توجد فقط في الدستور واللائحة، وهذا يعني أن اللائحة البرلمانية في السودان تلي الدستور مباشرة، الأمر الذي يضفي عليها قوة وثقل قانوني غير معهود في باقي اللوائح وضروب التشريع الفرعي. ü ولقد عرفت بلادنا اللوائح البرلمانية منذ عهد الجمعية التشريعية (1948)، مروراً بجميع المؤسسات النيابية المتعاقبة، البرلمان الأول والثاني (1954- 1958)، والمجلس المركزي (1963)، والجمعية التأسيسية الأولى (1965)، والثانية (1968)، والثالثة (1986)، ومجالس الشعب المايوية (1972- 1985). ثم المجلس الوطني الانتقالي (1992)، والمجلس الوطني الأول (1996)، وحتى المجلس الحالي (2010- 2012). ü طيلة هذه الفترة، نلاحظ أن الجهات المناط بها إعداد اللائحة وإصدارها، كانت إمّا رأس الدولة أو رئيس البرلمان أو البرلمان نفسه، وفي كل الحالات كان البرلمان يملك الحق في تعديل اللائحة وفق إجراءات خاصة، مختلفة بعض الشيء عن إجراءات تعديل القوانين. ü عقب توقيع إتفاقية السلام الشامل وتقنينها في دستور السودان الانتقالي الحالي لسنة 2005، وحيث أن البلاد تتبنى الآن نظام الثنائية التشريعية (مجلس وطني + مجلس ولايات)، فقد نصت المادة (96) من ذات الدستور على حق كل من مجلسي الهيئة التشريعية القومية، في اصدار لائحته الخاصة، بمبادرة من رئيسه. ü محتويات اللوائح البرلمانية السودانية متشابهة بوجه عام، مع اختلافات يسيرة في التفاصيل هنا وهناك. ü جميع هذه اللوائح، درجت، بعد مادة التفسير، على النص على قيادات المجلس، واختصاصاته، ومقره، ونصاب إنعقاده، وإجراءات الانعقاد، وشؤون العضوية، من حصانات وامتيازات، وحضور وغياب، واسقاط للعضوية. ü بيد أن أهم ما في هذه اللوائح، هو الأحكام المتعلقة بالتداول وإدارة الجلسات، وتوزيع فرص الكلام، وحسم نقاط النظام، وتقديم الاقتراحات، والتعديلات وقفل باب النقاش والتصويت وإتخاذ القرارات. ü كذلك درجت اللوائح على تفصيل التدابير التشريعية ومراحل إجازة القوانين، علاوة على الإجراءات الرقابية من اسئلة وطلب بيانات، ومسائل مستعجلة، واستجواب وطرح ثقة، وتحقيق وتقصي حقائق. ü ومن المسائل ذات الأهمية القصوى مراحل نظر وإجازة مشروع الموازنة العامة، والتصديق على المعاهدات الدولية، والنظر في إعلان الحرب والطواريء، وإقرار الخطط الإستراتيجية للدولة، وإصدار القرارات في الشؤون العامة. ü ولما كانت لجان المجلس الدائمة هي أدوات المجلس الفنية وقلبه النابض، فقد اعتادت اللوائح على تسمية هذه اللجان، وتحديد اختصاصاتها ووصف إجراءاتها. في الحلقات القادمة نواصل بإذن الله