لقد انتفضتُ وقلت لمن حولي: 28 عاماً مرت على انتفاضة السادس من أبريل في العام 1985م ؟! معقول؟ قلت وغنيت في أسى: كبرنا وكبرت أحزانا.. وسكت بعد ذلك عن بقية المقطع الذي يقول «وإنتو زدتوا حلا. معادلة غريبة وأنا اتأمل المشهد الماثل الآن الانتفاضة هي الثورة السودانية الثانية على انقلاب عسكري وشمولي.. والآن في دفتر وطن ثلاث تجارب انقلابية شمولية!! الأولى نوفمبر وهذه المتهم الأساسي فيها حزب الأمة لأنه قام بتسليم الحكم طواعية و «مكايدة» في الآخرين للجيش.. والثانية«مايو» المتهم فيها الحزب الشيوعي واليسار... و«30 يونيو» المتهمة بتدبيرها الجبهة الإسلامية القومية التي تحولت لاحقاًَ للمؤتمر الوطني الذي لا زال يحكم حتى الآن باسم الإنقاذ رغم جريان كثير من المياه تحت هذه اللافتة أو «الجسر». إذن كل هذه التجارب الشمولية من الحكم لا يتحمل وزرها الجيش وحده.. فالمسؤولية موزعة بين قوى «اليمين» والوسط و «اليسار».. كل هذه الألوان استنفذت حصتها من التجريب العشوائي والقفز فوق أسوار المنطقة العسكرية لانتزاع السلطة عنوة.. ورفع شعارات جاذبة وبراقة للحكم وبعد برهة من الزمن والتجريب الذي يتحمله الشعب على مر الدهور ليكتشف الجميع أن سلك الجيش ليس هو الأداة المثلى الموصلة لكهرباء الحكم «الحلم» الذي يتطلع إليه المواطن في بلاده!! في حديثه ل«آخر لحظة» قال اللواء فضل الله برمة قائد منطقة بحري العسكرية إبان انتفاضة أبريل وعضو المجلس العسكري الانتقالي في شهادته للأحداث إن انتفاضة الشعب السوداني جاءت تلبية لرغبة بأن تكون له عزته وكرامته.. وكان يتطلع لبناء وطن تسوده الديمقراطية ويعمه السلام والأمان وحكم القانون والتداول السلمي للسلطة.. كما هي ذات المطالب الآن ولهذا شبهنا الليلة بالبارحة. يقول سيادة اللواء إن هناك تعتيماً مقصوداً ضربته الإنقاذ على مثل هذه الثورة.. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل الإنقاذ وحدها دست محافير الكشف عن الحقيقةوالتاريخ أم أن التهمة تطال آخرين؟! بعد الانتفاضة سرت كلمة «سدنة» وكانت مقياساً أو ميزاناً أو دورقاً سمه ما شئت لقياس مدى توافر النقاء الثوري والنضالي في دماء الأحزاب والساسة.. وهل غرست مايو فيروسها المعدي في تلك الأجساد؟! ويا للهول فقد كانت النتيجة كارثية فكل القوى السياسية من أقصى اليمين واليسار شاركت في مايو بصورة وبأخرى!! أما الآن فإذا أخذنا عينات من دم هذه القوى السياسية واأخضعناها لذات التحليل فإن النتيجة تكاد تكون مقاربة لذات النتيجة السابقة على الأقل بالنسبة لحزبي الأمة والاتحادي اللذين يتواجدان الآن بصورة لا تقبل «التغبيش» داخل القصر الجمهوري!! ألم تكن تهتف الجماهير في اأكتوبر وأبريل قائلة: إلى القصر حتى النصر!! الآن إذا أعاد التاريخ نفسه وذهبت الجماهير إلى هناك فإنها ستجد نجلي «الصادق» و«الميرغني» داخل القصر يحكمان السودان مع المؤتمر الوطني. في ذكرى أبريل أقول كلمتي: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر!! أغلب الأحزاب «بخطيئة».. المطلوب التوبة النصوحة والرجوع للشعب صاحب الحق .. سيد الجلد والرأس.