ثمانية وعشرون عاماً مضت على انتفاضة السادس من أبريل السودانية، والتي تعتبر ثاني انتفاضة شعبية ضد أنظمة عسكرية دكتاتورية، مرت على تاريخ السودان.. أسباب اندلاعها وظروف اشتعالها وتضافر عوامل قيامها الداخلية والاقليمية والدولية وتفاصيل أحداثها في العشرة أيام ما بين مارس وابريل، وانتصارها ومآلاتها السياسية، بعد الفترة الانتقالية للمجلس العسكري وتسليم قائده سوار الذهب السلطة للحكومة المنتخبة، ودور القوات المسلحة وموقفها، وكل هذه المحطات التاريخية يقرأها لنا اللواء معاش فضل الله برمة ناصر قائد منطقة بحرى العسكرية إبان الانتفاضة وعضو المجلس العسكري الانتقالي الذي حكم لمدة سنة بعد السادس من ابريل.. اللواء برمة يشهد على الأحداث ويقول أنا شاهد شاف كل حاجة، بل شارك وساهم في الأحداث.. لنقرأ التفاصيل... انتفاضة السادس من ابريل 1985م والذكرى الثامنة والعشرون ماذا تعني لك وكيف تقرأها من الذاكرة العسكرية؟ انتفاضة السادس من ابربل 1985م والاحتفال بالذكرى الثامنة والعشرين من عمرها الخالد في وجدان الشعب السوداني، والجيل المولود في الانتفاضة هم الآن الشباب الحاضر والجيل الذي قاد الانتفاضة من المفترض أن يكونوا قادة العمل الديمقراطي إذا سارت الأمور عقب الانتفاضة، كم هي من حيث الممارسة الديمقراطية النزيهة لكن للأسف التعتيم المقصود الذي ضربته الإنقاذ على مثل هذه الثورات، حرم هذه الأجيال الجديدة من الإلمام بتاريخهم ومرحلة مهمة منه لهذا السبب نتحدث عن ذاكرة تلك الأحداث للتوثيق والمعرفة لهذه الانتفاضة، التي كنا فيها شهود عصر بل فاعلين في لحظتها المواتية، كقيادات عسكرية للمناطق الخمس بالخرطوم، بالتنسيق مع القيادة العليا للجيش السوداني، وهنا أشير الى أن حديثي كشاهد هو نفض لغبار النسيان وتوضيح وجلاء لصدائها وقول الحقائق، وذلك عبر محطات أساسية لأن انتفاضة ابريل مجلد كبير وسفر ثوري شعبي.. وهنا أنا كقائد عسكري لمنطقة بحري العسكرية، عشت تلك الايام العشرة منذ اشتعال الإنتفاضة يوم 26 مارس الى أن أعلنت القوات المسلحة بيانها في صبيحة السادس من ابريل بانحيازها للشعب، وانتهاء حكم النميرى.. إذن ماهي تلك المحطات التي كانت أبرز معالم انتفاضة السادس من ابريل فى نظركم؟ كما قلت إن الانتفاضة مجلد كبير لكنني وضعت خمس محطات أساسية يمكن الوقوف عندها.. أولها لماذا فجر الشعب السوداني انتفاضته ضد حكم النميري والمحطة الثانية الأسباب الداخلية والاقليمية والعالمية والتي مهدت للانتفاضة، والمحطة الثالثة دور العناصر الطلابية والنقابية والعسكرية في نجاح الانتفاضة، والحراك السياسي الذي قامت به، والمحطة الرابعة فهي انجازات واخفاقات الانتفاضة، أما الأخيرة والخامسة فقد جعلتها الدروس والعبر المستفادة من الانتفاضة... وقبل الدخول في هذه المحطات أبدأ وأقول ما أشبه الليلة بالبارحة، لأنني اتحدث اليوم بلسان شاهد شاف كل حاجة، مش شاهد ماشافش اى حاجة.. مقاطعاً.. هل تعني أن الظروف اليوم تشابه تلك الظروف التي صاحبت الانتفاضة وأنت الآن ترى ذات السيناريو والأسباب؟ - ما أقصده أن الظروف لم تتغير بعد كل هذه السنين.. فمايو قامت عبر سطوها على السلطة الشرعية أثر انقلابها المعروف في 1969م وكنت برتبة الرائد في عمر وموقع أتاح لي فرصة الرصد والمتابعة لكل الأحداث، وقامت الانتفاضة وأنا برتبة العميد، ومن الذين شاركوا في اتخاذ قراراتها .. إذا شاهدت اليوم لك فهي للتاريخ بدون اي حواشي أو رتوش، وكما قلت هي شهادة شاهد شاف كل حاجة... لذلك أقول «ما أشبه الليلة بالبارحة» فهنا أرجع الى المحطة الأولى، وهي السؤال الضروري عن لماذا انفجرت الانتفاضة وما هي الأسباب!! وكيف بدأت وماهي الأهداف التي كان يتطلع اليها الشعب السوداني... الإجابة عن هذه الأسئلة تتلخص في أن الانتفاضة للشعب السوداني جاءت تلبية لرغبة في أن تكون له عزته وكرامته، وكان يتطلع لبناء وطن تسوده الديمقراطية ويعمه السلام والأمان وحكم القانون والتداول السلمي للسلطة، كما هي ذات المطالب الآن، ولهذا شبهنا الليلة بالبارحة.. واذكر أن البودار الأولية لتحريك الناس للانتفاضة كانت زيادة السكر، ورغم الغاء الزيادة من حكومة نميرى، غير أن الشعب لم يهدأ أو يتوقف، لأن السكر لم يكن قضية حينها، بل كانت شرارة لنار كبيرة كانت كامنة في صدور السودانيين الذين صبروا طويلاً على إهانة كرامته، فثار الشعب السوداني للتخلص من الكبت والظلم والدكتاتورية المتمثلة في حكم الفرد، والغاء دور الأخيرين وللفساد والفشل الاقتصادي الذي ضرب البلاد، فالشاهد أن الشعب استمر في انتفاضته رغم تراجع الحكومة في تسعيرة السكر، لكن البركان انفجر وكانت أحداث حرق جمعية ود نميرى التعاونية من تحرك طلاب جامعة أم درمان الإسلامية في يوم 26 مارس، وصاحب ذلك جميع الجامعات بل حتى طلاب الأساس.. هذا عن الأسباب الداخلية ماذا عن الأسباب الاقليمية والدولية التي كانت تحيط بحكومة النميري؟ - مايو التي بدأت حياتها.. يسارية ثم ناصرية ثم تحولت بعد أحداث 1971م المعروفة بالحركة التصحيحية لهاشم العطا، تحولت الى يمنية رأسمالية، ثم جاءت وختمت تاريخاً بالقوانين المدعاة قوانين سبتمبر الإسلامية.. وهذا دليل على أن مايو لم تقدم على فكر سياسي، ولم تكن ثورة شعبية بل هي محض انقلاب عسكري، لأن الثورات تقوم على أفكار.. ومايو منذ بدايتها تصدت لها كل العناصر الوطنية رفضاً لتوجهاتها وأفكارها السياسية التي كانت حمراء، فكانت أحداث ود نوباوي وأحداث الجزيرة أبا، ومن ثم قيام الجبهة الوطنية وأحداث شعبان للطلاب في جامعة الخرطوم سنة 1972م وأحداث 1967م، والتي يتحدث عنها الناس ويسموها بأحداث المرتزقة، ولكنهم كانوا قوى الجبهة الوطنية المعارضة، وهي القوى المدنية الحزبية السياسية.. أما داخل القوات المسلحة فهناك (14) محاولة انقلابية عسكرية للتخلص من نميري ابتداءً من الحركة التصحيحية لهاشم العطا وحركة حسن حسين، محاولة محجوب برير، وكذلك محمد نور سعد ، ومزمل سليمان غندور، وسعد بحر، وكلها حركات انقلابية لم تنجح ضد النميري.. أضف الى ذلك أن مايو تنكرت لأهم انجازاتها وهي اتفاقية السلام مع القوى الجنوبية والمعروفة باتفاقية اديس ابابا، وهي كانت أكبر إنجاز، ولكن نميري تنكر لها وعاد بالجنوب الى الاقاليم الثلاثة، بعد أن كان الجنوبيون يريدون الاقليم الواحد، وهذا ما دفع الى تمرد الكتيبة (105) في بور، وكانت الشرارة للتمرد الذي قاده جون قرنق لاحقاً. مقاطعاً.. هناك سؤال لماذا تراجع نميرى عن اتفاق اديس ابابا رغم ما احدثته الاتفاقية من سلام امتد لسنوات وأوقف الحرب؟ - اعتقد أن النميرى كان يعتقد أن الجنوبيين كلهم معه في رؤيته لحكم الجنوب، وهذا هو الخطأ الاستراتيجي في التفكير، لأنه بطبيعة الحال هناك أصوات معارضة منذ البداية حتى اتفاق اديس ابابا، لكنها كانت أقلية، وكان هناك انشاق جنوبي، وليس جوزيف لاقو وحده، فهناك آخرون انشقوا بعد خلافات سياسية فيما بينهم، فرأى النميرى أن يقسم الجنوب الى ثلاثة اقاليم لينهي المشاكل الداخلية للجنوبيين، ولكنه عقد القضية أكثر.. وأيضاً كان هناك اتجاه قوي نحو تقرير المصير للجنوب عند بعض السياسيين الجنوبيين، وحينها لم تكن هناك قوانين سبتمبر التي ادخلت لاحقاً كسبب في الخلاف واعتقد أن السبب سياسي وأثني وقبلي، وهو الذي جعل الحرب تشتعل.. ثانياً وينهار اتفاق أديس أبابا بعد قرار النميري الخاطيء، والذي إذا لم يكن لما وصلنا الآن للانفصال بعد تراكم الخلافات وتطورها المعروف. نرجع للأسباب الداخلية والخارجية والتي أحاطت بالنظام المايوي وساهمت في انهياره ومهدت للانتفاضة؟ - نعم إضافة الى ما ذكرناه من أسباب لا ننسى العامل المهم وهو الاقتصاد، وتدهور الأوضاع المعيشية والخدمات، من تعليم وصحة وكهرباء ومياه لدرجة أن هناك أغنية ساخرة يقولها الناس «الموية جاءت املوا الباغات قبال ما الكهرباء تقطع»، وهكذا صور تعكس مدى سوء الأوضاع المعيشية المتدهورة، كذلك المجاعة التي ضربت البلاد خاصة في اقليم دارفور وكردفان، وذلك في سنة 1984م و1985م.. وعندما قامت الانتفاضة كان التعداد والمعلومات تشير الى أن هناك مائة شخص يموت في اليوم، وأيضاً تأثير قضية الفلاشا وارتباط الشعب السوداني بالقضية الفلسطينية، واعتبر أن نظام مايو تجاوز الشعب في ذلك، وهزم المشروع الوحدوي العربي ضد اسرائيل والاستيطان.. مما أغضب الشعب السوداني كذلك مناورات النجم الساطع، ومنح النميري للاميركان موقعاً، وكذلك موافقة النميري على اتفاق كامب ديفيد، وكذلك إعدام المفكر محمود محمد طه وهو في العمر السبعيني، والذي لا يمكن إعدامه اعتباراً لسنه، وثانياً لمجرد أفكاره، مما حرك الشعب أيضا وزاد من غضبه، وكذلك من الأسباب عدم التزام النميري ببنود اتفاقية اديس ابابا مع الجنوب، مما فتح جبهة الجنوب ثانياً.. وكذلك المصالحة الوطنية مع المعارضة.. وجاءت الطامة الكبرى المتمثلة في قوانين سبتمبر، وتنفيذ ما سمي بالعدالة الناجزة، وتقطيع أيادي الناس، كلها أسباب داخلية حركت الناس.. وأما بالنسبة للمستوى الإقليمي كانت هناك سياسة التمحور والاستقطاب السياسي، فكان هناك محور طرابلس، وفيه عدن، واديس ابابا، وكانوا ضد النميري، وهم القذافي ومنقستو والقذافي بعد الانتفاضة، عندما زرته تحدث لي عن دعمه لجون قرنق عسكرياً ضد النميري، ولهذا كانت سياسة الاستقطاب المقابلة لها هي الخرطومالقاهرة تشاد كمحور مناوىء، وهذه هي الصورة على المستوى الاقليمي.. أما على المستوى العالمي، فنجد أن أمريكا لعبت أيضاً دوراً فهي التي ساندت النميري عندما توجه اليها، ولكنها قلبت له ظهر المجن عندما أقر قوانين سبتمبر الإسلامية، واعتبرته تهديداً إسلامياً لنفوذها.. وأيضاً تداعيات الحرب في الجنوب على عمليات التنقيب للبترول من الشركات الاميركية «شيفرون» وتوقفها جعل من الموقف الاميركي ضد نظام النميري... بعد كل هذه الأسباب التي تجمعت ماذا عن عناصر نجاح الانتفاضة نفسها من طلاب ونقابات وأحزاب وقيادات عسكرية وكيف أجمعت على قرار اسقاط نظام مايو في انتفاضة شعبية سليمة؟ - صحيح أن ذلك ما حدث، وهو تضافر كل هذه العناصر التي ذكرتها من الشعب السوداني ممثلاً في طلابه ونقاباته المختلفة الطبية والمحامين وأساتذة الجامعات والأحزاب وأخيراً القيادات العسكرية التي انحازت للشعب.. ولذلك أقول إن انتفاضة مارس ابريل شارك فيها كل الشعب، وقد أجمعت إرادة القوى النقابية والطلابية والقوى السياسة الحزبية والديمقراطية والعسكرية على ضرورة التحويل الديمقراطي وإنهاء الحكم الدكتاتوري للنميري... مقاطعاً.. عفواً سيدي اللواء هناك من يوصف انتفاضة ابريل بأنها ثورة الشماسة؟ - انتفاضة مارس ابريل هي ثورة الشعب السوداني بكل فئاته، وبعدين الشماسة ديل مش هم سودانيون برضو ولا جايين من دولة تانية!! هذا ولا ننسى أنهم بقوا في هذا الوضع نتيجة للنزوح بسبب الحروب والمجاعة إذ لهم أسبابهم التي تجعلهم غاضبين على الأوضاع والنظم، ولكن أقول إن هذا مجرد حديث انصرافي للتقليل من الانتفاضة التي قامت بفعل الشعب كله ضد الظلم والدكتاتورية، وانحاز لها الجيش السوداني- كما في اكتوبر العظيمة- وهذا يسجل للشعب السوداني في التاريخ الذي قام فيه بثورات شعبية مسالمة ضد أنظمة دكتاتورية كما حدث الآن بما يسمى بالربيع العربي.. ولذلك أقول إن لكلٍ أدواره التي قام بها في الانتفاضة.. حدثنا عن تفاصيل انطلاق الانتفاضة وقصة العشرة أيام التي لم تهدأ فيها البلاد وانتهت الى السادس من أبريل؟ - فعلاً هي عشرة أيام حسوماً.. لقصة ثورة شعبية بدأت بمظاهرات طلابية منظمة وسط العاصمة، وبدأت بمظاهرة طلاب جامعة أم درمان الإسلامية في يوم الثلاثاء 26 مارس 1985. انتهت هذه المظاهرة بحرق مكاتب جمعية ود النميري التعاونية بأم درمان.. وتوالت في كل الجامعات وحتى طلاب الثانويات والابتدائيات خرجوا للشوارع، وكنا نشاهد ونراقب، وكانت مظاهرات شعبية عفوية وسط العاصمة، بدأت أيضاً يوم الاربعاء 27 مارس 1985 بمشاركة طلاب معهد الكليات التكنولوجية و«الشماسة، والمشردين، وعمال المنطقة الصناعية، وأصحاب الحرف الصغيرة» ونحن في طريقنا الى العمل بقطاعاتنا العسكرية نشاهد هذا الموقف الذي ظل يتكرر، واذكر أن الرئيس النميري غادر الى الولاياتالمتحدةالأمريكية ظهر اليوم الثاني للانتفاضة يوم الاربعاء 27 مارس في زيارة رسمية وبغرض اجراء فحوصات طبية دورية، واتخذ موكب النميري الى المطار مساراً آخر لتجنب المظاهرات التي عمت الشوارع مقاطعاً.. كيف قرر النميري السفر لامريكا والبلاد تفور وتغلي ومَن كان يدير البلاد وهل تم إصدار أوامر لكم بالتصدي للشعب كقوات عسكرية؟ - السبب الأول هو أن النميري كان مريضاً جداً ولابد أن يسافر، وكانت البلاد تدار بواسطة رئيس جهاز الأمن، والنائب الأول اللواء عمر محمد الطيب، ولم تصدر لنا أوامر بالتصدي للمظاهرات، لكن كنا على استعداد دائم ومتمركزين حول المناطق الاستراتيجية.. وفي وسط كل هذا الحراك جاء إعلان الهيئة النقابية لأطباء مستشفيات الخرطوم برئاسة د. أحمد التجاني للإضراب عن العمل ابتداءً من يوم الخميس 28 مارس «اليوم الثالث للانتفاضة» وحتى 30 مارس، ونشر بيان لها يحوي أسماء شهداء، وعدد جرحى اليوم الثاني للانتفاضة.. كذلك أعلنت نقابة المحامين تشكيل مجموعات من المحامين للدفاع عن المواطنين المعتقلين في المظاهرات أمام المحاكم الناجزة.. تواصلت المظاهرات أيضاً في اليوم الثالث للانتفاضة، وإن كانت أقل زخماً من اليومين السابقين. - كان يوم الجمعة 29 مارس يوماً هادئاً أصدرت فيه السلطات الحاكمة «أمانة الاتحاد الاشتراكي بالعاصمة، جهاز أمن الدولة، اتحاد نقابات العمال، اتحاد شباب السودان» بيانات عدة وصفت فيها المظاهرات: بالشغب والتخريب للمنشآت العامة والممتلكات الخاصة التي يحرض له الأخوان المسلمون والشيوعيون ويقوم به «المشردون والمتبطلون واللصوص»، وهنا قررت القوى النقابية تسيير موكب للقصر الجمهوري بقيادة نقابة الأطباء يوم الاربعاء 3 أبريل لتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية، ويذكر هنا أنه في بداية الأمر كان الاتفاق أن يعلن الإضراب ويسير الموكب يوم الاثنين 1 أبريل، ولكن عُدّل التاريخ الى 3 أبريل لكي يترك الاتحاد الاشتراكي لتنظيم موكبه في 2 أبريل «انظر ادناه» ويتم الرد عليه بموكب النقابات- قام الاتحاد الاشتراكي يوم الثلاثاء 2 أبريل بتنظيم ما اسماه بموكب الردع بساحة الشهداء، خلف القصر الجمهوري.. كانت المشاركة الجماهيرية ضعيفة والحضور الرسمي طاغياً.. خاطب الموكب الرشيد الطاهر بكر، وزير العدل والنائب العام، مبرراً الغلاء بالظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي كله.. كما ادعى اللواء بابكر عبد الرحيم، الأمين العام للاتحاد الاشتراكي بالإنابة أن جماهير الاتحاد الاشتراكي قادرة على الرد الحاسم على كل معتدٍ في كل زمان ومكان، ولن تسمح بأية تنظيمات أخرى موازية للاتحاد الاشتراكي.. خاطب التجمع أيضاً ابو القاسم محمد ابراهيم داعياً لاصلاحات في أجهزة الاتحاد الاشتراكي.. مسيرة الأطباء كانت سلمية وتحركت من مستشفى الخرطوم في طريقها للقصر الجمهوري تصدت لها قوات الأمن والشرطة، فجلسوا على الأرض القرفصاء، مما ألهب المشاعر الوطنية لدى المواطنين والعامة والشماسة فانطلقوا في ثورتهم، وكان هذا الثلاثاء الثاني من ابريل.. بالإضافة الى موقف الاحزاب المساندة والمنظمة مع النقابة.. ولا ننسى دعوة السيد الصادق المهدي في خطبة الجمعة بضرورة تدخل الجيش لصالح الشعب.. هذا عن الشارع ماذا عنكم في قوات الشعب المسلحة ورؤيتكم حول ما يجرى وكيف تابعتم الأحداث واتخذتم القرار بانحيازكم للشعب؟ - نحن في القوات المسلحة كنا نراقب ونرصد ونقيم الأوضاع أول بأول، وكان لنا موقفان من خلال الأحداث.. موقف مسيرة الأطباء وتجاوب الشعب معهم ومسيرة الاتحاد الاشتراكي التي سميت بمسيرة الردع، وعدم التجاوب الشعبي معها.. مما جعل المؤشرات واضحة لنا كقيادات عسكرية والى اين تتجه البلاد.. وكانت الأوامر واضحة بحماية المناطق الاستراتيجية والمواطنين، وعدم التعرض لهم، وكان بعض المواطنين يقذفون الجيش بالحجارة ولكن الموقف انقلب عندما لمسوا حيادية الجيش وعدم التعرض لهم، فأصبح الهتاف «جيش واحد شعب واحد ».. ولم يعتدِ الجيش على اي مواطن في تلك الأحداث.. أما بالنسبة لنا كقيادة داخل القوات المسلحة فمنذ 26 مارس حتى 6 ابريل، كنا متواصلين في مراقبة الأوضاع وتقيمها.. وفي حالة استعداد تام، وهذا الاستعداد الكامل كما هو معروف في الجيش سلاح ذو حدين، فيمكن أن يستغل لعمل انقلاب عسكري آخر، لذلك كلنا كنا حذرين ومتابعين بالتحليل والتقييم ووصلنا الى نتيجة مفادها، أن هذا النظام فقد شرعيته، وأن واجبنا كقوات مسلحة تحمي الوطن وتدافع عنه وعن المواطنين وليس عن الأشخاص والأنظمة..