حينما أفتى الدكتور الترابي بعدم جواز (غمس الذبابة)-إذا وقعت على الطعام-ثارت ردود أفعال كثير من العلماء وأصبح حديث الذبابة هو الأشهر والأكثر تناولاً في ذلك الوقت مما حدى بالترابي أن يعلق ساخرًا لكثرة الأسئلة عن هذه الفتوى قائلاً : إنما هي ذبابتكم فمن أراد أن يغمسها فله ماأراد.. ومن أراد أن يقاضي شركات (البف باف) فله ذلك، وأن السيدة عائشة كانت أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم في مجال الطب والأعشاب!! إنتهى حديث الترابي عن الذبابة..! واستمر الوقت قليلاً وجاءت فتواه المشهورة بجواز (إمامة المرأة) ودار لغط كبيرحول كلمة (أهل دارها) التي وردت في حديث أم ورقة، وتم تأويل هذه الكلمة الأخيرة لعدة تأويلات ويرى الترابي إن الدار يمكن أن تكون منطقة كاملة مستشهدًا بعددٍ من الدور مثل دارجعل ودار حامد ودارحمر و، و، الخ.. ووقتها أعلنت هيئة علماء السودان عن فتاوى مغايرة، وأقيمت ندوات تشرح وتناقش الأمر بمنظور فقهي موسع وكانت قاعة الشهداء بجامعة القرآن الكريم قد إستضافت احد هذه المنابر فتداعى له جمعٌ غفيرٌ من العلماء والمفكرين ..! لكنهم لم يقولوا شيئاً..! وصمت الترابي!!! ينتظر ردود الأفعال ليرد عليهم بعد فترة طويلة ب(علماء الحيض والنفاس). وأذكر أن الشيخ محمد سيد حاج «عليه رحمة الله» قد أصدر تسجيلاً مطولاً في الرد على جملةٍ من فتاوى الترابي مقارناً له بمحمود محمد طه قائلاً : إن هذا الأخيرأكثر تجديدًا من الأول ! وأن الترابي لم يأتي بجديد، إنما هو ناقلاً على حدِّ تعبيره..! وتجاوزًا لذلك فإن الأوساط الفقهية تتحدث اليوم عن فتوى الترابي الخاصة(بعذاب القبر) التي يرى إنه ليس هنالك عذاب في القبر، ولديه من الأسانيد ما مرجعه نص قرآني وتحميه سلامة العقل والمنطق.. فبرز التساؤل إذا كان عذاب القبر حقيقةً فما بال الذين يُحْرَّقون؟أوالذين تَتَقَطْع أشلائهم في الهواء بسبب حوادث الطائرات وغيرها مع العلم أن كثيرًا من الأمم لا تدفن أمواتهم فأين يجد هؤلاء عذابهم ؟؟ وإذا كان العذاب حصرياً على أهل القبور من المسلمين فهذا يتنافى مع العدالة الكونية الرَّبانية التي ساوت بين الناس وفتحت الباب واسعاً أمام الخيارات بين الكُفْرِ والإيمان وبين الفجور والتقوى وهذا يقين لا يتسلل إليه الشك..!ولم تكن هذه الفتوى معزولةً فقد وجدت عدد من المؤيدين من جمهور العلماء والمجتهدين والباحثين ,وبالتأكيد أن هنالك رأي آخر مخالف لهذا الإتجاه،وحتى لا يتسربل الأمر _ في رأيي_ أن الخلاف أمر طبيعي وأساس في دين الإسلام، وغير الطبيعي والمرفوض أن تقوم مجموعة إسلامية بتكفير من يختلف معها في الرأي والوجهة الفكرية ..! والأسوأ من ذلك أن تتحول الفتاوى إلى طابع حزبي فالمعروف عن الفتاوى أنها شخصية وتنبع من قناعات وإجتهادات ذاتية ينبغي ألا تنطلق إلى نطاق حزبي واسع ..! وتأسفت جدًا لما برز من أخبار في أن مجموعة قيل أنها تنتسب لجماعة أنصار السنة المحمدية قد كَفَّرَتْ أحد منسوبي المؤتمر الشعبي بولاية نهر النيل وذلك رجوعاً لفتاوى الترابي بشأن عذاب القبر .. وفي تقديري أن الفقه لم يقفل باب الإجتهاد والتجديد وأن الصحابة قد تفرقوا في الأمصار حتى أن الإمام مالك رفض أن يتحول كتابه الى قانون يحكم به الناس بناءاً على ما أشرت!! فلماذا لا يتمعن هؤلاء ؟ أم أن المسألة مرجعها سياسي؟ صفوة القول: رسالتي إلى الجماعات الإسلامية أن تدعو إلى حوار ديني فكري مع من تختلف معه في الرأيقبل أن تكفره فالدين مازال يحتاج إلى العديد من الإكتشافات العلمية لمواكبة متغيرات الحياة العصرية بعيدًا عن التعصب وبعيدًا عما وجدنا عليه الأباء، بمعنى ألا يكون هنالك أمر من المسلمات لمجرد أنه موجود منذ القدم وتعارف عليه الناس.. حتى لا نصبح نجاري العالم الغربي في إكتشافاته المكتشفة أصلاً لدينا في هذا الدين.. هذا دلوي، والله أعلم.