الصراع - غير المؤسس - على السلطة، يقود إلى الفوضى المدمرة لموارد الدولة المادية والبشرية و «السياسية»، بحيث ينصرف القادة في مختلف أحزابهم أو تنظيماتهم السياسية إلى الصراع وحده، دون القيام بواجباتهم التي يفرضها عليهم وجودهم في الواجهة. الصراع على السلطة مطلوب إذا انطلق من أرضية ثابتة من القيم والأسس الأخلاقية القائمة على أسس دستورية وقانونية تتفق عليها كل الأطراف، وتقبل «نتائج» الوسائل الدستورية والقانونية المؤدية إلى مقاعد الحكم. نحن وكثيرون ممن هم حولنا لا زلنا متخلفين عن ركب الوعي السياسي شعوباً وقبائل وقيادات، والدليل ما حدث بالأمس في جمهورية جنوب السودان من قرارات «عزّزت» من قوة الرئيس سلفاكير ميارديت، و «قلّصت» من سلطات نائبه الدكتور رياك مشار تينج، الذي تحول ما بين ليلة وضحاها إلى نائب بلا سلطات أو صلاحيات، بعد صدور قرار جمهوري قضى بسحب كل الصلاحيات التنفيذية منه، حسب ما جاء في الأنباء مع «حل» اللجنة الوطنية للمصالحة، التي كان يشرف عليها الدكتور مشار، وإيقاف كل البرامج والأنشطة المتعلقة بها. قرار «تجريد» مشار من الكثير من صلاحياته «غير المنصوص» عليها في دستور جمهورية جنوب السودان، لا يجرده من طموحاته في أن يحلم بحكم الدولة الوليدة، وهو في قرارة نفسه يرى أنه «مافيش حد أحسن من حد»، وربّما يفكّر في أن ما قدمه للحركة الشعبية ولجيشها الشعبي أكثر بكثير مما قدمه الرئيس الفريق أول سلفاكير ميارديت، الذي جاءت به الأقدار - ولا نقول الصدفة - إلى مقعد الرجل الأول في الحركة والجيش، بعد مصرع مؤسس الحركة وقائدها العقيد جون قرنق في حادث تحطم طائرة «غامض» بعد أدائه القسم نائباً أول لرئيس جمهورية السودان «الكبير» قبل الانقسام والتجزئة. إفصاح الدكتور رياك مشار عن رغبته في الترشح لرئاسة الحركة الشعبية في مؤتمرها العام القادم خلال العام 2015م وتفكيره بصوت عالٍ، عجّل بقرار سلفاكير - الرئيس الذي لا يرغب في أن ينازعه أحد على الرئاسة- والذي نص على أن يحتفظ نائب الرئيس «بما هو مخول له» في الدستور دون أية أعباء إضافية مثل ملفات الشباب - وهذه هي الأخطر - وملفات الطلاب وشؤون الأحزاب وقضايا المسلمين ومتابعة قضية الأحزاب الأخرى. القارئ الذكي والحصيف للأوضاع في دولة جنوب السودان يرى أن «الاستقرار» تراجع خطوة «إلى الوراء» وأن «الفوضى» تقدمت «خطوتين إلى الأمام».. ولكن الخطورة لن تكون من «شكل» أو «حجم» الصراع داخل الحركة الشعبية فقط، بل ستمتد إلى الشارع كما نتوقع ليصبح الصراع مواجهة قبلية، يكسب منها آخرون.