سلفاكير يسحب السلطات التنفيذية من نائبه مشار ترجمة : سحر أحمد أصدر رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت مرسوماً رئاسياً يقضي بسحب السلطات التنفيذية من نائبه رياك مشار، ولم يحدد البيان الذي قرئ بتليفزيون الجنوب – وفقاً لصحيفة (سودان تربيون) الصلاحيات التي جردها منه القرار وهل تختلف هذه الصلاحيات من السلطات التي خولها له الدستور وهل يرغب في مواصلته ممارستها، فيما أشار مصدر في حديثه لذات الصحيفة أن سلفاكير فوجئ بطرح مشار ومجموعته لمشروع "المصالحة الوطنية" خلال اجتماع مجلس الوزراء دون استشارته . بصدور قرارات تقليص صلاحياته (مشار) .. الرسالة التحذيرية الأولى من (سلفا) تقرير: ماهر أبوجوخ (...) هذا الأمر مثل قاصمة الظهر بين (سلفا) و(مشار) ما هي ابرز تداعيات هذه الخطوة على (مشار) ..؟! يستبعد لجوء رئيس الجنوب لإبعاد نائبه لهذا السبب (...) التكهنات العديدة التي راجت خلال الفترة الماضية حملت إشارات لتصاعد وتيرة الخلافات المكتومة بين رئيس دولة جنوب السودان الفريق أول سلفاكير ميارديت ونائبه د.رياك مشار بدت مساء أمس الأول وكأنها في طريقها للخروج من الأضابير للعلن عقب إصدار الأول قراراً جرد بموجبه الثاني من صلاحياته التنفيذية والإبقاء على مهامه الدستورية المنصوص عليها في دستور جنوب السودان. لم يدر بخلد مواطنو دولة جنوب السودان الذين كانوا يتابعون تليفزيون بلادهم أمسية أمس الأول الإثنين أن آذانهم ستستمع لبيان عاجل من رئيسهم يعلن فيه تقليص صلاحيات نائبه د.رياك مشار بجانب وقف عملية مؤتمر المصالحة الوطنية في البلاد التي كان يقودها النائب والمقرر انعقاده في يونيو القادم. وطبقاً للبيان الرئاسي الذي بثه التليفزيون فقد تم تأجيل انعقاد مؤتمر المصالحة الوطنية بالبلاد لحين تكوين لجنة أخرى لتفعيل هذه الحملة بجانب سحب كل الصلاحيات التنفيذية الممنوحة لمشار واقتصارها على السلطات المنصوص عليها في دستور البلاد. صراع المصالحة قبل عدة أشهر أطلق مشار حملة عامة في البلاد تدعو لنبذ التعصب القبلي وإنهاء النزاعات بين المكونات الإثنية المختلفة حول المراعي ومصادر المياه، بجانب حملة موازية لحث الوزارات المختلفة على احترام التنوع القبلي فيما يتصل بتوزيع الوظائف، وانطلقت الأعمال التحضيرية للمؤتمر قبل عدة أشهر وتقرر انعقاده في يونيو القادم، قبل صدور قرار تأجيله. من الوهلة الأولى بدا واضحاً أن أطرافاً عديدة داخل حكومة الجنوب وحزبها الحاكم كانت لديها تفسيرات مختلفة لدوافع دعوة المصالحة التي أطلقها مشار وإمكانية استخدامه لها لتنفيذ أجندته السياسية على المستويين الوطني والحزبي على حد السواء حينما أعلن اعتزامه منافسة سلفاكير على رئاسة الحركة الشعبية في مؤتمرها العام القادم توطئة لتقديم نفسه كمرشح للحزب في انتخابات رئاسة البلاد المقرر اجراؤها في العام 2015م. قطع الطريق بجانب تقليص صلاحيات مشار فإن مرسوماً جمهورياً ثانياً حل لجنة المصالحة الوطنية –التي كان يشرف عليها مشار- وألغاها والتي كان من المقرر بدايتها في الثامن عشر من الشهر الجاري ولكن تقرر إرجأ المؤتمر ليونيو القادم نسبة لوجود حاجة لمزيد من الوقت للتجهيز والإعداد. أحد المقربين من مكتب الرئيس سلفاكير أماط اللثام عن تلك الخلافات والمخاوف حينما أقر في معرض تعليقه على قرارات الرئاسة الأخيرة لموقع (سودان تربيون) أمس أنها –أي القرارات- صدرت نتيجة لوجود خلافات داخلية واحتجاج بعض كبار المسؤولين في الحكومة على سير عملية المصالحة التي كان يقودها مشار في ظل غياب جدول أعمال واضح، وتشكك بعض المسؤولين في النوايا الحقيقية لهذه العملية وأهدافها وتوظيفها ضمن الحملة السياسية التي يشنها النائب ضد الرئيس. ووجه ذلك المصدر انتقادات شديدة لمشار ومجموعته معتبراً أنهم كانوا يعتقدون أن (الرئيس) "لم يكن يعرف ما كانوا يفعلون في حين كان يعلم كل شيء" واصفاً قرار امس الأول بالقرار الحكيم حول هذه القضية.مبيناً أن مشار ومجموعته لم يشاوروا (سلفا) حول مشروع المصالحة وأنهم تفاجأوا بعرضه في اجتماعات مجلس الوزراء. وأضاف:"كيف سيشعرون إذا كانوا هم في وضع الرئيس؟ الواضح أن هذا مشروع سياسي وكما ترى فقد ذهبوا لحد جمع الناس من الولايات وإحضارهم إلى جوبا دون علم الرئيس". صلاحيات النائب القرارات التي أصدرها سلفاكير بسحب الصلاحيات التنفيذية التي فوضها لمشار والابقاء فقط على صلاحيات نائب الرئيس المنصوص عليها في المادة 105 من دستور جنوب السودان.وطبقاً لتلك المادة فإن سلطات واختصاصات نائب الرئيس وردت في الفقرات (أ) وحتى (د) وتنحصر في (تصريف أعباء الرئيس عند غيابه عن البلاد، عضوية مجلس الوزراء، وعضوية مجلس الأمن القومي وأداء أي وظيفة أخرى أو مهمة يكلف بها من قبل الرئيس). وضع صوري عند النظر في هذا النص الدستوري نلاحظ أمرين اولهما أن السلطات التنفيذية المسحوبة من مشار بموجب القرار الرئاسي ليست دستورية ولكنها سلطات مفوضة من الرئيس بموجب المادة (105/د) من دستور جنوب السودان ويحق له دستورياً سحب بعضها أو كلها دون الحاجة لاتخاذ أي إجراءات دستورية أو قانونية خاصة. أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالوضع الراهن لمشار بعد تجريده من تلك الصلاحيات والذي سيكون عملياً مجرد وجود (صوري) أو كما وصفه البعض ك"جنرال بلا جيش وأسد بلا أنياب". الخطوة القادمة يبدو أن أبرز تداعيات هذه الخطوة على مشار هي تهميش دوره وفعاليته على المسرح الرسمي والتنفيذي بجنوب السودان وقد يشمل تحجيم حراكه حتى داخل الحزب الحاكم وهو أمر قد يربك خططه الخاصة بالمنافسة على رئاسة الحركة الشعبية في مؤتمرها العام القادم. ورغم أن فرضية اختيار مشار للابتعاد الاختياري بعد فقدانه لصلاحياته واقتصاره على الجانب الشرفي المنصوص عليه دستورياً ومغادرته لموقعه التنفيذي توطئة لترتيب أوراقه وصفوفه لخوض المواجهة السياسية والحزبية ضد سلفاكير وأنصاره تبدو واردة إلا أنها مستبعدة في الوقت الراهن باعتبارها تصب في مصلحة منافسيه وخصومه الذين سيتنفسون الصعداء بعد خروجه الاختياري من السلطة طوعاً واختياراً مما ينفي عنهم تهمة إقصائه وإخراجه من التركيبة الحاكمة للرأي العام المحلي أو لأصدقاء جنوب السودان الإقليميين والدوليين. الضفة الأخرى بالنسبة للرئيس سلفاكير ومسانديه فإن الإجراءات المتخذة ضد مشار هي بمثابة رسالة تحذيرية أولى مفادها "بدأ صبرنا في النفاذ وعليك أن تتوقف" مع عدم استبعاد لجوئهم لخطوة أخرى أشد وأقسى تتمثل في إبعاده من منصبه كنائب للرئيس عبر أحد أمرين –كما ينص الدستور- أولهما بقرار من الرئيس أو بعزله بواسطة مجلس النواب بموافقة ثلثي أعضائه. في حال رغبة مساندي سلفاكير في إعفاء مشار دون صدور قرار رئاسي فإن مسألة إصداره بواسطة البرلمان يبدو عملياً أمر مقدور عليه نسبة لهيمنة وسيطرة الحزب الحاكم بالجنوب الذي يرأسه سلفاكير على السواد الاعظم من مقاعد البرلمان وهو ما سيسهل تأمين الاغلبية اللازمة للمصادقة على قرار إقالة نائب الرئيس. صحيح أن الخطوات الإجرائية والدستورية لإقالة مشار تبدو غير عسيرة ولكن التخوف الأساسي الذي سيحول دون إكمالها هو التداعيات السياسية المترتبة على صدور قرار بإبعاد الرجل لا سيما في هذا التوقيت خاصة أنه رمز أساسي لقبيلة النوير التي تعد من أكبر وأبرز المجموعات الإثنية الفاعلة والمؤثرة في البلاد بخلاف وجود معظم حقول النفط الرئيسية في مناطق وجود وتمركز (النوير) وبالتالي فإن نشوب أي نزاع عنيف ستضرر منه المناطق الاساسية المنتجة للنفط الذي يمثل العصب الاساسي لاقتصاد الدولة. صاحب المهام سبق لمشار –المولود بمنطقة أدوك بولاية الوحدة في العام 1952م- قيادة انقسام في صفوف الحركة والجيش الشعبيين لتحرير السودان في العام 1991م وتكوينه لفصيل الناصر وتوقيعه لاتفاق سلام مع الحكومة السودانية في العام 1997م باسم اتفاقية الخرطوم للسلام وتعيينه مساعداً للرئيس قبل معارضته للحكومة مرة أخرى وانضمامه لاحقاً في العام 2002م للحركة والجيش الشعبيين لتحرير السودان وتم تعيينه في أغسطس 2005م نائباً لرئيس حكومة الجنوب عقب ترفيع سلفاكير لمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب عقب مصرع د.جون قرنق، ثم أعيد تعيينه في منصبه بعد انتخابات 2010م واستقلال جنوب السودان في يوليو 2011م. وظف مشار خلفيته الاكاديمية وخبرته التنفيذية خلال عمله بحكومة الجنوب عقب التوقيع على اتفاق السلام الشامل وكلف بالعديد من المهام الداخلية والخارجية كان ابرزها توليه لملف المصالحة بين الحكومة اليوغندية وجيش الرب المعارض بقيادة القس جوزيف كوني وتمثيل حكومة الجنوب امام محكمة لاهاي في النزاع مع حكومة السودان حول تقرير خبراء ترسيم حدود منطقة ابيي كما اشرف على الاجراءات الخاصة باعتراف منظمة الاممالمتحدة بدولة جنوب السودان وتقديم اول خطاب رسمي لها بعد الاعتراف بها في أروقة المنظمة الدولية. وتولى خلال فترة الحرب الاهلية الثانية بعد انضمامه للحركة والجيش الشعبيين لتحرير السودان في العام 1984م مواقع سياسية وعسكرية بالحركة، وينظر له باعتباره أحد رواد التحول في الخطاب السياسي للحركة الشعبية بتبنيه لدعوة استقلال الجنوب في الوقت الذي كانت فيه الحركة الشعبية الام بقيادة د.جون قرنق ونائبه سلفاكير ميارديت تناديان بوحدة السودان على اسس جديدة تحت راية (السودان الجديد). وبغض النظر عما سيسفر عنه الخلاف بين الرجلين فإن التخوف الاساسي الذي يراود اذهان مواطنو جنوب السودان هو قلقهم من تكرار تجربة مماثلة ابان انقسام تسعينات القرن الماضي بين جناحي الحركة الشعبية خلفت وراءها الآلاف من الضحايا وتسببت في تهتك النسيج الاجتماعي والذي احتاج لسنوات عديدة لتجاوزه ونسيانه.