حين يستخدم رجل مثل دكتور غازي صلاح الدين عبارات بسيطة أو شعبية أو ممعنة في العامية مع ما عرف عنه من رصانة وانتقاء الكلمات بدقة.. ذلك يجعلنا ننتبه إلى سيطرة تلك التعابير على لغتنا.. قال الدكتور: السياسة فيها الحفر وأنا ما بحفر بزرع.. وطبعاً لا زراعة بدون حفٍر.. عبارة أو مصطلح «الحفر» شاع استخدامه وهو عملية سلبيه تعني الإيقاع بأحدهم.. «وعبارة الحفر» متسقة من الحس الشعبي.. ففي المثل: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.. والحفرة تعني وقوع الشخص.. والحفر أفظع من الحسد.. فالحسد تمني زوال النعمة من الغير دون فعل.. لكن «الحفر» يتضمن مع زوال النعمة من الغير العمل على إزالتها.. «والحفر» فيما يبدو ليس لديه سقف وهو لا يعني تصيد الأخطاء فحسب.. بل اختلاق الأخطاء.. والعمل بدأب على متابعة الخصم وربما التمهيد له ليخطيء.. «والحفر» قديم في الخدمة المدنية بسبب التنافس على المواقع واذكر أن شخصاً نعرفه كان يسعى إلى لحظة تعينه وهو موظف صغير أن يقود المؤسسة.. وأصبح يحفر للزملاء.. وبمرور الزمن وصل الرجل إلى موقع القيادة.. وبدلاً من أن يرعوي.. ظل يمارس الحفر لمن دونه في السلم الوظيفي.. وحتى يزيح القائد السابق له.. دبر له مكيدة وأوحى له بأن يرشو المسؤول الكبير مع علمه بأن المسؤول يرفض هذه الأساليب.. ولوى له عتق الحقيقة وأوهمه بأن في تعليقات المسؤول الكبير طلباً خفياً بالاستيلاء على ما يخص الدولة من أثاث.. ودبر له العملية وكانت نتيجتها الإطاحة بالرجل بسرعة صاروخية.. وقعد في موقع القيادة.. وتوهط. وربما لأنه رأى أنه غير مؤهل للقيادة.. أصبح ينافق ويداهن حتى تضجر المسؤولون الكبار من مداهنته.. فإنه لإظهار الولاء إذا طلب منه تقبيل اليد.. زاد على ذلك فقبل اليد والقدم معاً.. وهكذا لم يفكر في تطوير المؤسسة ولا النهوض بأفرادها.. لذلك عندما تمت إزاحته وزع العاملون الحلوى والبارد فرحاً بكونه «بلا وانجلى». أنا لا أعرف حفر الساسة وإن كنت أتابعه.. وأعرف منتجاته.. حين أرى نجم أحدهم بزغ وشع.. ثم فجأة يخبو البريق.. يظهر ذلك حتى في كتابات بعض الزملاء تجدهم يشيدون بالسياسي ويعلون من قدراته.. تمر الأيام فينقلبون عليه.. ربما كانت الصحافة واحدة من أدوات الحفر تستخدم في وقتها تماماً.. ولا أدري ما المقابل لذلك.. والحفار في الغالب قليل الوفاء.. عاطل غالباً عن القدرات.. لكنه حتماً متمتع بذكاء غير حميد يوظفه في عملية الحفر.. والحفر يتطلب مراقبة الخصم حتى تتكشف لك بعض سلبياته.. فإن لم تجد تصطنع له.. ألا تلاحظ أن مسؤولاً وقوراً يقع ببساطة في كمين أخلاقي كأن يضبط في شقة مع فتيات.. تكفي الشبهة وحدها في هذا الأمر لتدمير الرجل ليس سياسياً وإنما اجتماعياً وربما تم تدمير استقراره الأسري. ولا أدري هل الحفر ثقافة رجالية أم هنالك حفر نسائي.. أتمنى أن لا يكون لأن المرأة إن حفرت فإنها صبورة تحفر بإحكام وبصبر وتغطس حجر المحفور له أو المحفور لها. تعالوا لا نترك الحفر تماماً.. تعالوا نزرع فيما نحفر.. أو ننطلق إلى مناطق تعدين الذهب فنحفر حتى نحصل على ذهب يجعلنا في حالٍ نستغنى به عن الحفر ولو أننا لا نضمن أن يحفر لنا الغير فيصبح الفرد «المحفور له» فلان الفلاني!