لا أدري لماذا يصر البعض دائما إلى شدنا الخلف، كلما تقدمنا إلى الأمام في المفاهيم ، وتغيرت طريقة التفكير والنظرة إلى المنتخب الوطني، ولماذا يسعى البعض إلى إستمرار حالة التعصب على حساب القومية والنهج الوطني! إن كان البعض يعتبر الأمر هزلا..فهو هزل مرفوض وفي غير محله تماما، وإن كان جداً ، فهي الكارثة بعينها! عندما حدث الإلتفاف حول المنتخب الوطني قبل وأثناء وبعد مباراته الأخيرة أمام الكنغو برازافيل، كان ذلك مرده شعور واحد وموحد بعد أن هبت رياح التغيير واقتلعت آخر قلاع التخلف وبات النظر إلى الأمام ممكنا بعد زوال الغشاوة! وكم تمنينا أن يتواصل مد الإلتفاف ليبتلع في طريقه كل طفيليات التعصب، ويزيل أطماء العصبية الرياضية إلى ما لا نهاية، حتى ننعم بواقع يتماشى مع التجديد الذي أصاب بدن كرة القدم السودانية بشكل مفاجئ ومثير! ولكن هناك من يحن دائما إلى الأرتواء من ثدي التخلف، ويسعون دائما إلى البقاء في مربعات التعصب ، فيحصرون اللون الجميل في فريق بعينه ، ويختزلون كل السودان في بقعة واحدة من بقاعه، برغم أن المكان ليس مكان جهوية أو عصبيات أو تعصب! ومن عجبي فإن بعض أولئك النفر كانوا وحتى الأمس القريب يتحدثون لنا عن الرياضة وأخلاقها السمحة منادين بالإنعتاق من سجون القانون المحلي ومنادين بإطلاق حماماتها في سماوات الديمقراطية ، وكأنما كانوا رسلا للمحبة والسلام بالوسط الرياضي. ولكن مع أختلاف ليل الأمس، وشروق شمس اليوم ، عميت الأبصار، وكذلك القلوب ، وتحجرت العقول ، وعادوا بنا بسرعة مخيفة إلى زمان ليس كالزمان! ليس لناد فضل على المنتخب الوطني ، بل أن أفضال المنتخب الوطني تتمدد حتى تشمل كل أندية الوطن الواحد الموحد الكبير! ü لون الوطن هو لون واحد ، ولا مكان فيه لمساحات تظلل بأقلام لا تعرف غير ألوان النشاز، ليس هو أمدرمان التي هي جزء صغير جدا من وطن يتمدد من شماله إلى جنوبه ونبحث عن هوية مشتركة في زمان مخيف! ü ومنتخبنا الوطني ليس هو المريخ ولا الملكية جوبا أو النسر كريمة أو الهلال الخرطوم، هو كل المساحات التي تلتقي عندها مواهب كرة القدم لتلعب تحت إسم واحد موحد ، وشعار جميل على أعلى هامته رمز السيادة والعزة ، علم السودان ، وتهتف له حناجر بسحنات مختلفة ، وألوان متباينة ولكن بنشيد واحد وهو نشيد العلم! ü يجب تنقية الصفوف إن لم يستطع أولئك تنقية نفوسهم من شوائب التعصب والعمل بجد من أجل تغيير المفاهيم ، وأن يترك الهزل في مكان الهزل حتى لا يصيروا (كأرجوزات السيرك الروماني) يضحكون الناس عليهم ، وليس من ما يأتون به من تصرفات بلهاء! ü إنتصر المنتخب الوطني بلون الوطن، ولم نكن نعرف يومها أي هوية للاعبين غير هوية السودان ، حيث كان يقف بالمدرجات جمهور واع وذواق ووطني جدا ، عرف معني الإنتماء في زمان السقوط ، فمنح اللاعبين جرعة إنتماء شافية من كل مرض! ü يومها كنا وكان الجميع ينظرون إلى المنتخب بذات النظرة التي تنظر بها المجتمعات المتحضرة إلى منتخبات بلادها ، حيث تذوب الفواصل وتنعدم الولاءت الخاصة حتى من باب الهزل السخيف، ليكون الجد الوحيد بينها هو الإنتماء لوطن واحد وبلون واحد! ü قيمة الشعوب تقاس بمدى ألتزامها مبادئ الوطنية ، وحضاراتها تنبني على أساس جمعي ، لا تؤخذ منه عينات إلا من قبيل التأكيد على الأصالة والتحضر والتقدم الفكري..أما المتخلفون فيجلسون دائما على رصيف التعصب إلى حيث ينتهي بهم المطاف وإن طال الزمن!