ترتكز الفكرة الرئيسية لهذا النداء على قناعة راسخة بأن الوقت قد حان للتصدي العملي للمشكلات الإنسانية والتنموية التي أضحت تحيط بانسان وادي حلفا على أعتاب الألفية الثالثة.. ثمة مثل نوبي يقول ONEN NOURON ONKAN ECHICO MANESISOCK- أي أن (الميت حينما يبكيه أهله تنحدر دموع آخرين تعاطفاً معهم).. ولهذا تنطلق الدعوة صادقة باكية لكل الخيرين المهتمين بإعادة تعمير وادي حلفا، لأن يتنادوا جميعاً الى كلمة سواء بينهم.. أن يركلوا خلف ظهورهم تباينات السياسة، واختلافات المذاهب، وتناقضات الأحزاب، متفقين على الحد الأدنى لخلق أرضية مشتركة تنطلق منها مسيرة البعث المنتظر لواقع جديد، طالت سنوات مخاضه لأكثر من خمسين عاماً، ظل خلالها المقيمون بوادي حلفا يخوضون غمار معاناة إنسانية مؤثرة، اتسمت بشظف العيش، وقسوة الحياة، ومرارة الإحساس بالتجاهل... وإذا كانت الأسرة الدولية- ممثلة في هيئة اليونسكو ومجسدة في البعثات الأثرية للجامعات الأوربية والأمريكية والافريقية- قد تصدت لملحمة (إنقاذ آثار النوبة) في منتصف القرن المنصرم- استباقاً لمأساة إغراق أرض النوبة، فإن هذه الأسرة نفسها مدعوة اليوم الى مساعدة الإنسان الذي أبدع أجداده تلك الحضارة التي تنادى العلماء لإنقاذ آثارها ومدنها وكنائسها القديمة، ذلك الإنسان الذي رفض مغادرة الموطن، مضحياً بأرضه وتراثه، مقاوماً محاولات اقتلاعه من جذوره الحضارية. تتواصل الدعوة إلى المنظمات غير الحكومية، وإلى الجامعات والمعاهد ومراكز البحث العلمي، وإلى الهيئات الطوعية والجمعيات الخيرية، وإلى التنظيمات والأشخاص المهتمين بالحفاظ على التراث الإنساني، وإلى المتعاطفين مع الحضارة النوبية المتميزة.. يستقطب النداء كل القدرات والمواهب والامكانات المتصلة بالإسهام الفعَّال، والمشاركة الإيجابية في ملحمة إعادة الحياة لمدينة تاريخية عريقة، قدمت نفسها كبش فداء لطموح الإنسان عند قيام السد العالي في مدينة أسوان عام 1964م. تشتد الحاجة في وادي حلفا الآن إلى إيجاد البنيات الأساسية لحياة إنسانية مستقرة ومتطورة، على ضفاف بحيرة النوبة قبالة القرى الغرقى، ويتبلور البرنامج المقترح حول الدعوة إلى إنشاء قرى وتجمعات سكنية، تتكامل فيها مقومات الحياة: مياه شرب نقية- ومشاريع صرف صحي، ومراكز للرعاية الصحية الأولية، ومؤسسات للعمل الاجتماعي، ومرافق تعليمية مؤهلة تترابط معها برامج التغذية المدرسية في إطار العون الغذائي المدرسي، والمشاريع الإعاشية، توصيلات الطاقة الكهربائية المقتدرة، شبكات الطرق، تحديث المطار القديم القابع في أطراف صحراء العتمور.. ومشاريع صغيرة لمساعدة الأهالي على الاستفادة من الثروة السمكية المتوفرة بالمنطقة، وتدريبهم على طرق الصيد الحديثة، وعلى صناعة القوارب والشباك، وصيانة المحركات وأجهزة التبريد، وتطوير الوسائل التقليدية السائدة في تسويق الأسماك الطازجة والمملحة والجافة.. تتسع طموحات المدينة المرتقبة فتحلم بأن تحتضن مراكز للاشعاع الثقافي، مكتبات، وقاعات محاضرات، وصالات مشاهدة، وميادين للألعاب الرياضية المختلفة.. الى جانب أنشطة التربية المهنية والريفية المتصلة بقضايا تطوير المرأة الريفية، ودعم قدراتها الاقتصادية، بادخال مشاريع الأسر المنتجة، وإنشاء مراكز التدريب المهني، والصناعات اليدوية للجنسين.. تتطلع المنطقة بأسرها الى استئناف حملة التنقيب عن الآثار، واستكشاف كنوز التاريخ، وترغب المدينة في أن تستعيد متحفها التاريخي القديم الذي انتقلت مسلاته ومنحوتاته الصخرية الى متحف الخرطوم.. تربض المدينة الوادعة على ضفاف أكبر بحيرة صناعية عذبة في العالم، هي بحيرة النوبة، التي تمتد الى مائة وخمسين كيلومتراً، وهي بحيرة جميلة تتيح مضماراً رائعاً لسباق الزوارق، والرياضات المائية، والرحلات السياحية النهرية، وسياحة المؤتمرات.. تفتح المدينة ذراعيها وعقلها وقلبها لتستوعب مبادرات العودة الطوعية المتصلة بمشاعر الحنين إلى الأرض القديمة، وترحب بأشواق التنمية الطموحة بجهود الراغبين في العودة إلى القرى القديمة وتحتضن كل يد تمتد اليها، وتحتفي بكل لبنة تضاف الى الصرح العتيد، الذي تتراءى ملامحه في أفق الزمان القادم، وتداعب الأحلام أجفان الصغار والكبار، الذين يتوقون إلى أن تشرق الشمس ذات يوم، وقد عادت دغيم، وأرقين، وصرص، وجمي، ودبروسة، وفرص، ودبيرة، وسرة، وسمنة، لتنبعث من مقبرة المدائن مدينة كانت جميلة ذات يوم اسمها «وادي حلفا».