سجل القمران الاصطناعيان (تيرا) و (أكوا) التابعان لوكالة الفضاء الأمريكية أكثر من ستمائة نقطة ملتهبة في روسيا، وهي بؤر حرائق غابات طبيعية، وعرضت شركة سارنيكس هذه المشاهد على مواقع الالكترونية، وفي هذه الأثناء في روسيا قطع الرئيس الروسي فلادمير بوتين اجازته، وعقد جلسة طارئة لدراسة الوضع، والبدء في تنفيذ ما يلزم واخماد هذه الحرائق، لأنها تشكل كارثة بيئية واقتصادية رهيبة، فسحب الدخان المتصاعد قد لفت العاصمة موسكو، وتصاعد غاز أول أكسيد الكربون، وهو غاز له مشاكل صحية على الجهاز التنفسي، وقد وصل إلى ستة أضعاف المعدل المسموح به، والمواد السامة في الهواء قد وصلت تسعة أضعاف المعدل الطبيعي، وانعدم مستوى الرؤيا للطيارين، مما حدا بهم التوجه إلى مطارات أخرى، وموجة الحر الشديد والحرائق تسارع في ذوبان جليد القطب الشمالي، ودرجات الحرارة في بلد الصقيع قد وصلت إلى مستوى لم تصله منذ مائة وثلاثين عاماً، وأكثر المناطق تاثراً هي الأجزاء الوسطى وخصوصاً منطقة فورونيج إلى الجنوب، والحرائق تقترب من منطقة ساروف التي يقع فيها أهم وأكبر المفاعلات النووية سرية، ويحظر على الأجانب دخول المنطقة، ويصبح الحريق على بعد 60 كلم من مفاعل تشرنوبل وتقدر الخسائر بأكثر من 15 مليار دولار وربما تزيد، في خضم هذه الأحداث المتلاحقة وجه الرئيس الروسي بإقالة عدد من ضباط الجيش بتهمة التقاعس عن أداء الواجب واخماد الحرائق في بدايتها، ووجه آلاف الجنود ورجال الإطفاء لمكافحة النيران قبل أن تتحول إلى كارثة يصعب علاجها، وأعلن أن ربع محصول الحبوب قد تم تدميره، وعليه توقف عملية تصدير القمح لخارج روسيا كخطوة إحترازية من احتمال نقص المخزون، ووجه الشركات بمراجعة عقود تصدير القمح، واوكرانيا وكازخستان تتخذان نفس القرار- فروسيا وحدها تحتاج إلى 80 مليون طن من الحبوب للاستهلاك المحلي- ولكن هذا القرار له بعد اقتصادي على العالم، وخصوصاً البلدان التي تستورد القمح من روسيا، مثل إيرن ولبنان، وليبيا، ومصر، ومصر هي أكبر مستورد ومستهلك للحبوب في العالم، وهذا القرار له تأثير في داخل مصر لأنها تعتمد على سد العجز من روسيا. وبما أنه ليس هناك فجوة في الحبوب عالمياً، فمصر تستطيع أن تسد النقص من القمح من فرنسا، ومصر تستورد ما بين 6 إلى 7 ملايين طن من القمح، والقمح يشكل بعداً استراتيجياً في حياة المصريين، لأنهم يعتمدون عليه كلياً في غذائهم ورغيف الخبز.. وبما أن الاعتماد الكلي على الاستيراد الخارجي في مصر، إلى متى يبقى قمح مصر رهناً بحرائق الغابات في روسيا؟ ولابد للمصريين من وضع استراتيجية جديدة وخطة كاملة تتمثل في الآتي: 1/ توفير البذور الجيدة لزراعته في داخل مصر 2/ السياسة التكاملية في الزراعة 3/ خفض سعر الأسمدة 4/ توفير المعدات الزراعية 5/ توفير الدعم اللازم 6/ بما أن مشكلة القمح لها بعد قومي، فلابد أن يكون لها حل قومي. ولقد دعا عدد من الخبراء في مصر إلى تبني سياسات جديدة في عدد من المؤتمرات وحتى علماء الدين كان لهم كلمتهم، ونسترشد بقول الإمام الشعراوي (لما تبقى اللقمة من الفأس تبقى الكلمة من الرأس) وفي قول الشعراوي هذا، دعوة واضحة لزيادة المنتج المحلي ومضاعفته، وعدم اللجوء إلى استيراد القمح من الخارج. في السنوات الأخيرة أصبحت الحبوب تستهلك بمعدل أعلى من السابق، لدخول تقنية استخلاص الوقود الحيوي من الحبوب، مما يعني زيادة نسبة الاستهلاك، ويضر بالمخزون العالمي من الحبوب، وهذه التقنية نتاج طبيعي من التقدم العلمي، فلذا زادت نسبة الاستهلاك.. وفي الجانب الآخر انخفض المخزون في روسيا نتيجة الحرائق أو أي أسباب أخرى، فهذا يعني مشكلة غذاء عالمية، ولابد من تضافر الجهود في مصر وكل الدول العربية بكل أجهزتها ومنظماتها وخبرائها، بوضع سياسات جديدة مثل إنشاء منظمة أو هيئة يُعنى بها تطوير زراعة القمح، وأن يكون لها مكاتب في كل الدول العربية، وزيادة انتاجه، حتى لا يبقى الرغيف في هذه الدول رهناً بحرائق الغابات في روسيا ودرجات الحرارة العالية في أوكرانيا.