لا يساورني شك في أن تفكيك الإنقاذ من الداخل تم تطويره إلى مشروع تفكيك الوطن دويلات.. وصانعو التاريخ الأسود الحديث لا يسرهم أن يتفكك السودان إلاّ تحت لواء الإنقاذ.. والسودان الوطن الشاسع لا يحميه إلاّ وعي المواطن ووطنيته وثقته في قيادته. وأي تحرك للأعداء والعاقّين من الأبناء عبر الصحاري والجبال والغابات لا يبلّغ عنه إلاّ المواطن الصالح يُضرب في معنوياته يوميا،ً والصحف تنشر ذلك فإذا وجدت معلماً ساقطاً كان بلاغها للناس «المعلمون يغتصبون تلاميذهم» ، وإذا سقط طبيب ونسى شيئاً من أدواته في معدة مريضه، أصبح 86% من الأطباء هم ذلك الطبيب ، الذي لم يكن من الذين يصلّون ركعتين قبل إجراء «العملية».. لذلك فهو ينسى المقص والشاش وغيره بكل بساطة. وهذا مكانه القضاء والتجريد، ثم يأتي بعد ذلك دور الإعلام.. وإذا قام المتمردون بالتسلّل وترويع المواطنين في الدندور والله كريم وأم روابة وأبكرشولا، خاض الطابور الخامس في الحديث عن الجيش سلباً، والدفاع الشعبي (الذي أصبح قليل الاستجابة). والجيش الذي رأيناه هناك كان يتحرق شوقاً للقاء «المتمردين»، وأما الدفاع الشعبي في الأبيّض فعندما تم استدعاؤه هُرع ولبى الهيعلة، حتى إنه لم يجد وقتاً لارتداء «الميري»، فربط الحزام فوق «البلدي» - أي فوق الزي القومي -وظل منتظراً الاوامر!! زيارتنا ضمن اللجنة العليا للإسناد الاجتماعي للمناطق المتضررة في ولاية شمال كردفان بغرض الدعم المادي والمعنوي، عبأتنا نحن أنفسنا لما رأيناه من تماسك وتلاحم المواطنين .. جميع أسر الشهداء الذين زرناهم حدثونا عن شرف الشهادة وفضل التضحية.. والحديث يدور حول أول طائرة حلّقت فوق سماء أم روابة «مجرد تحليق» فقذفت الرعب والهلع والذعر في قلوب المتمردين ولاذوا بالفرار!! والحديث يدور حول امكانية اصطياد عربات المتمردين عربة عربة عند خروجها من أم روابة ، بل كان يمكن قبضها «حية». ولكن الضربة الكبرى التي يوجهها الأعداء إلى معنويات هذا المواطن الصالح هي الحديث عن الفساد.. فساد بعض القيادات!! أخي الرئيس.. لا تستردوا منهم الأموال، ولا تحاكموهم ولكن امنعوهم من الجمع بين التجارة والوزارة-أعفوهم من الوزارة ودعوهم للتجارة!! سيدي الرئيس.. هؤلاء قتلوا المشروع وخانوا العهد ونقضوا البيعة ووظّفوا المناصب للمصالح الذاتية.. وليس على هذا بايعهم الشهداء، وليس على هذا بايعهم اخوان الحركة الاسلامية، وليس على هذا ظل الشعب السوداني صابراً، وهو يدفع من قوت عياله دعماً للإنقاذ وبقاء الوطن!! هم بضعة وزراء، أقلهم أخي الرئيس واكسب الشعب السوداني كله.. أقلهم أخي الرئيس وهذه ليست وشاية وإنما هي وجعة أم روابة وأخواتها.. أقلهم أخي الرئيس فإنهم لا يشبهون عوض عمر ولا محمود شريف، ولا أحمد بشير الحسن، ولا الطيب مصطفى «ود مدني»، ولا علي عبد الفتاح ولا عيسى بشارة، ولا سانتينو داويو ولا اروك طون، ولا مجذوب ولا الزبير.. أقلهم أخي الرئيس، وسترى عجباً من الشعب السوداني وقواته المسلحة وقواته النظامية الأخرى ودفاعه الشعبي وشرطته الشعبية.. أقلهم أخي الرئيس وسيأتيك الشعب السوداني مبايعاً على الموت من أجل الدين والوطن.. أقلهم أخي الرئيس قبل أن يحيلوا السودان «صيفاً أفريقيّاً» أو «ربيعاً عربيّاً».. أقلهم أخي الرئيس إنّهم مشغولون بأموالهم عن آلام هذا الشعب.. أقلهم أخي الرئيس ولا تقبل منهم «تكسير الثلج» المفضوح ، فهم يكسرون الوطن ويدمرون شرف المواطنة.. أقلهم أخي الرئيس واشترط على خلفهم أن لا تجارة مع الوزارة ، ثم بعد ذلك أعلن الحرب على المحسوبية والمناطقية، ثم القبلية التي قفزت من سقفها الاجتماعي إلى سقف السياسة العامة والاقتصاد الوطني وثقافة التعايش. إن من يخوضون في شرف القوات المسلحة هم الطابور الخامس ، وإن من يخذلون الشعب قد وجدوا ذريعةً في هؤلاء الوزراء الأثرياء!! فهلاّ دخل أحدهم السوق دون سلطان ورأى أيصمد أمام تماسيحه أم لا؟ إنّ إقالتهم لن تكون تصحيحاً للوضع وحسب ، وإنما ستكون إنقاذاً جديداً للوطن من الضياع، فهم الثغرة التي ينفذ منها الأعداء ، وهم الثغرة التي ينفث منها الجحيم إلى صدور الشرفاء. عجبت لأخ كريم صادق الولاء، جمّ الوفاء، عندما سمع الحديث عن فساد بعض إخوانه ، قال إنه لا يقبل أي كلام في إخوانه ، مع أن الفتنة أصابت حتى الصحابة رضوان الله عليهم حتى تقاتلوا!! أوليسوا بشراً؟! واتهم من تحدث عن فساد البعض بأنه كاذب وأنه ترك القران . لذلك تأثر بما يُنشر في المواقع الإسفيرية!! ومتى كان القرآن يعمي قارئه عن رؤية عيوب الاخوان؟! بل العكس فالقرآن هو المرآة التي تشف عن العيوب، والمؤمن مرآة أخيه، وأراد ثالث أن يهوّن على المتهم بترك القرآن فقال له: «إنت بتصلي بطلع البدر علينا ولا شنو؟!» قيل إن أحد الوزراء يتمتع بثلاث حصانات، قلت إن «العزيزية» كانت محمية بثلاثة حصون ، وكان بداخلها الدكتاتور القذافي، ورغم ذلك سقطت بأيدي من كانوا قبل شهور عُزلاً، وسبحان الله الذي بيده ملك السموات والأرض.. «مالك يوم الدين»، وحده له المُلك المُطلق. ألا هل بلّغت؟.. أللّهم فاشهد