إن الخطوة الأولى على طريق حل أي مشكلة تبدأ بتحديد المشكلة محل البحث والدراسة الجادة والموضوعية من هنا وتحديد المشاكل والتحديات التي عانى منها المواطن وما زالت تواجهه والجميع يجزم بأنها علة العلل والمعضلة الكبرى التي تتجسد في الصحة بالولاية الشمالية والجميع يتحدث عن الرداءة للمستشفيات والمراكز الصحية ثم عدم الخدمات والاهتمام بالمرضى ومشاكل عديدة مصاحبة ومستعصية تواجههم بالمستشفيات وعلى رأسها مستشفى دنقلا التخصصي، المستشفى العلامة ذو الهيئة العمرانية والجودة العالية والمشتل الجميل الوارف واللافتة المضيئة التي نصبت على أعلى المبنى الشامخ، إذا ذهبت إليه تشعر بأن هناك فعلاً يوجد مستشفى كبير مؤهل يستقبل جميع الحالات المرضية ولم تكن هناك حاجة لسفر الخرطوم أو الخارج لتلقي العلاج، ولكن للأسف كل ذلك بعيد عن الواقع الذي يعيشه المواطن بالولاية الشمالية رغم أقسامها التي علقت لافتاتها أمام الأبواب كقسم الحوادث، الأشعة، الباطنية، الموجات الصوتية، الرنين المغنطيسي، العمليات الكبيرة والصغيرة، الجراحة، المعامل ، الإحصاء، المحولات الحنجرة والعظام، العيون، الأسنان، الأطفال، نساء والتوليد.. الخ حيث تندهش لكثرة الأقسام بدون فائدة «أسماء فقط».. لقد التقيت أحد المرضى من داخل مستشفى دنقلا التخصصي الذي قال نحن نعاني من أشياء كثيرة منها فقدان الكادر وضعف المهنة وعدم الخدمات وتردٍ واضح في الأوضاع وتلوث البيئة وهنالك بعوض كثيف وروائح كريهة نتيجة لعدم شفط الحمامات، وأضاف قائلاً زمان كانت هناك أشياء كثيرة مجانية، الآن الغيار ب10 جنيهات وإذا أحتجت لدرب ملح والمطهر والرباط كمريض إلا تشتريها من السوق الأسود وأيضاً البنج الكامل إلا بعد أن تدفع 100جنيه لذلك التقيت اختصاصي النساء والتوليد أبو القاسم أبو شنب، حيث ذكر لي أن البعوض يجب أن يحارب خارج المستشفى، مثلاً الأحياء المجاورة حتى تتم محاربته داخل المستشفى، وإذا تحدثت عن شفط الحمامات وإزالة الروائح فإن المستشفى لا توجد به عربة شفط، حيث إن أجرتها 200 ألف والمستشفى لا يملك هذا المبلغ، وإذا تحدثنا عن التأمين الصحي ومعاناة من يحملون بطاقاته أحياناً لا تتوفر كل الأدوية داخل صيدليات التأمين الصحي وهذا ما يضطر المريض إلى شرائها من الصيدليات الخارجية. وأثناء مرورنا داخل المشفى التقيت أحد المواطنين وتحدث عن عدم الاهتمام بالمرضى وهذا ما جعل مواطني الولاية يفضلون السفر للعاصمة والخارج وخاصة دولة الأردن لتلقي العلاج رغم الضعف المادي والظروف المعيشية الصعبة التي تحيط بهم من كل الاتجاهات، وأضاف أن المستشفى تفتقر لأبسط الاحتياجات التي تتمثل في الكادر المدرب والمؤهل وفن التعامل والتعامل الراقي للمرضى غض النظر عن أعمارهم أو إصاباتهم المرضية التي لا تقبل الخمول والتباطؤ أو التمرد. إن المستشفى تعد أكبر مستشفى بالولاية لكنها لا توجد بها خدمة للمواطنين الضعفاء الذين لا حول لهم ولا قوة، هناك أطباء لا يستطيعون تشخيص كل أنواع الأمراض والإصابات المستعصية التي يعاني منها المواطنون مثل العمليات، السرطان، الفشل الكلوي، السكري، وأبسط حاجة الملاريا، ويتساءل هل قبل مجيئهم لهذا الصرح تلقوا جرعات تدريبية بصورة حقيقية ومؤهلة لهذا العمل الإنساني تمكنهم من أداء عملهم بكل ثقة ومهنية، وأضاف نحن أصبحنا نخاف من هذه المستشفى وظللنا نصبر على هذا المرض أو تلقينا جرعات من الصيدليات داخل السوق الحر «والشافي رب العالمين»، لأن المستشفى التخصصي اسم فقط يوجد بها يافعون لا يستطيعون معرفة المرض الذي تعاني منه، ففور وصولك لهم يسألك أحدهم «بتعاني من شنو؟».. إذا قلت له كذا.. فيقوم بإعطائك علاجاً ليس للمرض الذي تعاني منه، نتيجة لذلك أصبحنا نخاف منهم، فإذا أتيت لهم سليماً ومعافى ترجع مريضاً و«يزيدوا الطين بلة».