استعراض: سيف الدين حسن بابكر : الحلقة الاولى (1) تنشر آخر لحظة في عدة حلقات وثائق مهمة ونادرة قام بجمعها واستعراضها الاستاذ سيف الدين حسن بابكر وهي رصد للاحداث التي وقعت بجنوب السودان عام 1955 قبل احداث الاستقلال .. بالرغم من أن أعواماً طوالاً قد مرت على أحداث جنوب السودان (أغسطس 1955) والتي سبقت الاستقلال مباشرة ودارت أحداثها إبان فترة الحكم الذاتي برئاسة السيد/ اسماعيل الأزهري وكان وزير داخليته في ذلك الحين هو الشيخ/ علي عبدالرحمن، إلا أن تفاصيلاً دقيقة وكثيرة لم يتملكها الشعب السوداني وظلت حبيسة تقرير لجنة التحقيق الإداري والتي ترأسها السادة القاضي مستر ت.س قطران والسيد خليفة محجوب مدير عام مشاريع الاستوائية والزعيم لوليك لادو زعيم ليريا كعضو. وقد كونت تلك اللجنة وفقاً لقانون لجان التحقيق لعام 1954. لقد قامت تلك اللجنة بعمل كبير كما طلبت أن يعين لها مستشارون في المسائل الحربية ووقع اختيار وزير الدفاع على السادة: 1. القائمقام محمد بك التجاني. 2. البمباشي علي حسين شرفي. 3. ومن ثم قامت تلك اللجنة بزيارة المديريات الجنوبية الثلاث وعقدت جلساتها وتحقيقاتها في الأماكن التي وقعت فيها الأحداث. وعقدت (53) جلسة علنية: الخرطوم 23 جلسة جوبا 16 جلسة ياي 2 جلستان مريدي 3 جلسات يامبيو 1 جلسة توريت 2 جلستان قرية جامبو 1 جلسة ملكال 3 جلسات واو 2 جلستان كما قامت بزيارة الأماكن الآتية: أمادي، لوكا، أنزارا، كقلو، كتري، قيلو وكبويتا. (لقد كانت مهمة اللجنة منحصرة في التحقيق الإداري عن الأساليب والحقائق التي أفضت إلى وقوع تلك الحوادث) أو كما عرف مهمتها السيد/ وزير الداخلية في مقدمة التقرير. ويسترسل السيد علي عبد الرحمن قائلاً: (أما النواحي السياسية والاجتماعية وغير ذلك من الجوانب غير الإدارية فمكانها في غير هذا التقرير وإن كانت ذات صلة وثيقة به). إننا عندما ننفض الغبار عن هذا النص ونطالع ما احتواه من حقائق ظلت خافية عن هذا الجيل بل وحتى لأجيال سابقة نهدف من ذلك إلى تبصير الشعب بالكيفية التي اندلعت بها تلك الأحداث والإعدامات الجماعية التي قام بها الجنوبيون تجاه المواطنين الأبرياء العزل والوحشية التي ارتكبت بها عمليات التقتيل تلك والتي لم ترحم أحداً إن كان طفلاً أو امرأة أو شيخاً. إن كل الذين استشهدوا في تلك الأحداث من الشماليين واجهوا الموت ببسالة وعاشوا لحظات قاسية قبل إعدامهم غاب فيها العقل والضمير وكل الأعراف الإنسانية التي أمنت عليها الشرائع السماوية أو الوضعية وجلادهم يمارس عليهم كل صور التعذيب والتنكيل وهم أسرى لا حول ولا قوة لهم ويكفي أنه في مدينة (تالي) قام مساعد الحكيم الجنوبي بأخذ طفل التاجر أحمد الطيب المريض البالغ من العمل أحد عشر شهراً وأمسك برجله ولوح به في الهواء ثم هوى به على الأرض فمات الطفل في الحال!! أما في مدينة توريت وقد تم احتجاز زوجة التاجر محمد أحمد فضل المولى في السجن ومعها أطفالها الثلاثة بعد أن تم قتل زوجها وقد وضعت طفلاً رابعاً وهي في السجن ولم يشفع له أنه ابن يوم أو ثلاثة فتم قتله بجانب أمه وبقية أخوانه. إن القارئ عندما يطالع هذا التقرير ابتداءاً من هذا العدد والاعداد القادمة سيجد أن خطة قائد التمرد وسط الفرقة الجنوبية من قوة دفاع السودان (وكيل أمين سترلينو أبويو) كانت قائمة على هدف واحد هو قتل كل الشماليين في الجنوب في توقيت واحد خاصة العسكريين منهم!! وقد أكدت ذلك الوثائق التي وجدت بمكاتب اللاسلكي بتوريت. لقد كان سترلينو متطرفاً في كراهيته للشماليين.. وقد سبق كل صف الضباط لساعة الصفر وقام باستلاف قوس ونشاب من جندي يدعى (قيو انيو) وحاول أن يقتل قائد الفرقة الجنوبية بالإنابة.. وعندما فشل قرر أن يقتل أي شمالي يقع عليه بصره حينذاك. إننا سنبدأ في استعراض التقرير من البند المتعلق بالفرقة الجنوبية من قوة دفاع السودان والمؤامرة ولحظة اندلاع الأحداث. وبعد أن نستكمل كل التقرير ابتداءاً من البند السابق أعلاه وحتى نهاية الأحداث، سنعود لبنود أخرى ابتدأت بها لجنة التقرير لتشمل الآتي: 1. التعليم والدين. 2. الإدارة والبوليس. 3. السياسة في جنوب السودان .. وذلك وفقاً لما جاء في التقرير آنذاك ومن ثم نفسح المجال لبعض من عاصروا تلك الأحداث وعايشوها بتجرد شديد وفق ما تمليه علينا قدسية المهنة وشرف الكلمة. üüüü الفرقة الجنوبية من قوة دفاع السودان والمؤامرة 1- تتكون قوة دفاع السودان على نظام الفرق بمعنى أن الجنود يختارون ويعملون عادة في نفس الجزء من القطر الذي يجندون فيه. وعليه فإن جميع جنود الفرقة الجنوبية جنوبيون وينتمي معظمهم إلى قبائل الاستوائية كما أن مائة منهم فقط من القبائل النيلية أغلبيتهم من الدينكا. وحتى سنة 1954م كان ضباطهم بريطانيون وسودانيون شماليون. وكان بالفرقة الجنوبية تسعة ضباط جنوبيين برتبة ملازم ثان وأربعة وعشرون ضابطاً شمالياً معظمهم في رتب عالية. ويبلغ عدد الفرقة 1770 ضابطاً وجندياً. ورئاسة الفرقة الجنوبية في مدينة توريت في المديرية الاستوائية. وكان توزيع وحدات الفرقة في يوم 18/8/1955م كما يلي: الاستوائية: توريت: البلك نمرة 1 - ناقصاً بلتونين البلك نمرة 2- ناقصاً بلتونين البلك نمرة 6- بما في ذلك المستجدين (بلك الاولاد) بلتون واحد من البلك نمرة 4 بلك الرئاسة البلك نمرة 3 من سلاح الخدمة ناقصاً فصائل بلتون المهندسين للفرقة الجنوبية وكان هناك خمسة عشر ضابطاً شمالياً وثلاثة ضباط جنوبيين في توريت كبويتا: البلك نمرة 5 ناقصاً بلتونين ضابط شمالي واحد لويلي: بلتون واحد من البلك نمرة 5 جوبا: بلتون واحد من البلك نمرة 1 بلتون واحد من البلك نمرة 4 خمسة ضباط شماليين وضابطين جنوبيين ياي: بلتون واحد من البلك نمرة 1 ضابط شمالي واحد يامبيو: بلتونان من البلك نمرة 2 ضابط شمالي وضابط جنوبي انزارا: بلتون واحد من البلك نمرة 5 ضابط شمالي بحر الغزال: واو: البلك نمرة 3 أربعة ضباط شماليين أعالي النيل: ملكال: البلك نمرة 4 ناقصاً بلتونين ضابطان شماليان وزيادة على ذلك فقد كان البلك نمرة 5 من فرقة الهجانة بقيادة ثلاثة ضباط شماليين متواجداً في جوبا في ذلك التاريخ. وفيما يلي أسماء الضباط الجنوبيين. * ملازم ثاني علي بطله * ملازم ثاني مودي أبا * ملازم ثاني منديري أونزاكي * ملازم ثاني رينالدو لوليا * ملازم ثاني تفنق لادنقي * ملازم ثاني البينو تومبي * ملازم ثاني نيانق ديو * ملازم ثاني مارو * ملازم ثاني صمويل أبو يوني وعلى العموم يبدو أنه حتى نهاية يونيو سنة 1955م لم يتأثر رجال الفرقة الجنوبية بنشاط الأحزاب السياسية. ولكن كان بالفرقة شخصان لهما نشاط سياسي كبير وهما: 1. وكيل بلك أمين سترلينو ابويو 2. ملازم ثاني تفنق لادنقي وفي اليوم السادس من شهر أغسطس سنة 1955م حدث في توريت أن أطلق وكيل بلك الأمين - سترلينو- نشاباً على مساعد وكيل البوستة الشمالي ولكنه لم يصبه بل أصاب بجراح جندياً جنوبياً. وقد اعترف أثناء التحقيق بأنه كان يقصد قائد الفرقة الجنوبية بالنيابة القائمقام طاهر بك عبد الرحمن وعند تفتيش منزله عثر على وثائق كشفت الحقائق التالية: 1. إن وكيل بلك الأمين - سترلينو- كان عضواً في حزب الأحرار الجنوبي وكان على اتصال مستمر مع الكتبة الجنوبيين في جوبا الذين لهم نشاط سياسي. 2. كان على علم بأن الجنود الشماليين سيصلون إلى جنوب السودان. 3. كان يظن أن الجنود الشماليين قادمون لقتل الجنوبيين. وقد وجد مادة لنشر دعايته في الحوادث التي حصلت في أنزارا يوم 26 يوليو. 4. ولذلك فإنه قام بحملة دعاية بين كبار صف الضباط وحرضهم على قتل ضباطهم. وقد وافقه على آرائه الملازم ثاني تفنق لادنقي والملازم ثاني رينالدو لوليا. 5. وباستعماله لتلفون الجيش اللاسلكي أمكنه إرسال إشارات باللهجات المحلية تبين خطته للتمرد إلى باشجاويش حامية واو الباشجاويش - صمويل- وأيضاً إلى الباشجاويش - ميزان - الذي كان مع البلك نمرة 4 بملكال. 6. قد وجد الكشف الآتي الذي يبين أسماء المشتركين في المؤامرة: 7. وكانت خطة وكيل بلك الأمين سترلينو هي قتل كل الضباط الشماليين على أن يتم ذلك بمعاونة القوات الجنوبية في توريت وعلى أن تنفذ الخطة في وقت واحد في كل الوحدات في الفرقة الجنوبية في المديريات الثلاث في أو حوالي يوم 4 أغسطس سنة 1955م. 8. وقد أرسل إشارة بلغة الأشولي إلى الملازم ثاني رينالدو لوليا (الذي كان بجوبا في يوم 4 أغسطس) طالباً منه ارسال بلتونين من الفرقة الجنوبية إلى منقلة ليطلقوا النار على وحدات الجيش الشمالية التي كانت في طريقها إلى جوبا بالباخرة وليستولي على المطار والمعدية. 9. رفض صف الضباط خطة سترلينو وفضلوا أن ينتظروا السيد/ بوث ديو عضو مجلس النواب وغيره من الأعضاء في الخرطوم وليروا أن كان الجنود الشماليون سيطلقون النار على الجنوبيين حقاً. 10. رفض الملازم ثاني رينالدو في رده على إشارة وكيل بلك الأمين سترلينو أن يرسل بلتونا لمنقله أو يستولي على المطار والمعدية ونصحه بأن يتريث. 11. في خطاب إلى ماركو أفندي روم سكرتير لجنة حزب الأحرار بجوبا (وهو كاتب) قدم سترلينو في لهجة عنيفة استقالته كرئيس للفرقة الجنوبية لأن بقية صف الضباط رفضوا تنفيذ خطته واعتبر سترلينو ذلك عدم ثقة في صلاحيته لقيادتهم. وفيما يلي نص الإشارات اللاسلكية المتبادلة بين الملازم ثاني رينالدو ووكيل بلك الأمين سترلينو. ü ترجمة حرفية: (أ) توريت أقصى السرية مستعجل من: س. و (سترلينو أوبويو) إلى: ر.ل (رينالدو لوليا) ستكون هناك حرب غداً في الساعة الخامسة صباحاً. يجب أن تعمل في نفس الوقت ولا تتأخر. أرسل بلتونين إلى نقطة منقله غداً. ضع هذا في ذاكرتك. (لا توجد وثيقة تبين أنه قد أرسل رد على هذه البرقية. ولكن سترلينو أرسل إشارة في اليوم التالي كما يأتي): ب/ توريت: من: س. و (سترلينو أوبويو) إلى: ر.ل (رينالدو لوليا) ستكون هناك حرب في الساعة الرابعة مساء. (أ) يجب الاستيلاء على المطار (ب) المعدية. يجب أن تأخذ أنت بنفسك بلتونين إلى نقطة منقله ويجب أن ترسل عربات لتحضر كل البلك الموجود في يامبيو. ج/ جوبا: من: ملازم ثاني رينالدو إلى: سترلينو ليس هناك موضوع. لا تفعل أي شيء الآن. انتظر خطابي. سيصلك في الغد الباكر. لا تفكر في أي شيء. إني أخبرك الحقيقة لا تفعل أي شيء. نعم لم يستلم أي شيء. البلك نمرة 3 من الفرقة الجنوبية الموضوع: استقالة قوة دفاع السودان - توريت 6/8/1955 مستر ماركو افندي روم سكرتير لجنة حزب الأحرار بجوبا 1- آسف لنقاشنا معك ومع أعضاء اللجنة الآخرين لأن لجنتي رفضت الدورية في يوم 4/8/1955م في مساء نفس اليوم عندما جمعتهم وناقشت معهم الأمر. 2- وكلهم يقولون يجب علينا أن ننتظر حتى يعود بوث والأعضاء الآخرون من الخرطوم. وبعمل لجنتي هذا وإيقافهم لي فإنهم يظنون أني غير صالح لقيادتهم ولذلك فإني قدمت استقالتي اليهم أي أني قد استقلت من وظيفة رئيس الفرقة الجنوبية وذلك اعتباراً من 5/8/1955م. إني أشكرك كثيراً. بلغ تحياتي لعائلتك مخلصك وكيل بلك أمين سترلينو أو بويو الرئيس السابق للفرقة الجنوبية البلك نمرة 3 من الفرقة الجنوبية قوة دفاع السودان - توريت 6/8/1955م سكرتير لجنة حزب الأحرار / جوبا مستر ماركو أفندي روم 1. إني آسف لنقاشي معك ودانيال أفندي جوم وأعضاء اللجنة الآخرين بخصوص الدورية في يوم 4/8/1955. فقد رفضت بواسطة لجنتي في نفس المساء عندما جمعتهم بغرض الحصول على موافقتهم. 2. لقد قال جميعهم أنه يجب علينا انتظار وصول بوث والأعضاء الآخرين من الخرطوم ولذا فإنهم جميعهم يرفضون الدورية. 3. لقد خبرتهم بأن القوات الشمالية آتية ولقد قال جميعهم دعها تصل وعندما نراهم سنبدأ العمل منذ ذلك التاريخ. 4. جميعهم يريد أن يعرف لماذا استدعتني اللجنة. هل لغرض القوات الشمالية فقط أم لموضوع آخر. ولقد قلت أن السكرتير لم يعطني أي أخبار بخصوص أعضائنا أو أي شيء آخر يسرني ولذلك فإن جميعهم يلوموني ويقولون يجب على أن أسألك عن الموضوع الذي من أجله استدعيتني. من فضلك إني أدرك أن نقاشي معك لم يكن على ما يرام. فهل تتكرم وترسل لي توضيحاً لأفهم جلياً ما تقصد إنني أشعر بخجل الآن من محادثتنا يوم 4/8/1955م. أرجو أن ترسل لي رداً مستعجلاً لهذه الحقيقة. إننا على استعداد دواماً وليس هناك خوف. ولذلك فإننا في حاجة ماسة لرد هذا الخطاب لارتاح مع رجال قوة دفاع السودان هؤلاء. مخلصك الإمضاء - وكيل بلك أمين سترلينو أبويو رئيس الفرقة الجنوبية 2/ يلاحظ أن هذين الخطابين لم يتمكن سترلينو من إرسالهما. لم يمثل سترلينو نفسه أمام اللجنة للإدلاء بشهادته حيث أنه ولى هارباً بعد أن أطلق سراحه المتمردون من سجن توريت في يوم 18/8/1955م إلا أن الملازم ثاني رينالدو لوليا والملازم ثاني تفنق لادنقي وقليلاً غيرهم ممن وردت اسماؤهم في الكشف أعلاه قد أدلوا بشهادتهم. يبدو أن سترلينو تمكن من أن يجمع حوله عدداً من كبار صف الضباط ولكن اتضح من الشهود أنه لم يكن من بين صف الضباط هؤلاء من كان موافقاً على مؤامرته لقتل الضباط الشماليين. ويبدو أيضاً أنه كان مغالياً في كراهيته للشماليين لأنه عندما رفض صف الضباط أن ينفذوا مؤامرته فقد استلف من جندي يدعي قيوفانيو قوسا ونشابا وعبثا حاول أن يجد قائد الفرقة الجنوبية بالنيابة وعندئذ قرر أن يقتل أي شمالي يقع عليه بصره. ولقد كانت خطته نفسها خرقاء وغير محكمة ومنظمة. 3/ عندما اكتشفت هذه المؤامرة كان قائد الفرقة الجنوبية يقضي إجازته بالخرطوم وقد استدعى لتوريت في الحال وبارح الخرطوم إلى جوبا جواً في يوم 9/8/1955م. وبما أن المؤامرة شملت عدداً من صف الضباط في المديريات الجنوبية الثلاث فإن القائمقام عروة بك القائد السابق لبلك واو والسيد داود عبداللطيف مدير بحر الغزال بارحا الخرطوم على نفس الطائرة لاستئناف عملهما. وفي اجتماع عقد بالمديرية بجوبا حضره مدير الاستوائية ونائبه وقائد الفرقة الجنوبية ومدير بحر الغزال والقائمقام عروة بك والقائمقام طاهر بك عبدالرحمن وقمندان بوليس الاستوئية اتخذت القرارات الآتية: 1. أنه من الضروري احضار قوات شمالية للجنوب (وقد أرسلت برقية مستعجلة للخرطوم في هذا الصدد). 2. إلى أن تكتمل الاستعدادات لا يلقى القبض على رجال الجيش المشتركين في المؤامرة على أن يرسل باشجاويشية واو وملكال وردت اسماؤهم في الوثائق في مهمة مصطنعة إلى جوبا ليكونوا تحت المراقبة الدقيقة وعلى أن تجرى تحريات أكثر من رجال القوات لسبر غور المؤامرة. 3. على أن تسير السلطات المدنية في القاء القبض على المدنيين المهتمين في الاشتراك في مؤامرة التمرد. وبعد انتهاء الجلسة توجه مدير بحر الغزال والقائمقام عروة بك إلى واو كما سافر إلى توريت قائد الفرقة الجنوبية. أرسل الباشجاويش صموئيل من البلك نمرة 3 والباشجاويش ميزان من البلك نمرة 4 إلى جوبا بناء على تعليمات القائد في يوم 10 أغسطس أو ما يقارب ذلك التاريخ. 4. وفي يوم 8 أغسطس وبعد أن اتضح أن اثنين من المدنيين مشتركان في المؤامرة ابتدأ كبير مفتشي البوليس بجوبا تحرياته وأمر بالقاء القبض على اثنين من الكتبة هما: 1/ ماركو أفندي روم 2/ دانيا أفندي جوم ثم سافر إلى توريت ليواصل تحرياته. وفي الساعة السابعة صباحاً من اليوم التاسع من أغسطس احتشد جمع يتراوح عدده بين 300 و 400 شخص بالقرب من سجن جوبا وطالبوا بأن يطلق سراح المسجونين في الحال لأنهما (سجنا دون سبب) وعندما حانت الساعة الثامنة ازداد عددهم إلى ما بين 600 و 800 شخصاً. وعندئذ طلب مفتش مركز جوبا (السيد محمد عبد الكريم) من اثنين من كبار الجنوبيين هما السيد ياسيا لوكيري عضو مجلس الشيوخ والزعيم لوليك لادو (العضو المحترم بهذه اللجنة) أن يذهبا ويخبرا الحشد بأن هذين الموظفين قد سجنا بناء على أوامر كبير مفتشي البوليس وأنهما سيظلان في السجن إلى أن يكمل كبير مفتشي البوليس تحرياته بتوريت وأن عليهم أن ينفضوا ويذهبوا لمنازلهم. وقد أبلغت هذه الرسالة إليهم غير أن المحتشدين طالبوا بإطلاق سراح الموظفين بضمان أو أن يحجزا في منزليهما. وقد أبلغت هذه الرسالة لمفتش المركز. وبعد ذلك طلب مفتش المركز من الوسيطين أن يخبرا الناس بأن الضمان مسموح به في حالة الجرائم الصغيرة وليس في حالة الجرائم الكبيرة كما هو الحال مع هذين المتهمين وعليه فلابد أن يظلا في السجن إلى أن يعود اليا أفندي لوب. وقد طالب الحشد بعد ذلك بإرسال المتهمين في الحال إلى توريت للتحقيق معهما. وقد قبل مفتش المركز هذا العرض ولكن حدث فيما بعد سوء تفاهم بين الوسيطين والحشد وانتخب المتجمهرون وفداً مكوناً من أربعة أشخاص ليتحدثوا مع مفتش المركز. وقد كرر مفتش المركز للوفد أنه راغب في إرسال المتهمين لتوريت ورجاهم مرة ثانية أن يطلبوا من الحشد أن يتفرق. وقد أبلغ هذا الرجاء ولكن المتجمهرين رفضوا الاتفاق. وأصبح الحشد أكثر تحدياً وابتدأوا في الزحف نحو المركز وعندها خرج المفتش من المركز وأنذر الجمهور بأنه سيأمر البوليس باستعمال الغاز المسيل للدموع إذا لم يتفرقوا بسلام. فازداد هياج الجمهور وجرى قليل منهم نحو المفتش وهاجموه فتخلص منهم وأمر البوليس باستعمال الغاز المسيل للدموع. ففجرت عدة قنابل وتفرق الحشد بسرعة ولم يلق القبض على أي شخص لأن المفتش قرر أن يعفو عنهم وتناسى الحادث. ووصلت أول دفعة من القوات الشمالية جوبا عن طريق الجو في يوم 10 أغسطس. وأخذ كثير من المدنيين عوائلهم وغادروا جوبا ظناً منهم أن القوات الشمالية آتية لقتلهم. ... يتبع
