الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    عقار: بعض العاملين مع الوزراء في بورتسودان اشتروا شقق في القاهرة وتركيا    عقوبة في نواكشوط… وصفعات في الداخل!    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    سلسلة تقارير .. جامعة ابن سينا .. حينما يتحول التعليم إلى سلعة للسمسرة    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قسم السودان بين بنيه شر مقسم ... بقلم: م. تاج السر حسن عبد العاطى
نشر في سودانيل يوم 08 - 07 - 2011


بسم الله الرحمن الرحيم
خلفية تاريخية من حرب النهر إلى يوم الإنفصال 2/1
فى كتابه حرب النهر(حملة كتشنر) ذكر اللورد ونستون تشرشل الضابط فى الجيش الغازى عام 1899 "أن الديانة المحمدية والثقافة العربية تتغلغلان فى أفريقيا السوداء تغلغل الماء فى الاسفنج الجاف (واصفاً عدم وجود أى عوائق أمامها )" فكان من الاهداف السامية لجيش صاحبة الجلالة إيقاف هذا التغلغل بإقامة مناطق عازلة و موانع نفسية غالبة.
و فى دعايتها لتغطية يوم الحدث تتحدث فضائية البي بي سى العالمية BBC world service التي ينعتها البعض بالمهنية و الرصانة تتحدث عن تغطية شاملة لأحداث يوم إستقلال جنوب السودان هكذا من غير لبث و لاتورية.
فاذا إدعى البعض أن مقولة تشرشل الحائز على جائزة نوبل فى الأدب و رئيس وزراء حكومة صاحبة الجلالة خلال الحرب العالمية الثانية قد فسرناها فى سياق ما يسمى بنظرية المؤامرة فدعوة البي بى سى ما زالت تُبَث عشرات المرات خلال اليوم .
لا نقول أن اليوم هو يوم إستقلال جنوب السودان ولكن نقول وفى الحلق غصة اليوم يوم إنفصال جنوب السودان أما سبب التقسيم فليس من الحكمة الدخول فى جدل فى مثل هذا اليوم ولكن نتركه للاستاذ الهادى آدم الذي أفصح عنه و أبان قبل أكثر من خمسين عام و نشفع شهادة الأستاذ بملخص لتقرير وزارة الداخلية عن أسباب عصيان أغسطس عام 1955.
فى هذا اليوم يوم تقسيم السودان لا بد أن نشييد بثورةالإنقاذ لأنها إتخذت القرار الصعب بإعطاء أبناء الجنوب حق الإنفصال من أجل حفظ دماء أبناء السودان لأن روح العداء و الكراهية التى زرعتها المنظمات التبشيرية فى نفوس أبناء الجنوب كانت سبباً فى إزهاق الأرواح بدءً من عام 1955 الى 2005 ولم يعد هنالك سبيل لعلاج هذه اللوثة.
فواجب الإنقاذ اليوم أن تدير المشهد بالصبر و التعقل بعد أن اصبح أمر الجنوب فى يد رجال تعوزهم الخبرة و بعد النظر و تحركهم النزعات الشريرة ويدفعهم دهاقنة صناعة الفتن و الفوضى... الخلاقة!! ذلك لأن الإسلام حرم القتل والإعتداء على النفس بغير حق: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ) وشدد فى عظم جرم القتل (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) فيجب أن لا يكون الحفاظ على على الحدود الإدارية مسوقاً لقتل النفس الإنسانية.
و فى هذا اليوم لابد أن نشيد بالشهداء لأن دمائهم هى التى مهدت الطريق للسلام بعد أن إستعصى ذلك على أهل السياسة و الحكم فحقنوا بدمائهم دماء أبناء هذا الوطن فصدق فيهم قول أمير الشعراء يرحمه الله
ضربوا الضلالة ضربة ذهبت بها *** فعلى الجهالة والضلال عفاء
دعموا على الحرب السلام وطالما *** حقنت دماء في الزمان دماء
إن الشجاعة في الرجال غلاظة *** ما لم تزنها رأفة وسخاء
والحرب من شرف الشعوب فإن بغوا *** فالمجد مما يدعون براء
نقول للبي بي سى أحد أكبر ماكينات صناعة الرأى فى العالم أن الشمال لم يستعمر الجنوب يومأً وان ادعى ذلك باقان و أشباهه ولم يستعبد أبناء الجنوب يوماً فاذا كانت كونداليزا رايس تقول بأن جدتها كانت رقيقاً فان سلفاكير لن يدعى يومأً بأن جده الخامس أو العاشر كان رقيقاً فى الشمال.
ففى يوم الإنفصال لابد أن ندعو قادة الحركة الشعبية بإعمال العقل و الحكمة فى إدارة شأنهم الداخلى و شأنهم مع الشمال و إشراك أهل الخبرة و الحكمة من أبناء الجنوب و هم كثر لأن في إقصائهم ضررٌ للوطن المقسم وضررعلى أبناء الجنوب فى المقام الأول ولا تظنوا فى الرجل الأبيض خيراً فهو يتأبط شراً و يضمر شرين... و ستبدى لكم الأيام الحقائق ..ولات حين مناص
العصيان الأول أغسطس 1955
من قسم السودان؟ - 2/2
أود أن أخلص بإختصار إلى الاسباب التى ساقها التقرير الإدارى للجنة التحقيق فى حوادث أغسطس 1955 و التى كونها وزير الداخلية آنذاك الشيخ على عبد الرحمن و أختم بقصيدة للاستاذ الهادى آدم وقد كان شاهداً على ذبح الكثير من زملائة الأساتذة و هذه القصيدة تحاول جهات كثيرة أن تخفيها من تراث هذا الشاعر ولا تذكر له سوى قصيدة غداً القاك التى تغنت بها أم كلثوم عند زيارتها للخرطوم فى الستينات من القرن الماضى !! لعل هذه المعلومات تسعف بعضهم فيتدبر حقيقة الأمر بدلاً عن السطحية و السذاجة التى يدار بها الحوار حول أسباب تقسيم السودان .
حتى عام 1930 لم يكن معروفاً او مستعملاً مصطلح جنوب السودان فالقارىء لنعوم شقير و سلاطين باشا وغيرها من كتب التاريخ و الدوريات السابقة لهذا التاريخ لا يجد بها هذا المصطلح إسماً لهذا الجزء من السودان بل يجد الإستوائية و بحر الغزال و فشودة
فى 25 يناير 1930 أعلنت حكومة صاحبة الجلالة سياسة جنوب السودان ( المناطق المقفولة) و هى سياسة مكتوبة و معلنة تهدف لفصل جنوب السودان عن شماله بقيام دولة فى هذه المنطقة أو توزيعه على دول شرق أفريقيا و تمثلت أهم عناصر هذه السياسة فى التالى:
1. نقل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون بالجنوب من إداريين و فنيين وكتبة للشمال
2. عدم تجديد رخص التجار الشماليين وإبعادهم وإحلال الإغريق و السوريين النصارى بدلاً عنهم
3. إجلاء المسلمين الجنوبيين من مواطنهم و ترحيلهم للشمال ما أمكن ذلك
4. إخماد كل مظاهر الديانة الاسلامية ومنع الجنوبيين المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية علناً
5. الغاء تدريس اللغة العربية كمادة فى المدارس
6. حُرم على التجار بيع الجلاليب و العراريق و الطواقى و العمائم و حددت لهم مهلة للتخلص من ما بحوذتهم
7. يعهد بالتعليم للكنيسة و الإرساليات
8. أما فيما يختص بزعماء القبائل الذين تعودوا لبس الزى العربى فى مجالسهم العامة فيجب منعهم من ذلك و تشجيعهم على التمسك بالعادات و التقاليد – التعرى
9. إرغام من كانوا يتسمون بأسماء عربية لمدة أجيال على تغييرها
10. تبين لاحقاً إن الإنخراط فى قوة دفاع السودان يمثل أكبر مهددات هذه السياسة حيث يلتزم أبناء الجنوب العاملين بهذه القوة بالدين الاسلامى و تنتشر بينهم الثقافة العربية و يغيرون أسمائهم و يحتفى بهم أهلهم حال عودتهم فتم إنشاء ما عرف بقوة دفاع جنوب السودان تكون لغتها الرسمية الانجليزية و بها قساوسة يشرفون على تعمييد و تنصير أفرادها و هى القوة التى قامت بمذبحة توريت
فى 16 ديسمبر 1946 تم إعلان الغاء سياسة جنوب السودان و إعلان فشلها حيث ثبت بالتجربة أن جنوب السودان لا يمتلك العناصر الأساسية لمقومات الدولة (الدين– اللغة-الثقافة المشتركة–التاريخ)
هذه السياسة التى إعترف الإستعمار الإنجليزى بفشلها فى سياق مراجعة السياسة العامة لحكومة صاحبة الجلالة بعد الحرب الكونية الثانية و المتمثلة فى الإنسحاب من المستعمرات كانت هى السبب الرئيسى فى حدوث مذبحة توريت و ما نعانية اليوم.
فى سياق ما ترتب على الغاء سياسة المناطق المقفولة تم إلحاق قوة دفاع جنوب السودان بالجيش السودانى تحت إسم الفرقة الجنوبية و قيادتها فى توريت. سبب هذا القرار تذمراً كبيراً وسط جنود هذه الفرقة حيث أُشيع أن القوات الشمالية قادمة للقضاء عليهم و إستعبادهم مرةً أخرى.وقد تولى كبر هذه الإشاعة مفتشى المراكز الإنجليز و عدد كبير من رجال الكنيسة الذين وقف بعضهم ضد إلغاء سياسة المناطق المقفولة.
أعطيت التعليمات للبلك نمرة 2 من الفرقة الجنوبية بالسفر إلى الخرطوم للإشتراك فى الإحتفالات بجلاء القوات البريطانية. فى يوم 18/8/1955 تجمع البلك نمرة 2 فى ميدان الطابور داخل مقر القيادة الجنوبية بتوريت و أعطيت لهم تعليمات السفر و التحرك لجوبا فى شكل بلتونات ليستقلوا الباخرة الى الخرطوم يومها وقع التمرد المشئوم وقتل فى توريت و حدها 78 من التجار و الموظفين و المعلمين و النساء و الاطفال هذه صورةٌ مختصرة للسياسة الاستعمارية التى قصدت و أسست الى بذر الكراهية بين ابناء هذا الوطن.
فهذه الكراهية لم تكن موجودة قبل إنفاذ هذه السياسة و الدليل على ذلك أن جل قادة جمعية اللواء الأبيض التى قامت بثورة 1924 كانوا من أبناء الجنوب و كانوا يهتفون بوحدة وادى النيل وحياة الملك فؤاد الاول ملكاً لمصر و السودان. لا دخل للشريعة و لا الدكتاتورية ولا المؤتمر الوطنى بما جرى و يجرى .
الشاعر الهادى آدم كان شاهداً على هذه الأحداث الرعناء و صورها فى القصيدة التالية و هى تفصح عن ذلك المشهد .
توريت
الهادي آدم 1955
توريت يا وكر الدسائس والخديعة والدم
قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي
الغاب مطرقة الغصون على دجاك المعتم
والصمت والليل الرهيب وخادعات الأنجم
لا شئ غير الريح تنفخ في رماد المأتم
ومغارةً فيها المنايا السود فاغرة الفم
ونعيق ضفدعة تنوح بليلك المتجهم
يا قطة أكلت بنيها وهي ظمأى للدم
أمعنت قتلا في النساء وغيلة للمحرم
لم ترحمي حتى صغارهم ،،، ولم تترحمي
والشيخ والحبلى،،، فأي جريمة لم تجرمي
حتى غدوت مع الدجى وكر الطيور الحوم
ومناظر الأشلاء تنهضها الغيوم فترتمي
*******
من سد أبواب الجنوب بكل قفل محكم؟
من قسم السودان بين بنيه شر مقسم؟
أهم الشماليون؟،،، هل كانوا هناك ؟،،،، تكلمي
ردي فإن العار كل العار أن تتجهمي
توريت ذاك هو العدو فهمت أم لم تفهمي
توريت إن غدا لناظره قريب المقدم
فستعرفين وتندمين ولات ساعة مندم
مر اليوم أكثر من خمسون عاماً على أحداث ذلك العصيان و المذابح البربرية التي صاحبته لم يكن للمؤتمر الوطنى يدٌ فيها و لم تكن قوانين الشريعة قائمة يومها فالبارات و بيوت الدعارة كانت مفتوحة على مصراعيها فما يحصل من تقسيم هو سياسة طويلة النفس لتحقيق أهداف كلية أفصح عنها كثير من رجال الارساليات و الاستعمار كما ان الدول الغربية اليوم تنظر بعين الطمع لموارد هذا القطر الشاسع يسرها ان يتمزق و تنتشر فيه الفتن فيسهل على شركاتها سرقة موارده كما يحدث فى جل الدول الافريقية.
ولكن المؤسف أن معظم رجال السياسة وكتاب الصحافة و النخب المشتغلة بصناعة الرأى يقعدها الجهل بحقائق التاريخ و مؤامرات الأعداء فتتلهى بالكيد السياسى و سفاسف الأمور عن مؤامرة تمزيق الوطن و حسبنا الله و نعم الوكيل.
م. تاج السر حسن عبد العاطى
جامعة الجزيرة – كلية الهندسة
"[email protected]
ود مدنى – 7 يوليو 2011
المرجع:
تقرير لجنة التحقيق الادارى فى حوادث الجنوب فبراير 1956
حرب النهر ونستون تشرشل
خلفية الصراع فى جنوب السودان الدكتور محمد عمر بشير
العصيان الأول أغسطس 1955: البداية والنهاية للتقسيم
2/2
أود أن أخلص بإختصار إلى الأسباب التى ساقها التقرير الإدارى للجنة التحقيق فى حوادث أغسطس 1955 و التى كونها وزير الداخلية آنذاك الشيخ على عبد الرحمن و أختم بقصيدة للاستاذ الهادى آدم وقد كان شاهداً على ذبح الكثير من زملائة الأساتذة و هذه القصيدة تحاول جهات كثيرة أن تخفيها من تراث هذا الشاعر ولا تذكر له سوى قصيدة غداً القاك التى تغنت بها أم كلثوم عند زيارتها للخرطوم فى الستينات من القرن الماضى !! لعل هذه المعلومات تسعف بعضهم فيتدبر حقيقة الأمر بدلاً عن السطحية و السذاجة التى يدار بها الحوار حول أسباب تقسيم السودان .
حتى عام 1930 لم يكن معروفاً او مستعملاً مصطلح جنوب السودان فالقارىء لنعوم شقير و سلاطين باشا وغيرها من كتب التاريخ و الدوريات السابقة لهذا التاريخ لا يجد بها هذا المصطلح إسماً لهذا الجزء من السودان بل يجد الإستوائية و بحر الغزال و فشودة
فى 25 يناير 1930 أعلنت حكومة صاحبة الجلالة سياسة جنوب السودان ( المناطق المقفولة) و هى سياسة مكتوبة و معلنة تهدف لفصل جنوب السودان عن شماله بقيام دولة فى هذه المنطقة أو توزيعه على دول شرق أفريقيا و تمثلت أهم عناصر هذه السياسة فى التالى:
1. نقل جميع الموظفين الشماليين الذين كانوا يعملون بالجنوب من إداريين و فنيين وكتبة للشمال
2. عدم تجديد رخص التجار الشماليين وإبعادهم وإحلال الإغريق و السوريين النصارى بدلاً عنهم
3. إجلاء المسلمين الجنوبيين من مواطنهم و ترحيلهم للشمال ما أمكن ذلك
4. إخماد كل مظاهر الديانة الاسلامية ومنع الجنوبيين المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية علناً
5. الغاء تدريس اللغة العربية كمادة فى المدارس
6. حُرم على التجار بيع الجلاليب و العراريق و الطواقى و العمائم و حددت لهم مهلة للتخلص من ما بحوذتهم
7. يعهد بالتعليم للكنيسة و الإرساليات
8. أما فيما يختص بزعماء القبائل الذين تعودوا لبس الزى العربى فى مجالسهم العامة فيجب منعهم من ذلك و تشجيعهم على التمسك بالعادات و التقاليد – التعرى
9. إرغام من كانوا يتسمون بأسماء عربية لمدة أجيال على تغييرها
10. تبين لاحقاً إن الإنخراط فى قوة دفاع السودان يمثل أكبر مهددات هذه السياسة حيث يلتزم أبناء الجنوب العاملين بهذه القوة بالدين الاسلامى و تنتشر بينهم الثقافة العربية و يغيرون أسمائهم و يحتفى بهم أهلهم حال عودتهم فتم إنشاء ما عرف بقوة دفاع جنوب السودان تكون لغتها الرسمية الانجليزية و بها قساوسة يشرفون على تعمييد و تنصير أفرادها و هى القوة التى قامت بمذبحة توريت
فى 16 ديسمبر 1946 تم إعلان الغاء سياسة جنوب السودان و إعلان فشلها حيث ثبت بالتجربة أن جنوب السودان لا يمتلك العناصر الأساسية لمقومات الدولة (الدين– اللغة-الثقافة المشتركة–التاريخ)
هذه السياسة التى إعترف الإستعمار الإنجليزى بفشلها فى سياق مراجعة السياسة العامة لحكومة صاحبة الجلالة بعد الحرب الكونية الثانية و المتمثلة فى الإنسحاب من المستعمرات كانت هى السبب الرئيسى فى حدوث مذبحة توريت و ما نعانية اليوم.
فى سياق ما ترتب على الغاء سياسة المناطق المقفولة تم إلحاق قوة دفاع جنوب السودان بالجيش السودانى تحت إسم الفرقة الجنوبية و قيادتها فى توريت. سبب هذا القرار تذمراً كبيراً وسط جنود هذه الفرقة حيث أُشيع أن القوات الشمالية قادمة للقضاء عليهم و إستعبادهم مرةً أخرى.وقد تولى كبر هذه الإشاعة مفتشى المراكز الإنجليز و عدد كبير من رجال الكنيسة الذين وقف بعضهم ضد إلغاء سياسة المناطق المقفولة.
أعطيت التعليمات للبلك نمرة 2 من الفرقة الجنوبية بالسفر إلى الخرطوم للإشتراك فى الإحتفالات بجلاء القوات البريطانية. فى يوم 18/8/1955 تجمع البلك نمرة 2 فى ميدان الطابور داخل مقر القيادة الجنوبية بتوريت و أعطيت لهم تعليمات السفر و التحرك لجوبا فى شكل بلتونات ليستقلوا الباخرة الى الخرطوم يومها وقع التمرد المشئوم وقتل فى توريت و حدها 78 من التجار و الموظفين و المعلمين و النساء و الاطفال هذه صورةٌ مختصرة للسياسة الاستعمارية التى قصدت و أسست الى بذر الكراهية بين ابناء هذا الوطن.
فهذه الكراهية لم تكن موجودة قبل إنفاذ هذه السياسة و الدليل على ذلك أن جل قادة جمعية اللواء الأبيض التى قامت بثورة 1924 كانوا من أبناء الجنوب و كانوا يهتفون بوحدة وادى النيل وحياة الملك فؤاد الاول ملكاً لمصر و السودان. لا دخل للشريعة و لا الدكتاتورية ولا المؤتمر الوطنى بما جرى و يجرى .
الشاعر الهادى آدم كان شاهداً على هذه الأحداث الرعناء و صورها فى القصيدة التالية و هى تفصح عن ذلك المشهد .
توريت
الهادي آدم 1955
توريت يا وكر الدسائس والخديعة والدم
قد طال صمتك في الدجى هل آن أن تتكلمي
الغاب مطرقة الغصون على دجاك المعتم
والصمت والليل الرهيب وخادعات الأنجم
لا شئ غير الريح تنفخ في رماد المأتم
ومغارةً فيها المنايا السود فاغرة الفم
ونعيق ضفدعة تنوح بليلك المتجهم
يا قطة أكلت بنيها وهي ظمأى للدم
أمعنت قتلا في النساء وغيلة للمحرم
لم ترحمي حتى صغارهم ،،، ولم تترحمي
والشيخ والحبلى،،، فأي جريمة لم تجرمي
حتى غدوت مع الدجى وكر الطيور الحوم
ومناظر الأشلاء تنهضها الغيوم فترتمي
*******
من سد أبواب الجنوب بكل قفل محكم؟
من قسم السودان بين بنيه شر مقسم؟
أهم الشماليون؟،،، هل كانوا هناك ؟،،،، تكلمي
ردي فإن العار كل العار أن تتجهمي
توريت ذاك هو العدو فهمت أم لم تفهمي
توريت إن غدا لناظره قريب المقدم
فستعرفين وتندمين ولات ساعة مندم
مر اليوم أكثر من خمسون عاماً على أحداث ذلك العصيان و المذابح البربرية التي صاحبته لم يكن للمؤتمر الوطنى يدٌ فيها و لم تكن قوانين الشريعة قائمة يومها فالبارات و بيوت الدعارة كانت مفتوحة على مصراعيها فما يحصل من تقسيم هو سياسة طويلة النفس لتحقيق أهداف كلية أفصح عنها كثير من رجال الارساليات و الاستعمار كما ان الدول الغربية اليوم تنظر بعين الطمع لموارد هذا القطر الشاسع يسرها ان يتمزق و تنتشر فيه الفتن فيسهل على شركاتها سرقة موارده كما يحدث فى جل الدول الافريقية.
ولكن المؤسف أن معظم رجال السياسة وكتاب الصحافة و النخب المشتغلة بصناعة الرأى يقعدها الجهل بحقائق التاريخ و مؤامرات الأعداء فتتلهى بالكيد السياسى و سفاسف الأمور عن مؤامرة تمزيق الوطن و حسبنا الله و نعم الوكيل.
م. تاج السر حسن عبد العاطى
جامعة الجزيرة – كلية الهندسة
"[email protected]
ود مدنى – 7 يوليو 2011
المرجع:
تقرير لجنة التحقيق الادارى فى حوادث الجنوب فبراير 1956
حرب النهر ونستون تشرشل
خلفية الصراع فى جنوب السودان الدكتور محمد عمر بشير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.