لكل منا ذكرياته فى العيد فالطفولة مشحونة بذكريات طيبة وحتى تلك القاسية بعد مرور السنين تعتبر من الذكريات الحبيبة ويسعد بها كل منا خاصة إذا وجد من يشاطره هذه الذكريات من أقرانه وبنى جيله ولأن العيد جله فرحة فتنطبع ذكرياته وتتضخم بالفرح فى قاع الذاكرة لكل فرد . لبس جلاليب الدبلان والقليل من البوبلين الهندى وأحذية البلاستيك من الشدة أو أحذية شركة باتا فى الذاكرة منتهى الأناقة والوجاهة وبضعة شلنات هى فى الذاكرة ثروة تلبى لك شراء الكثير من الحاجيات فى عهد الطفولة . ليست كل حقبة الطفولة كانت سعيدة بل وفيها الكثير من العناء ولكن اجتيازها وتجاوزها الى مرافئ الفلاح والنجاح تنتقل وترتسم فى ذاكرتنا هذا الهيام والعشق لها . من المشاهد التى لاتنسى وتظل كما هى فى العيد مشهد المعايدة فى القرى إذ يجتمع أهل القرية جميعهم ويتناوبوا فى مصافحة بعضهم بعضاً بمشاعر صادقة تنسى كل واحد منهم أى عالق أو شائبة مرت خلال بقية أيام العام وتعززها بعد عبارات العيد مبارك ? العفو وتقابل بالرد عند الطرف الآخر علينا وعليكم ? عفو الحياة واللماه . أهل القرية كلهم فى مصلى العيد الشيب والشباب ومن النساء القواعد ولايكتفى المصلون بذلك بل ويدخلون منازل القرية منزلاً منزلاً وحتى لربات الخدور فى يوم العيد فسحة ورخصة لمقابلة الشباب ومبادلة التهانى . لا أنسى توجه المصلون فى قريتنا بعذ نهاية صلاة العيد الى دار جدى لتناول طعام الإفطار إذ أمامته للمصلين تحتم عليه حسب تقاليد القرية إعداد طعام الإفطار الذى كان يتكون من قراصة بملاح الويكة وصحن ملئ بالبصل وتعج الدار بالمصلين وتشعر أن القرية كلها تحفها الألفة والمودة والمحبة ويتفرق المصلون بعد ذلك تفرقاً مرحوماً الى اكمال المعايدة لذويهم وأرحامهم فى القرى المجاورة وكذلك الأصدقاء والأصهار .ولأن العيد كان مناسبة للتصافى والصفح فنجد أن أهل القرى رغم شظف العيش وقسوة المعيشة ينامون بعد صلاة العشاء ملء جفونهم وينهضون عند البكور الى أعمالهم بجوانح مليئة بالحيوية فيكدون ويشقون وينتظرون بالامل والثقة مايجنيه باطن الأرض عليهم من خير عميم . ذكريات العيد حبيبة الى أجيالنا ومن سبقنا ومن جاء بعدنا ربما حتى جيل السبعينيات لان ثقافة القرية لم تنفصم عراها ولأن أهل القرى تمسكوا بقراهم والبقاء فيها ولم تكن كل المغريات للعيش فى المدينة تجعلهم يتخلون عن قراهم وأرضهم وإن شهدت بعض مناطق السودان كوارث وحروب فالأمل عند الكثيرين انها غواشى وعوارض ستزول حتماً وسيعود من تخلى مرغماً عن أرضه إليها .. وستعود أخلاق القرية لأنها أقوى وأمضى من زيف حياة المدينة وزبدها .