السياحة اليوم، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، لم تعد مجرد نشاط فردي، أو عملية انتقال تلقائي، كما كانت في الماضي القريب، بل أصبحت نشاطاً اقتصادياً ضخماً تعتمد عليه كثير من دول العالم المتقدم والنامي، على السواء، فهي صناعة مركبة مؤلفة من مجموعة صناعات متداخلة تحوي تشييد الطرق والمطارات، والموانيء البحرية والبرية، وبناء منشآت الإيواء، والمحلات العامة، والصناعات الغذائية والتذكارية، وتتعدى ذلك بكثير إذ أنها تشمل على نحو ما، صناعة السيارات، والطائرات، والبواخر، وأجهزة التكييف والتبريد، وكافة المعدات والأجهزة الخاصة بالتجهيزات الفندقية، والأثاث والمفروشات وغيرها. وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن السياحة تتصل بأكثر من أربعمائة وخمسين صناعة رئيسية وفرعية. ü ولقد تطورت السياحة بخطى واسعة وسريعة بنهاية القرن الماضي نتيجة للتطور التقني الهائل، الذي انعكس أثره على كافة أوجه الحياة العصرية خاصة في وسائل النقل والمواصلات والإتصالات، والخدمات السياحية بكافة مستوياتها وألوانها منذ اللحظة التي يبدأ فيها الفرد التفكير في القيام برحلة سياحية، إذ تقدم له شبكات المعلومات الفضائية كافة البيانات الخاصة بأي مكان يود زيارته، ومن ثم يأتي نظام الحجز الالكتروني الذي يسهل له عملية الحجز في وسائل النقل، ومنشآت الإيواء، والبرامج السياحية، ويضاف إلى ذلك التقدم التقني الهائل الذي طرأ على التسهيلات في موانيء الوصول والمغادرة، وتقديم الخدمات السياحية في أماكن الإقامة بما يحقق السرعة والرَّاحة التي ينشدها الفرد خلال رحلته السياحية. ü وإنعكاساً لهذا التطور، أصبحت السياحة عملاقاً اقتصادياً تتصدر عائداتها المراكز الأولى في بنود حركة التجارة العالمية، وصار الاستثمار في قطاع السياحة في مقدمة الاستثمارات المفضلة والمحببة بالنسبة للمستثمرين ومؤسسات التمويل، ونتيجة لذلك دخلت كل بلدان العالم ساحة العمل السياحي، وتسعى جميع الدول لاستثمار كافة إمكانياتها ومواردها الطبيعية والحضارية والبشرية، لاجتذاب أعداداً متزايدة من جمهور السائحين وعليه تُنفق أموال طائلة في عمليات الترويج والتسويق والتدريب والبحوث، إذ أصبحت جودة الخدمات هي المعيار الفعلي للمنافسة بين الدول السياحية. وبناءً على ذلك أخذت كل البلدان والمنظمات السياحية تهتم بالدراسات والأبحاث التي أضافت الكثير للقاموس السياحي بدءاً من التعريف العلمي للسياحة، والأدوار الجديدة التي تقوم بها، مروراً بالمعارف والعلوم والأنماط السياحية المستحدثة، وانتهاءً باسباب تميز الإستثمار السياحي. لذا أصبح من الضروري تبيان هذه المستجدات حتى يلم أفراد قبيلة السياحيين على مستوى المركز والولايات، بآخر المستجدات في هذه الصناعة الهامة والواعدة. المستجدات هي كما يلي: أولاً: بعد ظهور سياحة الفضاء كنمط جديد، عُدِّلَ التعريف السابق للسياحة ليصبح كالآتي: «السياحة هي مجموعة الظواهر والأنشطة المتصلة بالسفر والاقامة، والإعاشة، والاستجمام، والاستمتاع، ومعرفة ما يدور في الكون» بدلاً من التعريف القديم الذي كان ينتهي بمعرفة ما يدور في الأرض فقط. ثانياً: ظهرت أدوار أخرى للسياحة خلاف الدور الاقتصادي، كدورها إجتماعياً، وإعلامياً، وثقافياً، وتربوياً، وصحياً، وسياسياً، وكذلك دور السياحة في زيادة الإنتاج وعلاج بعض الأمراض النفسية والعصبية. ثالثاً: ظهرت معارف وعلوم جديدة، كعلم السلامة والأمان في صناعة السياحة، وعلم الجودة السياحية، وعلم الشراكة في السياحة «THE PARTNER SHIP» وعلم الإرشاد السياحي الالكتروني، وعلم السياحات الجماهيرية. رابعاً: ظهرت أيضاً أنماط سياحية مستحدثة، كسياحة الفضاء، وسياحة الكوارث، وسياحة الحوافز، وسياحة العودة للماضي، وسياحة المشاق، وسياحة الأشبال «من 12 إلى 18 سنة» كاضافة ثرة لسياحة الشباب «من 18- 30 سنة». خامساً تميز الإستثمار السياحي: تعتبر التنمية السياحية أكثر أنواع التنمية صلةً وارتباطاً بالإستثمارات الوطنية والأجنبية، خاصة بعد تطبيق سياسة التحرير الاقتصادي، التي عمت كل بلدان العالم على وجه التقريب، وذلك نظراً لتعدد وتنوع الأنشطة والخدمات المتصلة بالسياحة، من مواصلات، وخدمات إيواء وإعاشة، ومحلات عامة، ووكالات سفر وسياحة، ومراكز تسوق وعلاج طبيعي، ومستودعات تموين وغيرها. وعبر هذا المنطلق اكتسب الإستثمار السياحي أهمية كبرى، وصار ركيزة أساسية للتنمية في أي بلد، بل أن مركز «هوكرز» بالمملكة المتحدة المتخصص في رصد حركة الإستثمارات حول العالم يشير في تقريره لعالم 2011م إلى أن الاستثمار والتمويل في قطاع السياحة يتصدر قائمة الإستثمارات المفضلة والمحببة لدى المستثمرين ومؤسسات التمويل، لأن جمهور السياح يدفع فوراً ومقدماً احياناً مقابل أي خدمة تقدم إليهم ولا تدخل في ذلك سلحفائية السداد المتبعة بالنسبة للصادرات الأخرى التي تخضع لإجراءات معقدة، كالشراء، والتخزين، والشحن والتفريغ، والتخليص، والفحوصات المعملية، وغيرها مما جعل خبراء الاقتصاد يقيمون الدولار الناتج من النشاط السياحي باثنين ونصف مقابل الدولار الناتج من الصادرات الأخرى سواء كانت زراعية أو صناعية، أو حيوانية الخ.. سادساً وأخيراً: صارت كل بلدان العالم تتنافس وتتسابق نحو استضافة السياحات الجماهيرية، كسياحة المؤتمرات، والدورات الرياضية والسباقات والمعارض والمهرجانات، وغيرها لأنها ذات جمهور كبير حيث تؤمها اعداد غفيرة من المشاهدين والمشاركين والمنظمين والإعلاميين وغيرهم مما يساهم في تفعيل وتنشيط حركة المنشآت السياحية، والصناعات والمؤسسات المرتبطة بصناعة السياحة مما يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الدخل السياحي في البلد المستضيف والله الموفق. üخبير سياحي