تعج الساحة الصحافية- في سودان اليوم- بأقلام نسائية متعددة، تكاد تغطي على «الأقلام الرجالية»، وأضحت المرأة تشكل حضوراً «كاسحاً» في جميع الصحف- بلا استثناء- كما أنها ما فتئت تنافس زميلها الصحفي، أبو شنب، بل وتتفوق عليه أحياناً في ميادين تتصل بالفنون الصحفية وأشكال العمل الإعلامي.. على سعة مساحاته ومنتدياته، وإن كان أداؤها لا زال يتسم بالنعومة التي تتفادى العمل المصادم. عشرات من الصحافيات اللامعات يتواصل عطاؤهن عبر الصحف والإصدارات التي تموج بها مطابع الخرطوم ومكتباتها، وتبرز في الساحة أسماء.. كما أن دور الصحف تزدحم بكثيرات من «الجيل الجديد» من صحفيات مبتدئات تتواصل مساعيهن على خطى الأوائل. وفي استعراض تلقائي لا يتقيد بالترتيب، تبرق في الذاكرة أسماء من «نسوة في المدينة» برزت أسماؤهن في دنيا الصحافة.. منذ أيام مجلة «صوت المرأة» وما قبلها بقليل وما بعدها، ولعل كثيرات ممن ينتمين إلى عالم الصحافة اليوم لا يعرفن اسم صحفية سودانية من الرائدات اللائي التحقن بهذا العالم منذ وقت مبكر، هي الأستاذة «تكوي سركسيان» التي تحتفظ في سجل التاريخ المعاصر والحديث لمسيرة الصحافة السودانية.. بصفحات ناصعات ثم توالت أسماء أخرى يذكرها المخضرمون.. من لدن فاطمة أحمد إبراهيم إلى بخيته أمين وآمال عباس. ولعل «المسيرة النسائية» الصحفية لا تنفصل عن «الإندماج» النسائي العام، الذي ظل ينتظم الحياة السياسية والثقافية في سودان ما بعد الاستقلال، منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، فضلاً عن أدوار المرأة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولا شك في أن صحفيات الراهن السوداني الآن يشكلن امتداداً طبيعياً لتلك الأجيال الرائدة من «أخوات مهيرة» اللائي وضعن اللبنات الأولى لتعبيد الطريق أمام المرأة التي اختارت «مهنة البحث عن المتاعب» أو «مهنة النكد» كما يحلو للصحفيين تسمية مهنتهم الشاقة- والمتميزة في ذات الوقت. وإذا كان عالم الصحافة- والإعلام عموماً- قد أتاح ويتيح للمرأة أن تغدو مشهورة تتناقل الألسن والوسائط اسمها وأخبارها، فإن هناك قطاعاً عريضاً من النساء اللائي يقمن بأدوار قيادية في مجالات أخرى كثيرة، من العمل السياسي إلى الخدمة المدنية، ومن القوات النظامية إلى الأجهزة الفضائية والعدلية، فضلاً عن الأدوار المتعاظمة للمرأة في مجالات الطب والتعليم في كافة المستويات.. وفي ميادين أخرى كثيرة، لا يضير الناجحات فيها أنهن بعيدات عن أضواء الإعلام.. لا تتناقل الوسائل.. المقروءة أو المسموعة أو المرئية- أخبارهن، وفي كثير من الأحيان لا تحفل بنجاحاتهن وإنجازاتهن. والواقع أن بروز الكوادر الصحفية المتخصصة.. من كليات الإعلام والصحافة ومعاهدهما- قد جاء متأخراً نسبياً، إذ أن معظم الذين عملوا وبرزوا لم يكونوا من ذوي التخصصات بقدر ما كانوا موهوبين دفعتهم مواهبم لممارسة الكتابة- والفنون الصحفية الأخرى- فأتقنوها وأجادوها، حتى أصبح كثيرون منهم قامات متميزة بالممارسة والتجربة والخبرة، كما أن كثيرين منهم قد طوروا أنفسهم بما يمكن تسميته «بالتأهيل أثناء الخدمة» حتى أصبحوا رموزاً ملفتة وأرقاماً لا يمكن تجاوزها، لكن هذا قد لا ينطبق إلا على عدد قليل من أولئك «اللائي» قطعن أيديهن.. ذلك بأن معظم صحفيات اليوم إن لم يكن جميعهن خريجات من كليات متخصصة.. ومع ذلك- وبالرغم من النجاحات التي تحققها «حواء» الصحفية- إلا أن بعض الخبراء يرون أن تلك النجاحات لا تزال دون الطموح الكبير المرجو، وأن عليهن بذل المزيد من الجهد لتجويد اللغة واقتحام صعاب العمل الصحفي. ومن طرائف تعليقات صديقي الساخر- الذي كنت أحاوره حول نجاح المرأة في الصحافة خاصة- وفي مجالات الإعلام الأخرى عموماً- تعليله الظريف بأن ذلك النجاح يرتبط «بيولوجياً» بالحاسة «الشمارية» لدى الأنثى.. باعتبار أن جل العمل الإعلامي يتصل «بتلقيط» الأخبار ورصد الأحداث و«نقل» الآراء ووجهات النظر.. وهذه كلها فنون تجيدها المرأة بطبيعتها.. كما يقول صديقي، وأن الأمر يرتبط بطبيعة تكوين المرأة وشغفها بما تسميه العامة ب«الشمارات»!!