«السودان يتخلى عن مصر»،، العنوان الرئيس لصحيفة الشروق المصرية الصادرة يوم الجمعة السابع من يونيو الجاري، وهو عنوان مزعج وصادم لكل من اطلع عليه من سودانيين ومصريين، رغم أن الخبر في متنه لم يكن بالمستوى الذي يؤهله لكي يصبح خبراً رئيساً في صحيفة تراعي المسؤولية والحرص على علاقات بلدين شقيقين.. ولعل العنوان المثير الذي خرجت به الصحيفة، أثار انزعاج المصريين والسودانيين على حد سواء، مما حدا بالكاتب المصري الكبير فهمي هويدي، أن يجعله مادته الرئيسية في مقاله بصحيفة الوطن نفسها في اليوم التالي السبت الثامن من يونيوالجاري.. تحت عنوان«هل تخلى السودان حقاً».. وقبل الإشارة إلى ماورد في مقالة الكاتب الكبير فهمي هويدي، يجدر بنا أن نشير إلى ما جاء في متن الخبر.. حيث أشارت المحررتان الصحافيتان المصريتان آية أمان وسنية محمود إلى الآتي: (أصابت دولة السودان المسؤولين المصريين في وزارة الري وقطاع المياه بحالة من القلق الشديد في أعقاب اتخاذ الخرطوم خطوات غير معلنة بإعادة جميع أنشطتها في مبادرة حوض النيل، دون التشاور مع مصر في الوقت الذي انشغلت فيه القاهرة بمعالجة الموقف، بعد تحويل مجرى النيل الأزرق في اثيوبيا، وحذرت مصادر حكومية تتعامل مع حوض النيل من خطورة الموقف بسبب اعتماد مصر بشكل أساسي، في صياغة موقفها على التنسيق مع السودان، مؤكدة أنه كان خلافاً في الغرف المغلقة، إلا أن الدولتين كانتا تتبعان موقفاً مشتركاً في النهاية،، وأضافت المصادر- التي فضلت عدم كشف هويتها- أن هناك تخوفات مصرية من مفاجأة قد تفجرها السودان..! هذا مقتطف مما جاء في الصفحة الأولى من صحيفة الشروق تحت عنوانها المثير الذي أثار حفيظة وقلق الكثيرين من مصريين وسودانيين، وجاء الخبر شاملاً في الصفحة السادسة، حيث أصبح العنوان.. «السودان تتخلى عن مصر وتعود إلى مبادرة حوض وادي النيل».. الخرطوم تتنصل من وعودها... ومسؤول سوداني: القاهرة تعاملنا معاملة الأخ الأصغر.. لكننا حريصون على المنفعة العامة.. وحين تقرأ الخبر لا تجده يشبه العنوان المثير ولا قريباً منه، وليس فيه مايؤكد ماذهبت إليه الصحيفة عن تخلي السودان عن مصر! الأستاذ فهمي هويدي بخبرته الصحفية وعلاقاته المتميزة مع السودان انتبه إلى الخبر وكتب في الصفحة الأخيرة من الصحيفة نفسها- الشروق-: «هل تخلى السودان حقاً؟.. واستهل المقال: لا أريد أن أصدق أن السودان تخلى عن مصر في موقفها من قضية سد النهضة الاثيوبي، وإذا صح الخبر فإن ذلك سيكون بمثابة الفشل الثاني لمصر بعد فشلها في احتواء الموضوع منذ البداية مع اثيوبيا.. ويمضي قائلاً: سيكون مدهشاً وصادماً أن تكون مصر قد فوجئت بتغيير الخرطوم لموقفها- أكرر إذا صح الكلام المنشور- تماماً كما فوجئنا بالتطورات التي حدثت في اثيوبيا.. ويضيف أن ما بين مصر والسودان علاقات لها خصوصية شديدة تتجاوز بكثير حكاية الشقيقة الكبرى والشقيق الأصغر، وهذه الخصوصية إذا أخذت على محمل الجد فإنها تهيئ مناخاً من الثقة والفهم يجنب كل طرف أن يفاجأ بسلوك أو موقف غير متوقع من الطرف الآخر، باعتبار أن انفتاح قنوات التواصل السياسية والأمنية يحول دون حدوث أمثال تلك المفاجآت..ألخ، ومقال الأستاذ فهمي هويدي مهم جداً وجدير بالقراءة، وما أشرت إليه هنا مقطتفات بسيطة لا تعطي القكرة كاملة كما كتبها الأستاذ فهمي هويدي،، والمهم أن صحف القاهرة التي تنافس صحف الخرطوم في العدد وتتفوق عليها من حيث الامكانات وعدد الصفحات، تُبدي اهتماماً واسعاً بقضية سد النهضة الاثيوبية أو سد الألفية الاثيوبية.. وهو تناول يؤكد أهمية قضية المياه في مصر باعتبارها قضية حياة أو موت، ولذلك يجد الموضوع اهتماماً شعبياً لا نظير له، بل هو حديث الشارع المصري في كل مكان وقضية الساعة الراهنة.. وحيث أن وسائل الإعلام المصرية جعلت من سد النهضة والمياه الموضوع الرئيسي، فقد بدأ الجميع يخوضون في الموضوع- كل حسب فهمه وحسب هواه واتجاهه السياسي- دون رقيب، وأصبح السودان مادة خصبة في هذا التناول بين مادح وقادح، بل هناك شائعات كثيرة حول السودان وموقفه من هذه القضية، بل وجد البعض فرصتهم ليشوهوا وجه السودان في موقفه من ملف المياه مع مصر، ويتهمونه بمناصرة اثيوبيا على مصر.. بل ذهب بعض الكتاب إلى أن السودان يقايض موقفه من مناصرة مصر ضد اثيوبيا بحلايب، وذهبت وسائل إعلام أخرى على أن مصر والسودان اتفقتا على ضرب سد النهضة بطائرات اف16.. المهم تداعيات كثيرة بسبب سد النهضة، وهناك من دق طبول الحرب، ومن أظهر موقفاً شديد العداء تجاه السودان، ولكن اللافت للانتباه أن المكايدات السياسية ظاهرة بشكل واضح، وأن كل حزب يريد أن يعلي من شأنه في قضية المياه، ويكسبه موقفاً يقربه من الشعب، وكان هذا واضحاً من انتقادات وجهت للدكتور محمد مرسي عقب عودته من اديس ابابا، وبعدها أعلنت اثيوبيا عن تحويل مجرى النهر، والمضي قدماً في تنفيذ إنشاء السد، وأن اثيوبيا لم تهتم لزيارة مرسي لاديس ابابا، علماً بأن الرئيس المصري زار اثيوبيا في إطار احتفالية افريقية، وليس في زيارة خاصة لاثيوبيا.. ولكن مايهمنا هنا تحديداً أن نعرف بوضوح موقف حكومتنا من ملف المياه مع مصر ودورها المهم في هذه القضية.. حيث أن السودان على علاقة طيبة مع اثيوبيا أيضاً، ونحن نعلم تماماً أن السودان يقف مع مصر في ملف المياه كما صرح لنا بذلك الدكتور كمال حسن علي سفير السودان لدى مصر بان السودان يقف مع مصر، ولم يوقع على اتفاقية عنتبي.. ويجب أن لا نعطي الفرصة للذين يريدون أن يفسدوا علاقاتنا مع مصر ومع اثيوبيا، وأن يشعلوا فتنة يتضرر منها السودان على وجه الخصوص، ومعه جيرانه مصر واثيوبيا على حد سواء.